لماذا لا تستطيع التجارة شراء السلام؟
قال ونستون تشرشل: "إن قصة الجنس البشري هي الحرب. باستثناء فترات وجيزة لم تكن مستقرة، لم يكن هناك سلام في العالم، وقبل أن يبدأ التاريخ، كان النزاع القاتل عالمي وغير متناه".
في العقود الأخيرة، كان صانعو السياسات وقادة الأعمال الذين حضروا الاجتماعات في دافوس "اجتماع اقتصادي عالمي"، والذين يملكون السلطة على القادة الغربيين يميلون إلى التفكير بطريقة أخرى. فبعد سقوط جدار برلين في 1989، ساد شبه إجماع بينهم على أن السلام هو الحالة الطبيعية للعالم المتقدم، وأن العولمة محصنة من المخاطر الجيوسياسية.
امتدت هذه الثقة إلى الاعتقاد بأن تحقيق الرخاء من خلال التجارة كان مفيدا للديمقراطية في الدول النامية - وهي فكرة لعبت دورا مهما في قرار الغرب للترحيب بالصين في الاقتصاد العالمي ومنحها عضوية منظمة التجارة العالمية في 2001.
كانت الأحوال الاستثنائية التي أعقبت الحرب الباردة واتسمت بالتفاؤل الدولي الليبرالي مصحوبة بالرضا الملحوظ بين محافظي البنوك المركزية وعلماء الاقتصاد المعروفين، الذين تباهوا بتراجع تقلب الاقتصاد الكلي الذي أطلقوا عليه اسم "الاعتدال العظيم". وأعقب ذلك الأزمة المالية الكبرى في 2007 - 2009.
أعطت الحرب الآن في أوكرانيا والمنافسة الاستراتيجية على تايوان مع الصين غير الديمقراطية بشكل دائم ميزة جديدة لنظرة تشرشل الهوبيزية "وهي نظرية للفيلسوف توماس هوبز مفادها أن التعاملات البشرية تولد صراعات مدمرة" - خاصة منذ إعلان فلاديمير بوتين هذا الأسبوع عن تعبئة جزئية للاحتياطيات، إلى جانب تلميحاته إلى أن روسيا قد تنشر الآن أسلحة نووية. ثم هناك احتمال أن تلحق الصين الحازمة بشكل متزايد في عهد شي جين بينج مزيدا من الضرر على الصناعيين والمستثمرين الغربيين. والسؤال هو: كيف مشى العالم المتقدم وهو نائم في هذا الفخ التجاري؟
أورد جون مينارد كينيز إشارة مشهورة في كتابه "النظرية العامة للتوظيف والفائدة والمال" إلى أن: "أفكار الاقتصاديين والفلاسفة السياسيين، عندما يكونون على صواب وعندما يكونون على خطأ، تكون أقوى مما هو مفهوم عموما. بالفعل، فالعالم محكوم بواسطة الأقلية. قال: "إن الفكرة الكبيرة وراء الترابط الاقتصادي المتنامي للرأسمالية الغربية مع رفاقها الاستبداديين والمسلحين نوويا هي فكرة تنسب عادة إلى المفكر الفرنسي التنويري مونتسكيو، المعروف بمناصرته لفصل السلطات في دستور الولايات المتحدة. فقد ادعى في كتابه "روح القوانين"، الذي نشر في 1748: "إن التأثير الطبيعي للتجارة هو إحلال السلام. فالدولتان اللتان تتفاوضان فيما بينهما تصبحان معتمدتين على بعضهما بشكل متبادل، إذا كان لدى إحداهما مصلحة في الشراء والأخرى في البيع".
وصلت هذه العلامة الاقتصادية للأممية الليبرالية، والتي شاركها مفكرون مثل آدم سميث وفولتير وسبينوزا، إلى ذروتها في أول فترة عظيمة من العولمة التي استمرت من القرن الـ19 إلى أوائل القرن الـ20. اعتقد جون ستيوارت ميل أن التجارة قد جعلت الحرب شيئا عفا عليه الزمن، بينما صرح ريتشارد كوبدن المناضل السلمي والمناهض للإمبريالية، والناشط من أجل إلغاء قوانين الذرة "تعريفات جمركية وقيود أخرى على الطعام المستورد والذرة تم إنفاذها في المملكة المتحدة": إنني أرى في مبدأ التجارة الحرة الذي سيطبق على العالم الأخلاقي كمبدأ الجاذبية في الكون - يجمع الناس معا، ويردأ العداء بين العرق والعقيدة واللغة، ويوحدنا في روابط السلام الأبدي".
