رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الرهن العقاري .. اهتزازات مالية

اهتزت سوق العقارات الصينية بقوة، منذ تموز (يوليو) الماضي، عندما هدد مشترو المنازل في البلاد الغاضبون، بوقف مدفوعات الرهن العقاري على المشاريع غير المكتملة. وما كانت تخشاه الأسواق الصينية آخذ في الاتساع اليوم، مع ارتفاع وتيرة الأفراد والشركات الذين توقفوا عن دفع الرهون العقارية لشركات المقاولات، لتأخر تسليم العقارات. وفي الصين، يتم بيع أكثر من 85 في المائة من المنازل الصينية من خلال البيع المسبق، إذ يبدأ الرهن العقاري قبل أعوام من اكتمال المباني وتسليمها للمشترين النهائيين.
وبعد نحو شهرين من تصاعدها، لا تزال الأزمة تتغذى على نفسها مع جفاف التدفق النقدي الموجه للمطورين، ما يدفع نحو تعليق إكمال مشاريع قيد التطوير. في ظل أن الصين تمتلك قوة بشرية كبيرة تصل إلى 1.4 مليار نسمة، واقتصادا تضاعفت قوته خلال العقد الماضي، كل هذا يوحي بأن طارئا اقتصاديا قد ينذر بخسائر ضخمة وقلقا كبيرا قد يتجاوز البلاد. وتصبح أزمة ديون قطاع العقارات شبحا يهدد بكبح عجلة الاقتصاد الصيني.
ومن هذا المشهد القاتم ليس واضحا تماما مسار سوق العقارات في الصين، في ظل المصاعب الجمة التي يواجهها، ليس الآن فحسب بل قبل عامين على الأقل. وتفاقمت الأزمة أكثر في الآونة الأخيرة، بعد أن بلغت التقديرات الأولية لخسائر المستثمرين في ديون مطوري العقارات الصينية نحو 130 مليار دولار. وهذه الخسائر ستتعاظم أكثر إذا ما ظلت الحكومة في بكين ملتزمة بعدم التدخل، علما بأن العقارات في هذا البلد تمثل في النهاية ما قيمته 30 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي.
وعادة ما تقوم السلطات المختصة في البلاد بالتدخل في هذه السوق الواسعة، إذا ما واصلت الاهتزازات والمخاوف فيها، فضلا عن حرصها على المحافظة على السمعة المالية للسوق وللبلاد في آن معا. فأزمة عقارية واسعة الآن، ستضيف مزيدا من الضغوطات على الاقتصاد الصيني، فضلا عن إمكانية انتشارها لتصيب جهات أجنبية متعددة منكشفة عليها.
المشكلة الراهنة تكمن في تسعير نسبة كبيرة من السندات بالدولار للمطورين، بينما تزيد احتمالات التخلف عن السداد يوما بعد يوم. وهناك سندات تستحق الشهر المقبل، وبعضها يستحق في حدود عام، وكلها لشركات تواجه عثرات منذ عدة أشهر. ورغم أن الخسائر المقدرة مبدئيا لإمكانية تخلف بعض الشركات عن السداد بالدولار، تصل إلى مئات الملايين من الدولارات، لكن تبقى الخسائر الإجمالية المتوقعة عند حدود 130 مليار دولار، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى أزمة حتى لجهات مالية لها روابط غير مباشرة في السوق العقارية في الصين. تخلفت بالفعل هذا العام مجموعات عقارية في العام الجاري عن سداد مدفوعات لسندات بالدولار بقيمة بلغت 31.4 مليار دولار. وتسعى الشركات المتعثرة إلى تحويل قروضها إلى ديون يتم إصدارها مجددا. بمعنى آخر، إعادة جدولة الديون، بما يسمح لها بمواجهة الضغوط المالية المتعاظمة عليها.
والذي يرفع من مستويات المخاوف والعجز عن السداد، اضطرابات متواصلة في سوق العقارات. بمعنى آخر، أن وضعية السوق لا تساعد على الأقل في الوقت الراهن، في تهدئة مخاوف المستثمرين. الخيارات المتاحة قليلة الفرص لمواجهة هذه الأزمة المتصاعدة. فإما أن تتدخل الحكومة الصينية وتطرح مشروع إنقاذ يكفل في النهاية سداد مدفوعات السندات، وهناك مؤشرات تدل على أن بكين لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي في هذا الخصوص، وإما أن يقوم المطورون بإعادة التمويل، وهذا ليس سهلا في ظل الظروف الراهنة، وإن كان ممكنا. والحق، أن المستويات المنخفضة للسندات المتعثرة، ما كانت لتصل إلى هذه المرحلة، لولا تزايد الشكوك حول عجز الشركات عن السداد. فالعاصفة باتت قوية، وهي ليست وليدة الأمس، بل تعود إلى أشهر خلت، ارتأت السلطات الصينية أن تراقب ما يجري من قرب، قبل أن تطرح ما لديها من حلول.
وما يزيد من تفاقم الأزمة، أن المؤشرات كلها تدل على ارتفاع عدد الشركات التي ستعجز عن السداد قبل نهاية العام الجاري، ما يدفع سوق العقارات باتجاه المجهول. والخوف انتقل إلى ساحة مشتريي المساكن الصينيين أنفسهم، على الرغم من كل التطمينات التي يتلقونها من جانب الشركات المطورة للعقارات، ولا سيما تلك التي تواجه مصاعب أكثر من غيرها. والأزمة الراهنة، حدت حتى من وتيرة المبيعات، التي كانت توفر السيولة للمطورين والشركات المساندة لهم. وفي المحصلة الأخيرة، ستكون العاصفة قوية على سوق العقارات في الصين، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه. فالعجز عن سداد مدفوعات السندات الدولارية "رغم تقلص قيمتها"، والاضطراب الحاصل في السوق ذاتها، ينذر بعاصفة تتجمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي