على باول تجنب الوقوع في خطأ فولكر

على باول تجنب الوقوع في خطأ فولكر

يعد بول فولكر من أعظم محافظي البنوك المركزية على الإطلاق لأنه هو والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قضيا على التضخم في أوائل الثمانينيات.
مع ذلك، الأمر الذي لم يتم الحديث عنه كثيرا هو الخطأ الجسيم في السياسة الذي ارتكبه الاحتياطي الفيدرالي بقيادة فولكر في 1980. كانت النتيجة فترة أطول من التضخم المرتفع الذي تطلب سياسة نقدية أكثر صرامة، ما أدى حينها إلى الركود الأمريكي الأكثر حدة منذ الحرب العالمية الثانية.
هناك كثير من أوجه تشابه بين الوضع الحالي للاحتياطي الفيدرالي بقيادة جاي باول وما حدث آنذاك. لذلك من الضروري أن نتعلم من التاريخ لتجنب تكرار الخطأ.
بحلول الوقت الذي أصبح فيه فولكر رئيسا لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في يوليو 1979، كانت مصداقية البنك المركزي بشأن التضخم قد تدمرت بفعل السياسات الكارثية للرئيسين السابقين، آرثر بيرنز وجي ويليام ميلر، مع ارتفاع التضخم إلى أكثر من 12 في المائة بحلول أكتوبر 1979.
في مؤتمر صحافي مفاجئ انعقد في السادس من أكتوبر 1979، أعلن فولكر أن الاحتياطي الفيدرالي سيسمح لسعر الفائدة القياسي على الأموال الفيدرالية "بالتذبذب على نطاق أوسع". وبحلول أبريل 1980 ارتفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى أكثر من 17 في المائة.
بدأ الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لعكس هذه الزيادات في سعر الفائدة، وحاصر المزارعون مقر الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن بجراراتهم وتجار السيارات أرسلوا مفاتيح السيارات في توابيت صغيرة إلى الاحتياطي الفيدرالي. بعد ذلك تجمع السياسيون من كلا الحزبين وطالبوا الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة.
مع ارتفاع معدل البطالة أكثر من نقطة مئوية إلى أكثر من 7 في المائة في مايو بعد بدء الركود، قرر الاحتياطي الفيدرالي عكس مساره وأجرى تخفيضا حادا في سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية تجاوز سبع نقاط مئوية. تم اتخاذ هذا الإجراء على الرغم من حقيقة أن التضخم وصل إلى ذروته عند 14.7 في المائة في أبريل. تراجع الاحتياطي الفيدرالي عن قراره وتضررت مصداقية فولكر بصفته محاربا يتصدى للتضخم. استمرت توقعات التضخم مرتفعة بعناد وكان التضخم الفعلي يتجاوز 12 في المائة حتى نهاية 1980.
مع انتهاء الركود في يوليو 1980، عاد الاحتياطي الفيدرالي إلى مكافحة التضخم وبدأ في رفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية مرة أخرى. لكن هذه المرة، لاستعادة مصداقيته، كان على الاحتياطي الفيدرالي رفع سعر الفائدة إلى مستوى ساحق يقارب 20 في المائة بحلول منتصف 1981. في النهاية تحلى فولكر بالشجاعة لإخراج مضرب البيسبول لتوجيه ضربة للاقتصاد والقضاء على التضخم. أصبح الركود الذي أعقب ذلك، الذي بدأ في يوليو 1981 الانكماش الاقتصادي الأشد منذ الحرب العالمية الثانية. بعد توجيه الضربة للاقتصاد، والحفاظ على سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية قريبا من 15 في المائة حتى منتصف 1982، بدأت توقعات التضخم ومعدل التضخم في الانخفاض على نحو بطيء وإن كان مستمرا، إلى نحو 3 في المائة في 1983.
تخبرنا هذه المراجعة للتاريخ أن فقدان المصداقية الناتج عن عكس السياسة قبل اكتمال مهمة مكافحة التضخم يتطلب مستويات عالية من أسعار الفائدة، إضافة إلى التكاليف التي يتحملها الاقتصاد الذي يعاني خسائر في الناتج وارتفاع البطالة، مقارنة بما لو كان الاحتياطي الفيدرالي في عهد فولكر قد تمسك بأسلحته.
هناك كثير من أوجه التشابه بين ما حدث في الفترة 1979-1982 وما يواجهه الاحتياطي الفيدرالي الآن. ضعفت مصداقية الاحتياطي الفيدرالي في إبقاء التضخم تحت السيطرة بسبب الأخطاء السياسية: تخليه عن السياسة الوقائية للسيطرة على التضخم في 2021، وتنفيذه المعيب لإطار عمل استراتيجي جديد يستهدف متوسط معدل تضخم في أواخر 2020.
الآن عكس الاحتياطي الفيدرالي مساره بشكل مناسب، من خلال رفعه سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بأسرع وتيرة منذ أكثر من 40 عاما. أعتقد أن فقدان مصداقية الاحتياطي الفيدرالي سيؤدي به إلى رفع أسعار الفائدة أكثر بكثير مما تشير إليه تقديراته أو توقعات السوق. بالتالي احتمال حدوث هبوط ناعم منخفض للغاية ومن المرجح بشكل متزايد حدوث ركود.
حتى الآن، خطاب باول وزملائه مشجع. يقول معظمهم إن الركود لن يمنعهم من إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة حتى يتجه التضخم نحو المعدل المستهدف البالغ 2 في المائة. لكن من السهل اتخاذ هذا الموقف عندما يكون الاقتصاد في حالة جيدة وعندما يظل الضغط السياسي لخفض أسعار الفائدة معتدلا. من المحتمل أن يتغير هذا عندما لا يتمكن العمال من العثور على وظائف وترتفع أسعار الفائدة على الرهون العقارية وقروض السيارات بشكل أكبر.
عندما تصبح الأمور صعبة، يحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى الالتزام بخطة لإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة بما يكفي لفترة كافية لتحقيق أهداف التضخم الخاصة به. يجب أن يستمر في رفع أسعار الفائدة إلى مستويات غير مريحة وإبقائها هناك. يجب أيضا ألا يتكرر الخطأ الذي ارتكبه الاحتياطي الفيدرالي بقيادة فولكر في 1980.

*أستاذ في كلية ألفريد ليرنر للعلوم المصرفية والمالية في كلية الأعمال في جامعة كولومبيا، ومحافظ سابق للاحتياطي الفيدرالي.

الأكثر قراءة