تجربة النقل العام الرخيص الألمانية تصل إلى نهاية الطريق
في مناسبة عامة جرت نهاية الأسبوع الماضي، سئل كريستيان ليندنر وزير المالية الألماني عن السبب وراء إنهائه واحدة من أكثر السياسات الحكومية شعبية - تمثلت في تذكرة قيمتها تسعة يورو شهريا تسمح باستخدام القطارات للتنقل محليا وركوب وسائل النقل العام الأخرى، حيث أثبتت نجاحا كبيرا مع الناخبين.
قام شاب قال إنه استخدم التذكرة للسفر قاطعا مسافة تزيد على 11500 كيلومتر عبر ألمانيا بالسؤال عن سبب منع الليبراليين الموالين للوزير ليندنر من تمديد البرنامج الذي استمر ثلاثة أشهر. أجابه ليندنر قائلا، "أنت سافرت مسافة 11 ألف كيلومتر مقابل 27 يورو؟ هذا الأمر ليس مستداما".
كان برنامج التذاكر الرخيصة جزءا من حزمة بقيمة 30 مليار يورو مخصصة لتدابير الإغاثة التي كشف عنها المستشار أولاف شولتز في أعقاب الأزمة بين روسيا وأوكرانيا. تم تصميم هذا البرنامج لضرب عصفورين بحجر واحد - تخفيف وطأة التضخم المرتفع وأزمة تكلفة المعيشة التي تلوح في الأفق إضافة إلى مواجهة مشكلة تغير المناخ من خلال تشجيع الناس على التحول عن قيادة السيارات.
قامت دول أخرى بتحركات مماثلة. في إسبانيا، سيكون السفر عبر أجزاء من شبكة رينفي للسكك الحديدية المملوكة للدولة مجانا اعتبارا من الأول من أيلول (سبتمبر) حتى نهاية العام الحالي. تعمل النمسا بـ"تذكرة صديقة للمناخ" منذ تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي قيمتها 1095 يورو سنويا وتغطي شبكات السكك الحديدية والمترو والحافلات في المدن - وكل الطرق الواصلة بينها.
استخدم نحو 30 مليون شخص عرض التذاكر في ألمانيا، أي أكثر من ثلث السكان، ووصف شولتز البرنامج بأنه "أحد أفضل الأفكار التي توصلنا إليها على الإطلاق".
قالت ماريون يونجبلوت، خبيرة السفر في اتحاد في زد بي في للمستهلكين، "الحماس الذي أظهره الناس لهذا البرنامج لم يسبق له مثيل على الإطلاق".
أوضحت أن ألمانيا اشتهرت بأجهزة بيع التذاكر وهياكل أسعار التذاكر التي توصف بالشيطانية بسبب تعقيداتها، التي تختلف بشكل كبير من منطقة إلى أخرى، لكن تذكرة التسعة يورو حلت كل تلك المسائل. قالت، "استخدم كثير من الناس هذا العرض لأنه كان من السهل جدا شراؤه".
مع ذلك، تسبب نجاح البرنامج بوضع حكومة شولتز في مأزق. كان من المفترض أن يستمر العمل في البرنامج الذي كلف برلين 2.5 مليار يورو من الأول من حزيران (يونيو) حتى نهاية آب (أغسطس)، لكنه ثبت أنه مرغوب بشكل واسع لدرجة أن الألمان قد يجدون العودة صعبة إلى الأسعار الاعتيادية للتذاكر بمجرد انتهاء العمل به. أصبح كثيرون الآن يطالبون بإرجاء تنفيذ وقف العمل به.
لكن ليندنر، زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار المؤيدين للشركات، الذين يعدون جزءا من ائتلاف شولتز المكون من ثلاثة أحزاب، يعارض ذلك بشدة. قال للشاب في تلك المناسبة العامة الأسبوع الماضي إن تكلفة تشغيل البرنامج لعام كامل هي 14 مليار يورو - وأنه يرى أن من الأفضل إنفاقها على "تحديث شبكة السكك الحديدية المتهالكة في ألمانيا وزيادة طاقتها الاستيعابية".
قال باسكال مايزر، عضو في البرلمان من الحزب اليساري المتشدد، إن وجهة النظر هذه تتجاهل بيانات الاستطلاع التي تشير إلى الدعم الكبير لهذه السياسة. قال لصحيفة "دير شبيجل"، "من اللافت للنظر مدى الثقة التي مكنت ليندنر من الحكم خطأ على الحالة المزاجية في البلاد".
