تسطيح الهياكل الهرمية .. أنموذج القيادة للجيل القادم
جاء أورو أوجبو إلى المملكة المتحدة من نيجيريا. كان أوجبو يعمل لدى شركة بي دبليو سي. عندما سألته شركته العام الماضي: عما إذا كان يرغب في الانضمام إلى برنامج جديد لتدريب القادة الشباب في أوروبا ودعمهم؟ لم يتردد في الموافقة. عزمه جاء من حرصه على مشاركة تجاربه الخاصة والاستماع إلى وجهات نظر مختلفة.
يقول "كنت أرغب في الاستماع إلى آراء الآخرين حول المواضيع المهمة: تغير المناخ، والجغرافيا السياسية، والمعلومات المضللة. كنت أريد أن أكون جزءا من تشكيل أنموذج القيادة للجيل القادم. اكتشفت أن هناك بعض الآراء المختلفة تماما حول القيادة، والتنوع وكيف ينبغي للمهاجرين الاندماج".
انضم أوجبو إلى مجموعة أولية مكونة من متطوعين في العشرينات من عمرهم، من كثير من الدول والخلفيات المهنية، الذين ساعدوا على تطوير برنامج أوروبا 101، سلسلة مجانية من ورش العمل والمحادثات عبر الإنترنت تدعمها منصة تواصل. حتى الآن، مع بدء المجموعة الرابعة للتو، سجل البرنامج أكثر من ألف مشارك. في البرنامج، يتحدثون عن آرائهم والتحديات التي تواجههم، ويتناقشون في مفاهيم القيادة المرتبطة بالهدف والشمولية والثقة، ويقدمون الالتزامات تجاه بعضهم بعضا، ويفكرون في كيفية تغيرهم في المستقبل.
تقول جوليا ميدلتون، التي طورت المشروع، الذي تشرف عليه مؤسستها الخيرية كومون بيربس "نستخدم برنامجا للقيادة لربط جيل معا ومنح هؤلاء الشباب الإذن ليكونوا قادة. مفهومهم بشأن القيادة هو أنها أمر ثابت ومؤسسي للحفاظ على الوضع الراهن. نحن نتحدى هذا المفهوم، لنجعل تفكيرهم أكثر مرونة. إنهم يدركون أن دور القائد لا يقتصر على دعم الموظفين فحسب، بل إنجاز المهمة".
يعكس برنامج أوروبا 101 مطلبا أوسع من الأفراد وأصحاب العمل لأساليب جديدة مرنة للتدريب وبناء الروابط عبر الحدود الوطنية، وفي وقت تحركت فيه جوانب سياسة حكومة المملكة المتحدة في الاتجاه المعاكس، من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تقليص برامج التبادل الدولي والتطوع.
أحد الأمثلة على ذلك هو القرار الذي اتخذته المملكة المتحدة في 2020 بالانسحاب من "إيراسموس"، النظام المدعوم من الاتحاد الأوروبي الذي يركز على دعم الطلاب بإرسالهم لمدة عام إلى جامعة في دولة مختلفة. تم استبداله ببرنامج "تورينج" الأكثر تواضعا لإرسال المهتمين من البريطانيين لفترات أقصر، مع عدم وجود ترتيبات متبادلة لمواطني الدول الأخرى للقدوم إلى المملكة المتحدة.
يقول خوان رايون جونزاليس، رئيس شبكة طلاب نظام إيراسموس "إن أفضل شيء يمكن أن تفعله المملكة المتحدة هو أن تنضم إلى البرنامج مجددا". كما يستشهد جونزاليس بفوائد مثل التواصل الأفضل، وبناء الفرق، والتفاهم بين الثقافات والمشاركة المدنية. "يصوت خريجو (إيراسموس) أكثر في الانتخابات الأوروبية. ويجعلهم البرنامج مواطنين أكثر نشاطا".
كما تم إيقاف برامج أخرى مدعومة من بريطانيا. مثلا، تم إلغاء برنامج خدمة المواطنين الدوليين، الذي تديره مؤسسة الخدمة التطوعية في الخارج لإرسال المشاركين لمدة 12 أسبوعا، في 2020. يقول فيليب جودوين، الرئيس التنفيذي "لقد عزز البرنامج المواطنة النشطة وبنى الثقة بالنفس وقدم فرصة أفضل للتوظيف وحسن من الرفاهية. إننا نتحدث عن بريطانيا العالمية والفرص المتاحة في جميع أنحاء العالم، لكن لا يوجد مال وراءها. وهذه مضيعة هائلة".