كان النص الأساسي لهذا الاتجاه الليبرالي المثالي كتابا نشر في 1910 بعنوان "الوهم العظيم" للصحافي والسياسي البريطاني نورمان أنغيل. وكان موضوعه عدم جدوى الحرب في ظروف الاعتماد الاقتصادي المتبادل. جادل أنغيل أن مكاسب النصر كانت دائما تفوقها التكاليف. ثم جاء اغتيال ولي العهد النمساوي فرانز فرديناند في 1914 على يد الطالب الصربي البوسني جافريلو برينسيب. ووجه هذا الاغتيال إلى جانب الحرب الكبرى التي تلته ضربة كارثية إلى الأممية الاقتصادية الليبرالية. وأظهر بدقة أن القومية والغريزة القبلية يمكن أن تتفوق على المصالح الاقتصادية.
كما كشفت الحرب عن فشل هؤلاء المفكرين في فهم نظام ميزان القوى الأوروبي. إذ كان غير مستقر بطبيعته لأن الحرب كانت الآلية النهائية لمعالجة أي اختلال في توازن تلك القوى. في النصف الأول من القرن العشرين، حدث عدم التوازن لأن ألمانيا، بعد توحيدها في 1871، كانت أكبر وأكثر عدائية من أن يتم احتواؤها من قبل تحالفات ميزان القوى داخل أوروبا. تطلب الأمر تدخلات من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لوضع حد لطموحاتها في الهيمنة.
الشيء المثير للفضول هو أن الدمار الذي حدث في حربين عالميتين لم يكن قاتلا لبرنامج مونتسكيو. ففي اقتراحه لتأسيس الجماعة الأوروبية للفحم والصلب في 1950، أعلن وزير الخارجية الفرنسي روبرت شومان أنه يريد عملية تكامل اقتصادي أوروبي "لجعل الحروب ليس فقط غير واردة، بل مستحيلة فعليا". تلك العملية، التي هدفت إلى منع مزيد من الحروب بين فرنسا وألمانيا وتعزيز سلام أوسع في جميع أنحاء أوروبا، مهدت الطريق أمام إنشاء الاتحاد الأوروبي.
تحب أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، وأعضاء نخبة بروكسل اليوم الإشارة إلى الاتحاد الأوروبي كمشروع سلام. إن هذه الإشارة هي نصف الحقيقة العظيمة لتسوية ما بعد الحرب. والسبب في أن السلام ساد في أوروبا - باستثناء البلقان - هو أولا، أنه بعد خسارة الحربين العالميتين الكارثيتين، لم تكن ألمانيا واثقة بأن المرة الثالثة ستنجح وترسل الدبابات إلى الخارج على الإطلاق. اتحدت فرنسا وألمانيا على أي حال بعد 1945 لتتصديا لعدو مشترك وهو الاتحاد السوفيتي. وأضافت الأسلحة النووية قيدا إضافيا على العدوان العسكري. فإذا كانت أوروبا محمية من التهديدات الخارجية، فإن ذلك بفضل الضمان الأمني الأمريكي المتجسد في حلف شمل الأطلسي، وليس الاتحاد الأوروبي.
هناك نقطة أكثر جوهرية هي أن الثروة في الاقتصادات الحديثة، والتي تتعلق بالناس أكثر من الثروات الطبيعية، من الصعب سرقتها بالقوة، أصعب بكثير مما كانت عليه الحال مع المجتمعات الزراعية والصناعية القديمة. إذ يعني الانخفاض في قيمة المنطقة المتنازع عليها بالنسبة إلى الابتكار التكنولوجي أن عائدات سرقة الموارد عن طريق الغزو أصبحت ضئيلة على نحو متزايد - وهي نقطة تشير إلى أن تفكير أنغيل لم يكن خاليا من المنطق تماما، حتى لو كانت قوته التنبؤية مزعجة. كما يسلط الضوء على أن اختراق أنظمة الحاسوب الحكومية وسرقة الملكية الفكرية للشركات هي بدائل منخفضة التكلفة للحرب.