بينما تساءل آخرون عما إذا كان البرنامج ناجحا كما يدعي البعض. قال لارس فيلد، أستاذ الاقتصاد في جامعة فرايبورج، الذي يقدم المشورة لليندنر، إن ذلك أدى إلى "ازدحام القطارات حيث تسبب بحالات تأخير أثرت في شبكة السكك الحديدية المخصصة للمسافات الطويلة".
هذا صحيح، في بضعة الأسابيع الأولى على الأقل، تعرض نظام النقل في ألمانيا لضغوط هائلة. أظهرت الصور التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي منصات مزدحمة وقطارات مكتظة لا تكفي المساحة فيها سوى للوقوف، وأظهرت أيضا الراكبين حيث بدا عليهم توتر الأعصاب.
قال فيلد إن من الواضح أن مزيدا من الناس كانوا يستخدمون وسائل النقل العام "لكن هذا الطلب كان إضافيا بشكل حصري تقريبا - حيث لم يحصل أي تحول في حركة المرور من الشوارع إلى السكك الحديدية. لذلك لم تتحقق الأهداف البيئية".
هناك آخرون يختلفون مع ذلك. قال ستيفان جيلبهار، المتحدث باسم شؤون النقل في حزب الخضر، "أظهرت البيانات الأولية اختناقات مرورية أقل في بعض البلدات عندما كان البرنامج ساريا. عندما يكون العرض والسعر مناسبين، يتحول الناس بالفعل إلى استخدام وسائل النقل العام".
بالفعل، أظهر استطلاع للرأي استشهدت به شركة دويتشه بان المسؤولة عن السكك الحديدية الألمانية التي تملكها الدولة، أن خمس الذين اشتروا التذكرة المخفضة لم يستخدموا أبدا الحافلات أو القطارات أو عربات الترام من قبل.
ساعد البرنامج أيضا على مكافحة التضخم، الذي قال البنك المركزي الألماني إنه قد يرتفع إلى 10 في المائة بحلول الخريف. قال سيباستيان دولين، مدير الأبحاث في معهد سياسات الاقتصاد الكلي التابع لمؤسسة هانس بوكلر، "تظهر حساباتنا أن البرنامج خفض معدل التضخم بمقدار 0.7 نقطة مئوية".
كما قدم الإغاثة للأسر التي تعاني ضغوطا شديدة. قال دولين، "إن عائلة مكونة من أربعة أفراد في هامبورج حيث يستقل الوالدان المترو للذهاب إلى العمل والأطفال يستقلون الحافلة للذهاب إلى المدرسة توفر كثيرا من المال". قال إنه لهذا السبب، يجب تمديده "حتى الصيف المقبل، أو على الأقل حتى تبدأ أسعار الطاقة في الانخفاض".
يتفق آخرون مع هذا الرأي. اقترح اتحاد شركات النقل الألمانية استبدال البرنامج بتذكرة قيمتها 69 يورو شهريا، صالحة أيضا للاستخدام في جميع أرجاء البلاد. بينما يفضل حزب الخضر، وهم أيضا جزء من ائتلاف شولتز، نموذجا مكون من مستويين، الأول لتذكرة قيمتها 29 يورو للسفر في نطاق محلي وأخرى بقيمة 49 يورو للسفر داخل ألمانيا.
يحاول السياسيون التوصل إلى حلول مبتكرة لتمويل تمديد العمل بالبرنامج. قال لارس كلينجبايل، زعيم حزب الديمقراطيين الاشتراكيين الذي ينتمي له شولتز، لقناة زد دي إف تي في إنه يريد أن يرى ضريبة تفرض على الأرباح المفاجئة من أجل دفع التكاليف لبرنامج جديد خلفا لبرنامج تذكرة التسعة يورو - "تماما كالتي توجد في إسبانيا". لكن ليندنر رفض هذه الفكرة.
هذه المطالبات للاستمرار بالبرنامج تتغذى جزئيا على مخاوف من ارتفاع أسعار التذاكر بمجرد انتهاء برنامج تذكرة التسعة يورو.
قالت يونجبلوت، "أعلنت بعض شركات النقل أنها ستضطر إلى رفع الأسعار قبل نهاية العام. إذا حدث ذلك، سيتم تدمير كل ما تم تحقيقه من خلال تذكرة التسعة يورو".