قد يكون لبرامج مثل هذه أعظم الفوائد، لكنها تتطلب فترات زمنية مكلفة الثمن في الخارج. أدى ذلك إلى تقييد تنوع الأشخاص القادرين على المشاركة فيها، إلى جانب إثارة المخاوف البيئية أيضا بشأن البصمة الكربونية للسفر. عززت جائحة فيروس كورونا أساليب بديلة عبر الإنترنت، وأجبرت كليات إدارة الأعمال والمؤسسات الأخرى على تبنيها.
يشير نمو برامج مثل "أوروبا 101" إلى أن هذا النهج سيتطور. بالنسبة إلى أصحاب العمل مثل داني بيسلاند، مدير في الاتحاد الاسكتلندي لكرة القدم، الذي رشح عددا من المشاركين، فإن المزايا واضحة.
"إننا نشهد تحولا كبيرا من الفرق إلى منظمات كبيرة يقودها المجتمع المحلي. لقد تحولت الأندية في اسكتلندا بشكل سريع لا يصدق خلال كوفيد من كرة القدم إلى دعم بنوك الطعام، وكبار السن، والرعاية المجتمعية. سيستمر هذا. إن دور الشباب بالغ الأهمية: يمكنهم التحدث مع أقرانهم. نحن مهتمون حقا بتعزيز دمج الشباب في عملية صنع القرار"، كما يقول.
من جانبه، يقول نيكولاس كلوس، ميكانيكي ألماني شارك في ورش العمل الأسبوعية في "أوروبا 101"، "إن الجلسات ساعدته على فهم أهمية أخذ تصورات الآخرين في الحسبان بشكل أفضل. يعتقد أن التواصل، على وجه الخصوص، يمكن أن يقدم أكبر فائدة على المدى الطويل"، وأضاف "الأمر الأكثر أهمية ليس ما تعرفه بل الأشخاص الذين تعرفهم، والعلاقات التي تكونها".
يقول مارشال ماركوس، الأمين العام لـ"أوركسترا الشباب الأوروبية"، التي ترسل أيضا المشاركين إلى الخارج "هناك كثير من الأسباب لصقل القيادة، ويشعر الشباب بأن جيلنا أفسد الأمور. يريدون أن يكونوا جزءا من عملية صنع القرار".
كما يعتقد أنه "مع وجود كثير من القضايا الملحة الآن، مثل أزمة المناخ، فإن البرنامج يؤكد مدى تعقيد الدور القيادي. كلما زاد تنوع المشاركين ثقافيا، زادت قيمة تجربة التعلم"، حسبما أضاف.
أيضا يضيف ماركوس أن فكرة "القيادة السلسة" المرنة وراء البرنامج ضرورية في جميع أنحاء أوروبا، ومحورية في مهنته في الموسيقى.
"إننا بحاجة إلى الابتعاد عن الأسلوب الهرمي القديم للقيادة. عندما يعزف الموسيقيون معا، من المذهل كيف يمكنهم تولي القيادة في الوقت المناسب وتمريرها".
سيكون الاختبار التالي لبرنامج أوروبا 101 وغيره من البرامج الخفيفة الأخرى عبر الإنترنت هو تأثيره في المدى الطويل، بما في ذلك إذا ما كان المشاركون يحتفظون بالعلاقات التي كونوها ويرعونها.
يمكن القول إن بناء العلاقات أسهل عندما يكون الناس معا بشكل شخصي، ويتشاركون تجربة لفترة أطول، مثلا، غالبا ما يعيش المشاركون في برنامج إيراسموس ويعملون معا.
لكن منذ مشاركته في العام الماضي، يقول أوجبو "إنه ظل على تواصل بعدد ممن التقاهم. لقد ترك شركة بي دبليو سي ليؤسس شركته الناشئة التعليمية الخاصة، وأصبح (سفيرا) لاستقطاب شباب آخرين في برنامج أوروبا 101. إنه يرى أن هناك حاجة ملحة في جيله للانخراط في معالجة أكبر مشكلات المجتمعات".
ويضيف، "لقد توصلنا إلى شعور عام بأن القيادة ينبغي أن تكون مسطحة أكثر، وأن الهياكل الهرمية للغاية شيء من الماضي".