"كريسبر" للتعديل على الجينات .. تكنولوجيا حيوية ستغير وجه صناعة الأدوية
بعد عقد فقط من اختراع تكنولوجيا كريسبر، سيصبح أول عقار يستخدم تكنولوجية تعديل الجينات الثورية في متناول أيدي الجهات التنظيمية بحلول نهاية العام، حيث يعد بأنه سيغير في النهاية علاج الأمراض الوراثية.
في 2012، نشر الحائزان على جائزة نوبل، جينيفر دودنا وإيمانويل شاربنتير، ورقة علمية تثبت أن جزءا رئيسا من جهاز المناعة البكتيري يمكن استخدامه لقطع الحمض النووي، تعطيل الأخطاء الجينية أو حذفها أو تصحيحها.
أدى اكتشافهما إلى بدء سباق بين الشركات الناشئة لإيجاد علاجات تحويلية - وربما حتى شفائية - الأمر الذي تطور بوتيرة أسرع بكثير من أوجه التقدم السابقة في علم الأحياء.
أولى الشركات الأقرب إلى النجاح هي شركة كريسبر ثرابيوتكس التي تتوقع، بالشراكة مع مجموعة فيرتكس للتكنولوجيا الحيوية، أن تقدم بيانات المرحلة الأخيرة من التجارب للحصول على الموافقة على علاجها لأمراض الدم الوراثية، فقر الدم المنجلي وتلاسيميا بيتا، إلى الجهات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في نهاية 2022.
تظهر أحدث بياناتها أن جميع مرضى فقر الدم المنجلي أصبحوا خالين من الأعراض وأن الأغلبية العظمى من مرضى التلاسيميا بيتا لم يعودوا يعتمدون على عمليات نقل الدم.
قالت دودنا إنه كان "استثنائيا" أن مرضى فقر الدم المنجلي مثل فيكتوريا جراي، التي تم علاجها في التجربة الأولى قبل ثلاثة أعوام، قد "تم شفاؤهم بالفعل من مرض وراثي".
أخبرت صحيفة "فاينانشال تايمز"، "من أكثر الأشياء إثارة للدهشة والحماس بالنسبة لي هو مدى السرعة التي يمكن بها تطبيقه في العيادة. كان أساسا لكثير من الشركات، وولد عشرات المليارات من الدولارات في القيمة، وآلاف مؤلفة من الوظائف".
بناء على ذلك، اهتمت مجموعات الأدوية الكبرى مثل "فايزر" و"باير" و"ريجينيرون" بالأمر، وشكلت شراكات مع الرواد في هذا المجال. يتوقع محللون أن توجد الشركات المصنعة للأدوية في السوق قريبا لشراء شركات الأدوية التي تعتمد على تكنولوجيا كريسبر، جزئيا على أمل الحصول على الأداة لتحسين العلاجات المبتكرة للسرطان.
لكن تطوير "كريسبر" أثار أيضا تساؤلات مهمة حول أخلاقيات تعديل الجينات والآثار طويلة الأجل المترتبة على ذلك.
كثير من العلماء أدانوا باحثا صينيا كشف في 2018 أنه قام بتعديل الشفرة الجينية لطفلتين توأم ولدتا حديثا. كما كان هناك دعاوى قضائية تتعلق بالملكية الفكرية، تناقش مدى مساهمة كل من دودنا وشاربنتير، وفينج تشانج من معهد برود، الذي كتب ورقة بحثية توضح كيفية عمل كريسبر في الجسم البشري.
بالنسبة إلى الشركات الناشئة التي تعمل على أدوية تعتمد على تكنولوجيا كريسبر، فإن التراجع العام في مخزونات التكنولوجيا الحيوية، وبعض التجارب الفاشلة والمخاوف المتعلقة بالسلامة في مجال العلاج الجيني المحاذي، جعلت الأمور أكثر صعوبة. أصبح من الصعب إقناع المستثمرين بأن هذه الثورة تمتلك قوة راسخة.
عندما تتم الموافقة على أول العلاجات التي تستخدم "كريسبر"، فإن هناك مسألة إقناع شركات التأمين والحكومات بدفع رسوم الأسعار المرتفعة، تماما مع عودة إصلاح نظام تسعير العقاقير إلى أجندة الولايات المتحدة، أكبر سوق للأدوية في العالم.
يقارن فيجاي باندي، الشريك العام في شركة أندريسن هورويتز لرأس المال المغامر، "كريسبر" باختراع الترانزستور، الذي أحدث ثورة في تصميم الحاسوب.
قال، "إننا في المراحل المبكرة جدا فقط. أعتقد أن ما وصلنا إليه الآن قد يكون أقرب إلى حقبة الستينيات مع أجهزة الحاسوب".
يتمثل التحدي العلمي الأكبر المتبقي في توصيل "كريسبر" لأعضاء الجسم الأخرى، بخلاف المناطق السهلة نسبيا مثل الدم، والكبد والعينين. قال كيران موسونورو، أخصائي تعديل الجينات في جامعة بنسلفانيا، إن الباحثين بدأوا بالفعل في إحراز بعض التقدم.
