تكلفة السماح بترسخ التضخم تفوق تكلفة السيطرة عليه
بعد أن أساءوا تقدير قوة التضخم على مدى العام الماضي، يشعر محافظو البنوك المركزية بالقلق الآن لنقل رسالة مفادها بأنهم مصممون على عدم تكرار أخطاء السبعينيات. قد يعتقد المرء أن ذلك أفضل كثيرا، لأن تلك الحقبة أخبرتنا أن التكاليف طويلة الأجل للسماح للتضخم بالترسخ تفوق كثيرا التكاليف قصيرة الأجل لإخضاعه للسيطرة.
لكن في حين أن التهديد الحالي للركود التضخمي يتماشى مع السبعينيات، فإن السياق الاقتصادي والمالي الأوسع عندما بدأ رئيس الاحتياطي الفيدرالي، بول فولكر، تشديد السياسة في 1979 يختلف بشكل ملحوظ عما هو عليه اليوم. كان التضخم أعلى بكثير وكانت الاقتصادات المتقدمة تبدو مختلفة للغاية. من المهم، إذن، التفكير في الأخطاء الجديدة المحتملة في العقد الحالي.
الاختلاف الوحيد الأهم، من حيث توجيه المسار إلى الأسعار المستقرة، يتمثل في التراكم الهائل للديون منذ ذلك الوقت. في الولايات المتحدة، إجمالي الدين العام كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي ارتفع من 34.3 في المائة في 1982 إلى 127.0 في المائة في 2021. ظهر اتجاه مشابه في جميع أنحاء العالم المتقدم. كذلك كانت مستويات الدين في قطاعي الشركات والأسر في اتجاه تصاعدي خلال تلك الفترة. لكن لماذا؟
أحد الأسباب الأساسية هو الصدمة في جانب العرض، بعدما انضمت الصين والهند وأوروبا الشرقية إلى الاقتصاد العالمي، ما أدى إلى انخفاض تكلفة العمالة بالنسبة لرأس المال. وأدى هذا بدوره إلى انخفاض الاستثمار وضعف الطلب في الاقتصادات المتقدمة. عوّضت البنوك المركزية عن ذلك بسياسة نقدية أكثر مرونة أدت إلى ارتفاع أسعار الأصول المشوهة إلى الأعلى، مقارنة بأسعار البضائع، مع تأمين نمو يعتمد على الديون. في هذه الأثناء، ظل التضخم هادئا، ما جعل من السهل على البنوك المركزية الحفاظ على أهداف التضخم، التي تم تقديمها في حقبة ما بعد فولكر.
أسعار الفائدة المنخفضة، الخطرة أخلاقيا، شجعت على مزيد من الاقتراض – تأثير تصاعد بعد الأزمة المالية 2007 ـ 2009 على خلفية أسعار الفائدة شديدة الانخفاض وأسعار الفائدة السلبية في جميع أنحاء العالم، إلى جانب برامج شراء الأصول لدى البنوك المركزية. ثم أدى الدعم المالي أثناء الجائحة إلى أكبر زيادة في الديون لمدة عام منذ الحرب العالمية الثانية. يقدر صندوق النقد الدولي أن الدين العام، إضافة إلى الدين الخاص غير المالي، ارتفع 28 نقطة مئوية في 2020، ليصل إلى 256 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
كان مثل هذا الاقتراض غير مؤلم نسبيا مع أسعار فائدة منخفضة للغاية، لكنه أصبح الآن نقطة ضعف مدمرة مع ارتفاع حالات العجز الناجمة عن الجائحة، ورفع البنوك المركزية أسعار الفائدة وتقليص ميزانياتها لمعالجة التضخم المتنامي. وتزداد تكاليف الاقتراض بشكل طبيعي في القطاع العام. وحيثما انخرطت البنوك المركزية في عمليات شراء الأصول على نطاق واسع، فإن أسعار الفائدة المرتفعة ستقلل أيضا تحويلات البنوك المركزية إلى الحكومات.
استبدلت البنوك المركزية بالفعل الدين طويل الأجل بالديون المربوطة بسعر الفائدة لليلة واحدة – سعر الفائدة على احتياطيات البنوك التي مولت شراء أصولها. نتيجة لذلك يقول بنك التسويات الدولية إن ما يصل إلى 30-50 في المائة من الدين الحكومي القابل للتسويق في أكبر الاقتصادات المتقدمة، هو بالفعل لليلة واحدة. في هذه العملية، الخسائر في بيع الأصول إلى جانب ارتفاع عائدات السندات وانخفاض الأسعار قد تثير أسئلة محرجة سياسيا حول ما إذا كان ينبغي تعزيز ميزانيات البنوك المركزية بأموال دافعي الضرائب.
في القطاع الخاص، تؤدي السياسة المتشددة إلى ارتفاع تكاليف خدمة الديون، مع انخفاض أسعار المنازل والأوراق المالية. عولمة تدفقات رأس المال منذ الثمانينيات تعني أن الأسواق الناشئة المثقلة بالديون ستتضرر بشكل خاص من ارتفاع أسعار الفائدة.
تشير التغييرات التي طرأت على الهيكل المالي منذ عهد فولكر إلى عدم الاستقرار المالي الذي يلوح في الأفق. نمو أسواق المشتقات الغامضة، وظهور بنوك الظل غير الخاضعة للتنظيم، والبيئة التنظيمية في مرحلة ما بعد الأزمة، التي تقيد قدرة البنوك على نقل الأوراق المالية إلى ميزانياتها العمومية في أوقات الشدة كلها سمات مثيرة للقلق في الأسواق الحديثة. كما أشار مايكل هويل، من شركة كروس بوردر كابيتال، الدور الرئيس للنظام المالي لم يعد أخذ الودائع ومنح القروض، بل إعادة تمويل الديون التي تدعم النمو والاستهلاك العالميين. ويعتمد هذا النظام المعقد بشكل متزايد على الضمانات الهشة.
تتطلب السيطرة الناجحة على التضخم اتخاذ إجراءات وقائية. لكن البنوك المركزية تعلن أنها تعتمد على البيانات وتركز كثيرا على أرقام التضخم والتوظيف، وهي مؤشرات متخلفة. رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جاي باول، كما هي حال معظم محافظي البنوك المركزية الآخرين، لديه أدنى اهتمام بأرقام عرض النقود، والتي تعد مؤشرات مستقبلية. تيم كونجدون، من جامعة باكنجهام، الذي يعد سجله التنبؤي فيما يتعلق بالتضخم الحالي أفضل بكثير من سجل البنوك المركزية، لاحظ أن النمو النقدي الواسع في الولايات المتحدة توقف بشكل كامل تقريبا في الأشهر الستة حتى يوليو الماضي.
لدينا هنا الوصفة المثالية للمبالغة في التشديد النقدي وأزمات السيولة.