الدولار ملك القلعة .. ارتفع أو انخفض يتأثر القريب والبعيد
في أوقات الشدة، يكون الدولار ملاذ العالم وقوته. هذا صحيح حتى عندما تكون الولايات المتحدة هي مصدر المشكلة، مثلما حدث في الأزمة المالية في الفترة 2007- 2009. هذا صحيح مرة أخرى في الوقت الحالي. أدت سلسلة من الصدمات، بما في ذلك التضخم المرتفع في الولايات المتحدة، إلى حركة صعودية مألوفة في قيمة الدولار. علاوة على ذلك، لم يكن الارتفاع مقابل عملات الاقتصادات الناشئة فقط، بل أيضا مقابل عملات الدول ذات الدخل المرتفع. في الوقت نفسه، القصة العامة لدورة الدولار تكمن وراء بعض القصص المحددة. العبث بسياسات الاقتصاد الكلي لإحدى الدول، خاصة الإدارة المالية، يثبت أنه أمر خطير بشكل خاص عندما يكون الدولار قويا وأسعار الفائدة آخذة في الارتفاع، والمستثمرون يبحثون عن الأمان. كواسي كوارتنج، من فضلك لاحظ ذلك.
ارتفع سعر الصرف الفعلي الاسمي للدولار 12 في المائة في الفترة بين نهاية 2021 والإثنين الماضي، وفقا لتقديرات "جيه بي مورجان". خلال الفترة نفسها، انخفض سعر الصرف الفعلي للين 12 في المائة، والجنيه الاسترليني 9 في المائة، واليورو 3 في المائة. أما مقابل الدولار وحده، كانت الأرقام أكبر: انخفضت قيمة الجنيه الاسترليني 21 في المائة، والين 20 في المائة، واليورو 16 في المائة. الدولار هو ملك القلعة.
لماذا حدث هذا؟ هل هذا مهم؟ ما الذي يمكن فعله حيال ذلك؟
بالنسبة للسبب، الجواب هو أن الاقتصاد العالمي عانى أربع صدمات مترابطة منذ 2020: الجائحة، وتوسع مالي ونقدي ضخم، إلى جانب أزمة إمداد بعد الجائحة، حيث أثر الطلب المكبوت "وغير المتوازن" على القيود المفروضة على الإمداد في المدخلات الصناعية والسلع الأساسية، وأخيرا الحرب في أوكرانيا التي أثرت في الطاقة، خاصة بالنسبة لأوروبا.
تضمنت النتائج زيادة في عدم اليقين، وضغوط تضخمية قوية في الولايات المتحدة، وحاجة إلى سياسة نقدية، خاصة بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، من أجل التعويض، وقوى ركود قوية، خاصة في أوروبا. ارتفعت قيمة الدولار مع تشديد الاحتياطي الفيدرالي قبل أن يفعل ذلك نظراؤه في الدول ذات الدخل المرتفع. في الوقت نفسه، يتم تحديد النتائج المتباينة للاقتصادات الناشئة من خلال مدى جودة إدارة اقتصاداتها، وما إذا كانت تصدر السلع الأساسية وحجم مديونياتها.
من المدهش أن عملات كثير من الدول الناشئة داخل مجموعة الـ20 كان أداؤها أفضل من عملات الدول ذات الدخل المرتفع. ارتفعت قيمة الروبل الروسي بشكل حاد. أسوأ العملات أداء كان الجنيه الاسترليني والليرة التركية والبيزو الأرجنتيني. هذه المجموعة التي يبقى معها الجنيه الاسترليني الآن!
هل قوة الدولار مهمة؟
نعم مهمة، لأنه يميل إلى فرض ضغوط انكماشية على الاقتصاد العالمي، كما يشير بحث أخير شارك في تأليفه موريس أوبستفيلد، كبير الخبراء الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي. الدور الذي تلعبه أسواق رأس المال في الولايات المتحدة وعملة الدولار أكبر كثيرا مما يشير إليه الحجم النسبي لاقتصادها. أسواقها المالية هي أسواق العالم وعملتها هي الملاذ الآمن في العالم. بالتالي، عندما تغير التدفقات المالية اتجاهها من الولايات المتحدة أو إليها، يتأثر الجميع. أحد الأسباب هو أن معظم الدول تهتم بأسعار صرف عملاتها، خاصة عندما يكون التضخم مصدر قلق ـ فقط بنك اليابان يمكن أن يكون سعيدا بشأن عملته الضعيفة. الخطر أكبر بالنسبة للدول التي لديها التزامات ضخمة تجاه دول أجنبية، ويكون الوضع أكثر خطورة إذا كانت الالتزامات مقومة بالدولار. الدول الرشيدة تتجنب التعرض لهذا الخطر. لكن كثيرا من الدول النامية ستحتاج الآن إلى المساعدة.