قال، "سيصبح الاتجاه الرائد بشكل كبير في الأعوام العشرة المقبلة. سيكون العلاج تحويليا لأنه سيوسع بشكل كبير عدد الأمراض التي يمكننا علاجها في المرضى باستخدام كريسبر".
يعود سبب نجاح "كريسبر" العلمي جزئيا إلى قدرته على استخدام التكنولوجيا المطورة والمطبقة في العلاج الجيني أو التكيف معها، وهي طريقة لتوصيل الجينات المفقودة إلى المرضى التي تم استخدامها لعلاج الحالات التي تهدد الحياة مثل ضمور العضلات النخاعي.
كما أنها استفادت من كمية البيانات الهائلة حول الجينوم البشري، ما يساعد العلماء على فهم الجينات التي يجب استهدافها.
قالت دودنا، "الأمر الرائع بشأن كريسبر هو أن التوقيت كان مناسبا".
سرعان ما بنى العلماء على أرضية الاكتشاف الأصلي. منذ نحو خمسة أعوام، أنشأوا التعديل الأساس، الذي يمكنه إجراء تغييرات أكثر دقة. دخلت شركة فايزر في شراكة مع شركة بيم ثرابيوتكس للتعديل الأساس في صفقة تصل قيمتها إلى 1.35 مليار دولار، على أمل نشر خبرتها في الجسيمات النانوية الدهنية، التي طورتها من عملها على لقاح كوفيد - 19، كوسيلة لتقديم علاجات باستخدام تكنولوجيا "كريسبر".
في حين أن معظم التجارب لا تزال تستهدف الأمراض النادرة، عالجت شركة ڤيرڤ للتعديل الأساس أخيرا أول مريض لها في دراسة تستهدف حالة جينية تسبب ارتفاع الكوليسترول، التي يمكن استخدامها يوما ما في سوق تضم ملايين المرضى.
كما يستخدم "كريسبر" لتعزيز نوع من علاج السرطان المصمم بشكل فردي الذي يسمى علاج كار-تي، ما يمكن أن يغري شركات الأدوية للاستحواذ على شركات تكنولوجيا حيوية متخصصة أصغر، وفقا لموري رايكروفت، محلل في مصرف جيفريز.
تمتلك مجموعات الأدوية الكبرى أكواما ضخمة من الأموال ويحتاج عدد منها إلى بناء نظام بالعملاء المتوقعين للعقاقير قبل انتهاء صلاحية عدد كبير من براءات الاختراع في نهاية العقد.
قال جون ليونارد، الرئيس التنفيذي لشركة أنتليا، التي نفذت أول عملية توصيل "كريسبر" داخل الجسم "بدلا من استخراج الخلايا، وتعديلها وإعادتها" كجزء من تجربتها لعلاج أمراض الكبد، إنه "أمر مفروغ منه بصورة أساسية" أن كل شركة أدوية كبيرة يجب أن تمتلك بعض قدرات "كريسبر".
لم يقتنع الجميع. بعد عامين من الانتعاش خلال الجائحة، يعاني قطاع التكنولوجيا الحيوية بأكمله. المستثمرين العامين أقل تركيزا على الرعاية الصحية ويشعر المتخصصون بالقلق من أن كثيرا من الشركات تم طرحها للاكتتاب العام في وقت مبكر جدا، وفي الأغلب دون أي بيانات سريرية.
في العام الماضي، انخفض مؤشر ناسداك للتكنولوجيا الحيوية 21 في المائة - لكن شركات "كريسبر" شهدت مزيدا من التراجع. تراجعت الأسهم في شركة أنتليا 61 في المائة في العام الماضي، وشركة ڤيرڤ 42 في المائة، وانخفض سهم شركة إيديتاس 73 في المائة، وفقدت كل من شركتي "بيم ثرابيوتكس" و"كريسبر ثرابيوتكس" نحو 40 في المائة من القيمة السوقية لكل منهما.
قال نعمان حق، العضو المنتدب لعلوم الحياة والرعاية الصحية في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في مصرف وادي السيليكون المتخصص، إن 2019 و2020 كانا قياسيين بالنسبة إلى القطاع، ولعلاجات الجينات خصوصا، أما الآن فقد بدأ المستثمرون يدركون أنه لا تزال هناك تحديات أمامهم.
قال، "هناك واقعية مفادها أنه في حين أن التكنولوجيا قد تكون مذهلة ورائعة، فإن الواقع القاسي للأعمال التجارية هو هل سأتقاضى أموالا مقابل هذا؟ وهل سأكون أفضل بكثير من المنافسين وفي أي مجموعة معينة من المرضى؟".
تضررت السوق أيضا بسبب كثير من الانتكاسات في التجارب السريرية للعلاجات الجينية، وإن لم تكن في العلاج الذي يستخدم تكنولوجيا "كريسبر" على وجه التحديد.
في 2020، رفضت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية علاجا لمرض الهيموفيليا من شركة بيومارين، حيث طلبت مزيدا من البيانات، على الرغم من أنها حصلت منذ ذلك الحين على موافقة مشروطة في الاتحاد الأوروبي. في الآونة الأخيرة، لم يثبت العلاج الجيني لسرطان المبيض من شركة في بي إل أنه أفضل من الرعاية النموذجية الحالية، في حين خسرت شركة بيوجن أكثر من 500 مليون دولار بعد فشل تجربتين للعلاج الجيني.
الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى بعض المستثمرين هو توقف التجارب مؤقتا بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. في العام الماضي، أوقفت إدارة الغذاء والدواء كثيرا من التجارب بسبب مخاوف من أن العلاجات يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالسرطان. كانت الأكثر شهرة تجربتان أجرتهما شركة بلوبيرد بيو. تم استئناف تجربة واحدة بعد أن تبين أن حالة سرطان الدم لدى أحد المشاركين لم يكن لها علاقة بالعقار. لكن في تجربة أخرى، تم ربط العقار بالمرض، على الرغم من أن مستشاري الهيئات التنظيمية قد خلصوا إلى أن فوائد العقار لا تزال تفوق مخاطره، وتنتظر الموافقة لاستئناف التجارب.
تؤكد شركات كريسبر أن التكنولوجيا الخاصة بها تختلف اختلافا كبيرا عن العلاجات الجينية التقليدية، التي تتضمن تقديم الجين بدلا من تعديله. قال جون إيفانز، الرئيس التنفيذي لشركة بيم ثرابيوتكس، إنه لا يمكنك دائما التحكم في مكان إضافة الجين في بعض أنواع العلاج الجيني، لكن مع علاج كريسبر يمكنك فعل ذلك - وأن التعديل الأساس، مجال تخصص شركة بيم، أكثر دقة حتى.
مع ذلك، يرغب بعض العلماء في انتظار مزيد من البيانات حول كيفية تأثير تعديلات "كريسبر" في المرضى على المدى الطويل.
قال لويجي نالديني، رائد العلاج الجيني في جامعة فيتا ساليوت سان رافاييل في ميلانو، إن التطلعات العامة لعلاج كريسبر "إيجابية" لكنه يعتقد أنه ينبغي للشركات التدقيق في البيانات على مدى فترة أطول.
قال، "لا أريد أن أكون كاساندرا -شخص لا يستمع أحد لتحذيراته- لكن في العلاج الجيني، لدينا خبرة سابقة، ومتابعة للبيانات على مدى فترة طويلة. لا تظهر النتائج السلبية على مستوى الجينوم على الفور".
كانت هناك بعض الأخبار السارة للعلاجات الجينية هذا الأسبوع عندما حصل علاج شركة بلوبيرد بيو لمرض تلاسيميا بيتا على موافقة إدارة الغذاء والدواء. يبلغ سعره في قائمة الأسعار في الولايات المتحدة 2.8 مليون دولار، ما يجعله أغلى عقار من جرعة واحدة على الإطلاق.
يلاحظ إيفانز أنه يبدو أن المستثمرين يميزون بين المجالين، حيث إن الأسهم في الشركات التي تستخدم العلاجات الجينية التي تعتمد على طريقة التوصيل الشائعة باستخدام ناقلات لينتيفيرال انخفضت أكثر بكثير من أسهم شركات كريسبر.
قال، "الأمر بمنزلة قصة قطاعين في الطب، بين العلاج الجيني، الذي لا يزال حتى الآن نوعا ما في تيار هبوطي من التعامل مع مشكلات فنية وأخرى تتعلق بالسلامة. ثم تعديل الجينات، الذي أعتقد أنه لا يزال صاعدا، في الواقع، على الرغم من التقلبات".
تكون العلاجات الجينية وفرت اللبنات الأساسية لعلاج كريسبر - لكنها لم تحل مشكلة كيفية دفع ثمن عقاقير من جرعة واحدة يحتمل أن تكون شافية. تجادل الشركات المصنعة للأدوية بأن الأسعار المرتفعة - العلاج الجيني لمرة واحدة لشركة نوفارتيس، زولجنسما، لعلاج ضمور العضلات الشوكي يبلغ سعره المدرج الأمريكي 2.1 مليون دولار - ذات قيمة جيدة لأنها توفر أعواما من تكاليف الرعاية الصحية للمرضى المصابين بأمراض خطيرة.
قال ستيف سيدهاوس، محلل في مصرف ريموند جيمس، إن الصناعة تناقش كيفية جعل الأسعار المرتفعة أكثر قبولا، بما في ذلك عن طريق توزيع المدفوعات على مدى خمسة أعوام، أو تقاضي ثمن العلاج إذا ما نجح فقط. قال، "ليس من الواضح تماما على المدى البعيد ما إذا كان السعر المرتفع بحد ذاته سيكون مقبولا".
إذا تمت الموافقة على علاج فقر الدم المنجلي، على الأرجح العام المقبل، ستكون شركة كريسبر ثرابيوتكس أول من تختبر السوق لعقار يستخدم تكنولوجيا كريسبر. قال سامارث كولكارني، الرئيس التنفيذي لشركة كريسبر ثرابيوتكس، إنه يتعين عليها وعلى شركة فيرتكس "إرساء الأساس لفئة جديدة كاملة من العقاقير". قال، "في النهاية، سيغير هذا وجه الصناعة".