فساد مزمن وجهود معدومة .. صبر اللبنانيين ينفد
كان بسام الشيخ حسين يشعر باليأس. مع تزايد ديونه والفواتير الطبية لعلاج والده المريض، احتاج حسين للوصول إلى مدخراته التي كان يحتفظ بها في حساب توفير في بنك لبنان الفيدرالي التي تبلغ 209 آلاف دولار. لكن، مثل حال معظم اللبنانيين الواقعين في كابوس الانهيار المالي لبلدهم الذي يشبه الكوابيس التي تخيلها كافكا، تم تجميد أمواله منذ أكثر من عامين، وتم تحديد السحوبات الشهرية من البنك بحد أقصى يعادل 400 دولار - وهو مبلغ بالكاد يكفي لبقاء عائلته على قيد الحياة.
وفقا لحسين، كان فرع مصرفه في غرب بيروت في الآونة الأخيرة يحتجز حتى المخصصات الشهرية الزهيدة، على الرغم من تكرر اعتراضه على ذلك. بعد مشادة أخرى بينه وبين مدير الفرع في 12 آب (أغسطس)، ذهب حسين إلى سيارته وأحضر منها بندقية وعلبة بنزين واحتجز ستة أشخاص كرهائن مطالبا البنك بالإفراج عن أمواله.
انتشرت مقاطع فيديو للحادثة، صورت بالهاتف المحمول، بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي. سارع كثيرون إلى تأييد ما فعله الرجل وشاركوه غضبه - ورأوا فيه تجسيدا لشخصية روبن هود أكثر من كلايد بارو دفعته طبقة حاكمة راسخة لم تعد حتى الآن خطة للتعافي نحو أفعال يائسة.
مع وصول الشرطة إلى مكان الحادثة، احتشد عشرات الأشخاص في الخارج، وحولوا السطو المسلح إلى احتجاجات شاملة ضد البنوك والطبقة الحاكمة في لبنان. ارتفعت النداءات القائلة "دعوه يذهب" و"تسقط البنوك".
بعد ست ساعات من المفاوضات في أجواء مشحونة بالتوتر، أطلق حسين سراح الرهائن بعد أن وافق البنك على تسليمه مبلغ 35 ألف دولار من أمواله. بعد خمسة أيام في الحجز، التي قضى نصفها مضربا عن الطعام، أسقط البنك الفيدرالي التهم الموجهة إليه، وخرج حرا. في الأسبوع الماضي، قال حسين لموقع "فايس نيوز" الإخباري إنه قد يحاول فعل الشيء نفسه مرة أخرى، "حتى قبل نفاد الأموال، سأذهب إلى البنك وآخذ المزيد، ربما سأتوجه إلى البنك نفسه، أو إلى بنك آخر، لكنني سأفعل ذلك مرة أخرى". لم يرد البنك فورا على طلبات للتعليق. لم يكن حسين أول مودع ساخط "يسطو" على مصرف منذ بدء الأزمة. في (يناير)، وفي شمال سهل البقاع، احتجز مسلح آخر يحمل مسدسا تسعة موظفين كرهائن إلى أن أعطاه بنك بيروت والبلاد العربية "بي بي أيه سي" 50 ألف دولار من حسابه. في ذلك الوقت، كان الجمهور منقسما حول وصفه بالبطل أو المجرم. لكن بعد سبعة أشهر من هذه الحادثة، كان دعم حسين ينهمر بوضوح أكثر.
قالت لين، موظفة البنك التي طلبت عدم ذكر اسم عائلتها خوفا من انتقام صاحب عملها، "ينبغي ألا أقول هذا في الواقع لكن كلنا نتفهم ما فعله حسين. لقد فعل ما يريد كثير منا فعله. لقد نفد صبره". أضافت، "أنا مندهشة من عدم محاولة أشخاص أكثر سحب أموالهم بالقوة من البنوك حتى الآن".
دخل الانهيار المالي في لبنان عامه الثالث - وهو من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث، حيث دفع بثلاثة أرباع السكان إلى الفقر. فقدت العملة أكثر من 90 في المائة من قيمتها.
في وقت سابق من هذا الشهر، نشر البنك الدولي تقريرا شديد اللهجة، متهما السلطات اللبنانية بتنفيذ مخطط بونزي عملاق "تسبب بألم اجتماعي واقتصادي غير مسبوق". ذكر التقرير أن الأموال العامة استخدمت للاستيلاء على موارد الدولة من أجل المحسوبية السياسية، ما أدى إلى كساد اقتصادي "متعمد". كما أضاف أن "جزءا كبيرا" من مدخرات الأفراد قد "أسيء استخدامها وأنفقت في أوجه خاطئة على مدار الـ30 عاما الماضية". في غياب القوانين الرسمية لرقابة رأس المال، باتت البنوك هي التي تقرر من يمكنه الوصول إلى أمواله، واقتصرت عمليات السحب الشهرية على مبالغ صغيرة لمعظم الأشخاص. لكن التقارير الإعلامية تظهر أن الشخصيات المرتبطة بالسياسة قد أرسلت ملايين الدولارات للخارج. في الوقت نفسه، أوقفت الحكومة مبادرات الإصلاح التي يمكن أن تفرج عن الأموال الدولية المخصصة للمساعدات، في حين أن الفساد المزمن والافتقار إلى البنية التحتية العامة يعني معاقبة المواطنين المنهكين بالفواتير.
على الرغم من هذه المحن، تمتلئ شوارع العاصمة بالسيارات الفاخرة المستوردة حديثا وتكتظ شواطئها ومطاعمها بالوافدين لقضاء فصل الصيف. لكن الأطفال يفتشون حاويات القمامة بحثا عن فتات الطعام بصحبة آبائهم الذين يعانون سوء التغذية، بينما يقضي المتقاعدون بأجسادهم الهزيلة، الذين فقدوا مدخراتهم في الأزمة، أيام الصيف الخانقة دون كهرباء في شققهم الصغيرة والضيقة.
في غياب جهود الدولة للتخفيف من حدة الأزمة، قد يتكرر سحب المال بالقوة من البنوك.