بالتأكيد، ربما تكون العولمة نفسها قد قللت من غنائم الغزو الإقليمي من خلال تسهيل الحصول على الموارد عبر الأسواق بدلا من استخدام القوة. فلو كانت هناك سوق عالمية للطاقة في 1941، ربما لم تشعر اليابان بالحاجة إلى مهاجمة بيرل هاربر في إجراء وقائي يهدف إلى تأمين الوصول إلى الطاقة والموارد الطبيعية في منطقة المحيط الهادئ.
لم تعد القوى الأوروبية الكبرى تريد القتال من أجل الأرض، ناهيك عن تحمل تكاليف اكتساب السكان الخاضعين لها. فالصراع على الموارد محصور الآن إلى حد كبير في الدول النامية أو البلدان الفقيرة تماما. أما بالنسبة إلى حرب روسيا وأوكرانيا، فيبدو أنها أمر عفا عليه الزمن. سلط نجاح الهجوم المضاد الأوكراني الضوء على التكلفة العالية غير المتوقعة لطموحات بوتين الإمبراطورية.
كانت عبقرية شومان والآباء المؤسسين لما أصبح الاتحاد الأوروبي عليه بعد ذلك هي بالأحرى أنهم أسسوا عملية مصالحة في قارة كان تاريخها يوفر الأسباب كافة للانعدام الشديد في الثقة. وقد خف انعدام الثقة هذا من خلال الضوابط والتوازنات المؤسسية إلى جانب التعاون الدولي والسيادة المشتركة.
مع ذلك، ظلت أوروبا قارة قد يكون من الملائم فيها الإيمان بالتجارة كبديل عن السياسة الخارجية، ولا سيما في حالة ألمانيا. الدولة تقدم دراسة حالة مذهلة حول أطروحة التجارة والسلام، نظرا إلى اعتمادها المزمن على التصدير والحجم الكبير لاستثماراتها الخارجية. ومما يفهم في ضوء التاريخ، أن السياسيين الألمان في فترة ما بعد الحرب لم يرغبوا في لعب دور في السياسة الخارجية يتناسب مع حجم ألمانيا في الاقتصاد العالمي.
في عهد المستشارين غيرهارد شرودر وأنجيلا ميركل، اتبعت البلاد سياسة "التغيير من خلال التجارة". الأمر الذي أدى إلى اعتمادها الشديد على الطاقة من روسيا. وكان ذلك في الواقع ثمرة لسياسة أوستبوليتيك، وهي سياسة الارتباط مع الاتحاد السوفيتي التي اتبعها المستشار ويلي براندت في الستينيات والسبعينيات.
كانت مشكلة هذه السياسة أن التجارة جلبت النوع الخطأ من التغيير. فمن خلال السماح لخط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الذي يربط بين روسيا وألمانيا بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في 2014، أرسلت ألمانيا إشارة إلى بوتين مفادها أن بإمكانه أن يحارب أوكرانيا دون عقاب. اتبعت أيضا سياسة "التغيير من خلال التجارة" تجاه الصين، حيث اشتركت مع الولايات المتحدة في افتراض أن دمج الصين في الاقتصاد العالمي سيجعلها أكثر ليبرالية من الناحية السياسية. غير أن الصين لم تحقق توقعات الغرب.
وجدت الدولتان نفسيهما الآن على خلاف حول هونج كونج وتايوان وبحر الصين الجنوبي. وهذا يتعارض بشكل مقلق مع الاستثمارات الضخمة للصناعة الألمانية في الصين، خاصة في صناعة السيارات. لأن الصين تشتري أكثر من ثلث إجمالي مبيعات فولكس فاجن وبي إم دبليو ومرسيدس بنز. وتشير التقديرات إلى أن شركة فولكس فاجن تعتمد على الصين في نصف صافي أرباحها السنوية على الأقل.
هذا ينطوي على ضعف جيوسياسي ملحوظ. كما قال هربرت ديس، الرئيس التنفيذي لشركة فولكس فاجن العام الماضي الذي طرد من الشركة أخيرا: "ربما لا تحتاج الصين إلى فولكس فاجن لكن فولكس فاجن تحتاج إلى الصين كثيرا".
