حرب مناقصات في سوق الغاز المسال .. أوروبا ضد العالم النامي
رغبة أوروبا القوية في استبدال الغاز الطبيعي المسال بصادرات الغاز الروسية، تترك الدول النامية متعطشة للغاز، وتفسح المجال لسوق يربح فيها التجار من اندفاع المشترين لتأمين الإمدادات.
وفقا لبيانات جمعتها لـ"فاينانشيال تايمز" شركة تحليلات السلع "أي سي أي إس"، ستشهد الصين والهند والبرازيل وباكستان وبنجلادش هذا العام أعلى معدل انخفاض في الطلب على الغاز الطبيعي المسال، 34.5 مليون طن مقارنة بتوقعات العام الماضي، أي ما يعادل نحو 9 في المائة من إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية في 2021.
تقدم الدول الأكثر ثراء عطاءات أعلى مقابل الغاز الطبيعي المسال المكلف، في محاولة لسد فجوة خلفها حد روسيا من صادراتها من الطاقة. من المتوقع أن يرتفع الطلب في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند 46.6 مليون طن هذا العام. وبحسب "أي سي أي إس"، تمثل أوروبا، بما في ذلك المملكة المتحدة، 85 في المائة من الزيادة في الطلب.
هذا الاختلال في التوازن يهدد بدفع كثير من الاقتصادات الناشئة إلى أزمات طاقة ربما تطيل أمد اعتمادها على أنواع الوقود الأكثر تلويثا. في الوقت نفسه، يتطلع تجار الغاز الطبيعي المسال إلى الربح من تفاوت الأسعار في الأسواق العالمية، لأن هذه الدول غالبا ما تستخدم السوق الفورية لشراء السلعة.
قال أليكس سيو، كبير محللي الغاز الآسيوي في "أي سي أي إس"، "إن دولا مثل باكستان وبنجلادش تدفع أقصى ما تستطيع في حرب المناقصات هذه، التي تدور خصوصا مع أوروبا، على الشحنات من السوق الفورية"، وأضاف "ما زلنا نسمعهم يحاولون المزايدة بأسعار أقل، وأحيانا يحصلون على شحنة هنا وهناك. لسوء الحظ، هذا لا يكفي الجميع".
ومع مستوى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال الذي تجاوز الانخفاضات المدمرة "يمكن القول إن (سوق الغاز الطبيعي المسال) ستظل شحيحة حتى 2025 أو 2026 عندما تدخل بعض أكبر مصانع إمدادات الغاز الطبيعي المسال حيز التشغيل".
أدى هذا الضغط إلى رفع متوسط سعر السوق الفورية الآسيوية المعيارية هذا العام نحو 140 في المائة عن العام الماضي.
رصد بعض التجار فرصة في السوق. ترتبط العقود طويلة الأجل التي تم توقيعها قبل أعوام بأسعار معيارية أقل كثيرا من الأسعار الحالية.
حتى لو دفع تجار الغاز الطبيعي المسال غرامات لتخطي تسليم متعاقد عليه، فبإمكانهم تحقيق ربح ضخم من خلال البيع في السوق الفورية حيث تكون الأسعار أعلى بكثير.
تم تسليط الضوء أخيرا على وحدة كانت تتبع لشركة غازبروم، مقرها سنغافورة، كانت ملزمة بتزويد "جيل"، شركة توزيع الغاز التي تديرها الدولة في الهند، لمدة 20 عاما بموجب اتفاق تم توقيعه 2012.
في تقارير هاتفية بشأن الأرباح في أوائل آب (أغسطس)، كشفت "جيل" أنها، منذ مايو لم تتلق الكمية المتعاقد عليها من الغاز الطبيعي المسال من الوحدة التابعة لـ"غازبروم" سابقا - التي تسمى الآن "إس إي إف إي ماركتنج آند تريدينج" بعد أن استحوذت ألمانيا على الشركة الأم، مع اشتباه تجار الغاز الطبيعي المسال في بيعها الشحنات المخصصة لـ"جيل" في السوق الفورية.
في بيان لـ"فاينانشيال تايمز"، قالت "إس إي إف إي"، التي تعني تأمين الطاقة لأوروبا، "إن هذا يرجع إلى أنها تتدبر مخزوناتها من الغاز الطبيعي المسال، لأنها تفتقر حاليا إلى جزء كبير من إمداداتها من الغاز" بعد ما وصفته بـ"العقوبات الروسية" على المجموعة، وأضافت "مع تزايد الشح في الأسواق الأوروبية تستخدم (وحدة سنغافورة) الآليات التعاقدية في اتفاقياتها لإدارة الوضع".
وفقا لأحد تجار الغاز الطبيعي المسال، منذ صيف العام الماضي، عندما بدأت أسعار الغاز في الارتفاع في كل من آسيا وأوروبا، حدثت "عدة حالات" ألغى فيها مشاركون في الصناعة عقودهم طويلة الأجل وباعوا الشحنات في السوق الفورية بهامش ربح أعلى بغض النظر عن "خطورة تدمير الثقة كليا".
إذا تمكن التجار من جني مزيد من الأرباح بإلغاء الشحنات وبيعها إلى أحد آخر بزيادة ضخمة "فسيعيدون الكرة كل مرة"، بحسب توبي كوبسون، الرئيس العالمي للتجارة والاستشارات في "ترايدنت" للغاز الطبيعي المسال، وهي شركة لتجارة الغاز.
قال "الشروط الواردة في العقد تسمح بذلك (...) هذا ليس أمرا جديدا. إذا كنت على الطرف الآخر من تلك المبادلة، فهذا محبط، ومع شح السوق الآن، ستترتب على ذلك عواقب وخيمة".
الدول النامية التي لم تتمكن من تأمين الغاز الطبيعي المسال تتجه بشكل متزايد إلى أنواع أكثر تلويثا من الوقود.
ذكرت شركة وود ماكينزي الاستشارية أن الصناعات الصغيرة في الهند تتحول إلى استخدام زيت الوقود وغاز البترول المسال للتدفئة، في حين ارتفع توليد الطاقة باستخدام النفط خمسة أضعاف في باكستان و45 في المائة في بنجلادش.
أسعار الغاز الطبيعي المسال ومصادر الوقود الأخرى المرتفعة مؤلمة تحديدا لدول جنوب آسيا، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الغاز الطبيعي المستورد لتوليد الكهرباء. مثلا، عانت كل من باكستان وبنجلادش انقطاعا واسع النطاق للتيار الكهربائي في الأشهر الأخيرة.
في باكستان أدى نقص الوقود إلى زيادة الطلب على بدائل مثل الفحم من أفغانستان المجاورة، حيث عززت "طالبان" الصادرات إلى جارتها المتعطشة للطاقة. يقدر بعض الباحثين أن صادرات أفغانستان من الفحم إلى باكستان تضاعفت هذا العام.
قال سام رينولدز، محلل تمويل الطاقة في معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي "يمتلئ المخزون الأوروبي والياباني بقدر كبير، لكن هناك تساؤلات عن المدة التي سيدوم فيها".
إذا لم تخفض أوروبا استهلاك الغاز "في مارس من العام المقبل، فقد نكون في المكان نفسه بالضبط حيث تكون هناك حاجة إلى استهلاك مزيد من الغاز الطبيعي المسال. بالتالي الدول في آسيا الناشئة ستغتنم أي فرصة ممكنة لإبقاء الأضواء مضاءة، وهذا ربما يعني وقودا أكثر تلويثا، وربما واردات أكبر من الدول المجاورة".