من سيدفع ثمن التحول من الكفاءة إلى المرونة؟

من سيدفع ثمن التحول من الكفاءة إلى المرونة؟

هل ندخل حقبة جديدة من إعادة توزيع الثروة؟ أم أن الاختلالات بين رأس المال والعمالة التي ميزت نصف القرن الماضي من التاريخ الاقتصادي لا تزال باقية؟
إنه سؤال جدير بأن يتم طرحه، خاصة في الولايات المتحدة، حيث يظهر تأثير التضخم وتقترب الانتخابات النصفية.
قبل ما يزيد قليلا على ثلاثة أعوام، قلت في هذا العمود "إننا كنا نغادر حقبة تراكم الثروة، التي بدأت مع ثورة ريجان ـ تاتشر وننتقل إلى عصر جديد يتحول فيه توازن القوى بين رأس المال والعمالة، إلى حد ما، ناحية العمالة".
إذا وضعنا جانبا ليز تراس رئيسة وزراء المملكة المتحدة الجديدة، التي يبدو أنها تريد إعادة الثمانينيات، أعتقد أننا ندخل أخيرا حقبة ما بعد الليبرالية الجديدة، ولا سيما في الولايات المتحدة، حيث تتجلى اختلالات القوى بشكل أكبر.
في عديد من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كان هناك فصل بين الإنتاجية والأجور على مدى الـ40 عاما الماضية. وخلال هذه الفترة حصل قطاع الشركات على حصة أكبر من مكاسب الدخل القومي. لكن في حين إن 55 في المائة من مكاسب الإنتاجية في أوروبا الغربية لا تزال تذهب إلى العمالة، يتعين على العاملين الأمريكيين أن يكافحوا مقابل 14 في المائة فقط - ومعظم ذلك يذهب إلى الثلث الأعلى من العاملين.
عملية إزالة العولمة التي ستفيد أسواق العمل المحلية في بعض الصناعات، بدأت في تغيير هذه الديناميكية. شيخوخة السكان التي ستوجد سوق عمل أكثر ضيقا من الناحية الهيكلية، إضافة إلى ملايين الوظائف المحلية الجديدة في مهن الرعاية، بدأت في ذلك أيضا.
لكن الجزء الثالث من قصة رأس المال والعمالة هو الضغط المتزايد على الشركات لتعزيز مكانة المستهلكين والدولة في وقت تتزايد فيه التكاليف. يحدث التضخم لجميع أنواع الأسباب، لكن أحد هذه الأسباب هو التحول في التركيز الاقتصادي من الكفاءة إلى المرونة. يتطلع كل من القطاعين العام والخاص إلى حماية نفسه من تغير المناخ والجيوسياسية وتحولات السوق. تعد التغييرات في سلاسل التوريد ومخصصات العملة الاحتياطية والسياسات المالية جزءا من هذا. لكن المرونة تكلف المال.

السؤال هو: من سيدفع؟

تريد الحكومات أن تتحمل الشركات بعض العبء. ضع في الحسبان النقاش حول ضبط الأسعار في قطاع الطاقة والكهرباء، حيث تبحث دول مجموعة السبع عن طرق للحد من ارتفاع تكاليف الغاز والكهرباء. يأمل الاتحاد الأوروبي في فرض ضرائب غير متوقعة على مزودي الكهرباء غير الغازية عندما تتجاوز أسعار السوق حدا معينا.
في الولايات المتحدة، كتب الكونجرس ضوابط أسعار الأدوية التي تستلزم وصفة طبية في مشروع "قانون خفض التضخم" في آب (أغسطس). هناك أيضا تحرك لوضع حد أدنى لأسواق العمل عبر صناعات بأكملها "وهو أمر غير معتاد في أمريكا، حيث تتشكل نقابات العاملين في شركة تلو أخرى". وقع جافين نيوسوم حاكم ولاية كاليفورنيا، على مشروع قانون قد يزيد الأجور في صناعة الوجبات السريعة إلى 22 دولارا في الساعة بدءا من العام المقبل. حتى جينا ريموندو، وزيرة التجارة الصديقة للأعمال، تدعو الشركات إلى بذل مزيد من الجهد للمساعدة على دفع تكاليف تدريب العاملين ورعاية الأطفال.
هناك أيضا دفعة كبيرة لسياسة التجارة التي تركز على العاملين التي يتبناها الرئيس جو بايدن، التي كانت محور اللقاء الوزاري حول الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ للازدهار في لوس أنجلوس الأسبوع الماضي. يتوق بعض مسؤولي الأمن القومي إلى إبرام صفقات جديدة مع دول مثل فيتنام وماليزيا وتايلاند وبروناي كجزء من جهود أمريكا لزيادة قاعدة قوتها الاقتصادية والأمنية في آسيا لمواجهة الصين.
كاترين تاي، الممثلة التجارية للولايات المتحدة، تحرص على ضمان عدم معاناة العمالة المنزلية في هذه العملية، وكذلك التقدميون مثل روزا ديلاورو وإليزابيث وارين وبيرني ساندرز. كتبوا، إلى جانب 42 من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين، خطابا إلى إدارة بايدن الأسبوع الماضي يطالبون فيه بمزيد من الشفافية حول مفاوضات التجارة الآسيوية، حتى لا يصبحوا في سباق نحو القاع.
كما قالت لي تاي "هناك كثير من الأمور فيما يتعلق بموازنة السياسة الاقتصادية المحلية والدولية". لكن الصفقات التجارية الجديدة، من وجهة نظرها، يجب ألا تعني أجورا أقل للعمال الأمريكيين، أو معايير بيئية أقل، أو السماح للشركات متعددة الجنسيات بتجنب الضرائب، أو الاحتفاظ بقوة احتكارية. وأضافت "هذا يتعلق ببناء الاقتصاد على النهج التصاعدي ومن الطبقة الوسطى إلى الأعلى والأدنى".
تتحكم تاي في المحادثات التجارية فقط. وزارة التجارة التي كانت أكثر تعاطفا مع شركات التكنولوجيا الكبرى، مثلا، هي المسؤولة عن المحادثات حول سلاسل التوريد والبنية التحتية والضرائب. ويتعاطف المتشددون من ناحية الأمان مع حجة "الأكبر هو الأفضل" التي تطرحها الشركات الأمريكية.
لكن سيكون من الحماقة، قبل الانتخابات النصفية في الخريف، أن يفعل الديمقراطيون أي شيء يمثل إشكالية خطيرة لتوقعات العمل. استعادة السيطرة على الطبقة العاملة أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الأغلبية في الكونجرس. تظهر الأبحاث أن خسارة الديمقراطيين للمدن الصناعية "مثل تلك التي نشأت فيها" التي تم تفريغها خلال الـ20 عاما الماضية من السياسة التجارية الليبرالية الجديدة، هي جزء كبير مما أتاح لدونالد ترمب الفوز.
لطالما كان الرئيس بايدن متعاطفا مع مصالح العمال، وقد وضع المعينين الرئيسين، مثل لينا خان في لجنة التجارة الفيدرالية وجاري جينسلر في لجنة الأوراق المالية والبورصات، هذا الأمر في صميم مهمتهم. لكن لجعل شعار "العمل وليس الثروة" ذا مغزى حقا، يحتاج الديمقراطيون إلى تحقيق فوز كبير في الانتخابات النصفية.

الأكثر قراءة