يجادل رافاي أولاتوفسكي، المتخصص في السياسة الخارجية في جامعة وارسو، بأن استراتيجية ألمانيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في الأعوام الأخيرة تظهر أن الروابط الاقتصادية لا تحدد سلوك الدول. وأضاف أنه بينما قد يكون للعلاقات الاقتصادية الوثيقة تأثير معتدل على سلوك الدولة على المدى القصير، إلا أن المصالح الاستراتيجية هي التي تسود على المدى الطويل.
هناك نقطة أخرى يتجاهلها الأمميون الليبراليون، والتي طرحها كينيز في فترة ما بين الحربين عندما تراجع عن توجهاته الليبرالية السابقة. حيث أعرب عن قلقه من أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل يمكن أن يزيد دائرة الاحتكاك بين الدول حتى لدرجة إثارة الحرب. ومن المثير للاهتمام أن العلاقات الاقتصادية داخل منطقة اليورو غالبا ما تشبه الحرب باستخدام وسائل أخرى. فألمانيا تتطلع إلى شركائها في منطقة اليورو "والدول الأجنبية الأخرى" لسد الفجوة الهائلة بين ما تنتجه وما تستهلكه، وهو ما ينعكس على فائض الحساب الجاري المذهل الذي كان يبلغ 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في بداية الجائحة. هذه الزيادة هي نظير فائض المدخرات الألمانية من الاستثمار. تم توجيه هذه المدخرات لسد عجز ميزان المدفوعات في جنوب أوروبا قبل أزمة ديون منطقة اليورو في الفترة بين عامي 2009 و2012.
غالبا ما كان اعتماد ألمانيا على الصادرات عبئا على اقتصاد منطقة اليورو، ولكن، بدلا من امتنانها للدول التي تعاني عجزا مماثلا، قامت ألمانيا بتوبيخها على خلفية أزمة ديون منطقة اليورو على افتراض أن سياساتها المالية كانت مبذرة، بينما ساعدت في إحداث انكماش هائل في الاقتصاد اليوناني وسياسة التقشف بشكل أعم. في الواقع، كما يقول مايكل بيتيس من جامعة بيكنج، أن هذه الدول الهامشية استوعبت النقص في الطلب الألماني عن طريق زيادة البطالة فيها وترحيل المدخرات الألمانية الزائدة إلى طفرات استثمارية أدت إلى سوء تخصيص المال بشكل خطير.
من المدهش في الفترة الثانية الكبرى للعولمة هو أن حدتها كانت أكثر من المرحلة الأولى قبل 1914. وقد انعكس ذلك في زيادة عدد الدول المشاركة في النظام التجاري العالمي، وسلاسل التوريد الصناعية شديدة التعقيد عبر الحدود والتدويل المحموم للتمويل.
كان كل ذلك ناجحا جدا في زيادة الرفاهية العالمية. وفي مدونة حديثة، قالت كل من كريستالينا جورجييفا من صندوق النقد الدولي، وغيتا غوبيناث وجيلا بازارباسيوغلو، إن قوى التكامل قد "عززت الإنتاجية ومستويات المعيشة، وضاعفت حجم الاقتصاد العالمي ثلاث مرات وانتشلت 1.3 مليار شخص من الفقر المدقع".
لكنهن أضفن أن هذه النجاحات جاءت على حساب اتساع التفاوتات والاضطراب الاجتماعي في عديد من الدول. من خلال إيجاد خاسرين وفائزين، أدت العولمة إلى رد فعل عنيف. سعى السياسيون الشعبويون، وأبرزهم دونالد ترمب، إلى الحل من خلال الحروب التجارية التي تقلل الرفاهية مع الصين وغيرها من الدول.
كما أن العولمة الكبرى الثانية تميل إلى تأكيد مخاوف كينيز بشأن التجارة لأن كثافتها المطلقة زادت من إمكانية استخدام العلاقات التجارية والمالية كسلاح. إذ كانت العقوبات الغربية ردا على حرب بوتين لأوكرانيا غير مسبوقة في شراستها، حيث لم تشمل الشركات والبنوك وأصدقاء بوتين من الأوليغارك فحسب، بل أخرجت روسيا أيضا من النظام المالي العالمي القائم على الدولار. كان ذلك عن طريق تجميد جزء كبير من احتياطيات روسيا الحربية البالغة 600 مليار دولار. فيما تم استبعاد عديد من البنوك التجارية الروسية من نظام المراسلة سويفت للمدفوعات العابرة للحدود.