تأتي قوى الركود هذه، المنبثقة من الولايات المتحدة والدولار المرتفع، على رأس تلك التي أحدثتها الصدمات الحقيقية الكبرى. في أوروبا، فوق كل ذلك، هناك الطريقة التي تؤدي فيها أسعار الطاقة المرتفعة إلى زيادة التضخم وإضعاف الطلب الحقيقي في آن معا. في الوقت نفسه، إصرار زعيم الصين على القضاء على الفيروس الذي ينتشر بحرية في بقية العالم يضر باقتصادها. قد يسيطر الحزب الشيوعي الصيني على الشعب الصيني، لكنه لا يمكنه السيطرة على قوى الطبيعة بهذه الطريقة إلى أجل غير مسمى.
ما الذي يمكن فعله؟ ليس كثيرا.
هناك بعض المحادثات حول تدخل منسق في العملة، كما حدث في الثمانينيات، من خلال اتفاقيتي بلازا ثم اللوفر، أولا لإضعاف الدولار ثم لإضفاء الاستقرار عليه. الفرق هو أن الأولى، على وجه الخصوص، تناسب ما أرادته الولايات المتحدة آنذاك. هذا الأمر جعل التدخل يتماشى بشكل موثوق مع أهدافها المحلية. لا يمكن أن تكون هذه هي الحال هذه المرة، حتى يشعر الاحتياطي الفيدرالي بالرضا مع المعدل الذي يتجه إليه التضخم. التدخل في العملة لإضعاف الدولار من قبل دولة واحدة، أو حتى عدة دول، من غير المرجح أن يحقق الغرض.
السؤال الأكثر أهمية هو ما إذا كان التشديد النقدي سيذهب بعيدا، وعلى وجه الخصوص، ما إذا كانت البنوك المركزية الرئيسة تتجاهل التأثير التراكمي لتحولها المتزامن نحو التشديد. هناك نقطة ضعف واضحة في منطقة اليورو، حيث تكون الضغوط التضخمية المحلية ضعيفة ومن المحتمل حدوث ركود كبير العام المقبل. مع ذلك، كما أكدت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، الأسبوع الماضي: "لن ندع هذه المرحلة من التضخم المرتفع تغذي السلوك الاقتصادي وتوجد مشكلة تضخم دائمة. سيتم وضع سياستنا النقدية مع وضع هدف واحد في الحسبان: تنفيذ تفويضنا بشأن تحقيق استقرار الأسعار". بالتأكيد، قد يتضح أن هذا مبالغ فيه. لكن البنوك المركزية ليس لديها كثير من الخيارات: عليها أن تفعل "كل ما يتطلبه الأمر" لكبح توقعات التضخم.
لا أحد يعرف مقدار التشديد الذي قد يحتاج إليه هذا الأمر. لا أحد يعرف إلى أي مدى سيساعد عبء الديون المتراكمة، من خلال العمل بصفته حزام نقل قويا، أو يضر، من خلال التسبب في الانهيار المالي. ما هو معروف أن قدرة البنوك المركزية على دعم الأسواق والاقتصاد قد ولت لبعض الوقت. في مثل هذا الوقت، فإن الرصانة المتصورة للمقترضين مهمة مرة أخرى. هذا صحيح بالنسبة للأسر والشركات، فضلا عن الحكومات. حتى حكومات مجموعة السبع التي كانت ذات مصداقية في السابق، مثل حكومة المملكة المتحدة، تدرك الآن هذه الحقيقة. التدفقات المالية آخذة في الانحسار ـ الآن فقط نلاحظ من كان منكشفا للمخاطر.