تتضح نقاط الضعف الروسية في توقعات البنك الدولي في منتصف العام بأن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لروسيا سينخفض 8.9 في المائة بحلول نهاية 2022.
ماذا يعني كل هذا بالنسبة إلى العالم؟ ليس للاقتصاد الروسي أهمية عالمية، على الرغم من أن القطاعات الفردية مثل النفط والغاز مهمة. إن مصدر القلق الأكبر هو ببساطة أننا نواجه ما استشهد به المؤلفون من صندوق النقد الدولي سابقا والذي يسمونه "التقاء المصائب" المحتمل، بما في ذلك أوكرانيا والجائحة، ما يشكل خطرا حادا متزايدا نحو التجزئة الجغرافية الاقتصادية. فمنذ اندلاع الحرب، تشير مراقبة صندوق النقد الدولي إلى أن نحو 30 دولة قيدت التجارة على الغذاء والطاقة والسلع الأساسية الأخرى.
وعلى مستوى آخر، يتمثل الخطر في أن المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن تؤدي إلى انقسام العالم إلى كتل حليفة للولايات المتحدة وأخرى حليفة الصين. يقدر إيدي بيكرز، الباحث الاقتصادي في منظمة التجارة العالمية، وكارلوس غوز من جامعة كاليفورنيا في سان دييجو، أن خسائر الرفاهية المتوقعة للاقتصاد العالمي في هذا الانفصال يمكن أن تكون كبيرة - وقد تصل إلى 12 في المائة في بعض المناطق - وستكون أكبر في المناطق ذات الدخل المنخفض لأنها لن تستفيد تماما من التدفقات التكنولوجية من المناطق الأكثر ثراء.
هذا عالم ستفرض فيه الحاجة إلى المرونة في مواجهة الحقائق الجيوسياسية الصعبة تكاليف باهظة على الشركات، خاصة فيما يتعلق بسلاسل التوريد. يتم تحويل عمليات التصنيع الخاصة للشركات متعددة الجنسيات حول العالم من دول معادية محتملة إلى دول صديقة، ولكن التكلفة فيها أعلى. ستتضرر الكفاءة الاقتصادية. فيما سيواجه الناس والشركات أيضا تكاليف جديدة للتحويلات المالية إذا طورت الدول أنظمة مدفوعات متوازية وغير متصلة للتخفيف من مخاطر تعرضها لعقوبات اقتصادية.
لطالما حذر جورج ماغنوس، الزميل الممارس في مركز الصين في جامعة أكسفورد، من مخاطر التعاملات الغربية الوثيقة مع الصين، وجادل بأن من الواضح أن تشجيع صعودها الاقتصادي لم يجعلها أقل تهديدا. يقول: "إن حصيلة كل هذا لن تكون انهيارا كبيرا في التجارة العالمية، بل ستكون توقفا كبيرا في النمو - بخلاف ما كان يحدث على أي حال - والأهم من ذلك، حدوث تحول في الأنماط. في حين أنه من غير المرجح أن يتغير الحجم الإجمالي للصين ودورها في التجارة العالمية قريبا وأن بعض الأشياء لا يمكن أن تتغير بسرعة، فإنني أشك في أن كل التصريحات حول أن الصين هي المحرك للصادرات العالمية والنمو قد انتهت إلى حد كبير".
إن ما يتضح هو أن حالة المد للعولمة الثانية الكبرى قد انتهت. في حين أن التوقعات قد لا تكون قاتمة تماما كما هي في نظرة تشرشل، من منظور نظرية هوبز، فإن العالم بلا شك هو أكثر خطورة مما كان عليه قبل التقاء المصائب. لا يمكن إنكار أن الأممية الليبرالية الاقتصادية قد عززت الرفاهية العالمية، على الأقل بشكل إجمالي. إلا انها حققت مرة أخرى نتيجة سياسية مخيبة جدا للآمال.