البنك الدولي يحدد 5 محفزات لتطوير دور القطاع الخاص في التنمية

البنك الدولي يحدد 5 محفزات لتطوير دور القطاع الخاص في التنمية

يُقرّ واضعو السياسات والمواطنون وأصحاب المصالح المباشرة بالإجماع بأن خلق فرص العمل يشكل أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي وبقية بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. ففي ظل وجود معدلات بطالة رسمية مرتفعة وقوة عمل كبيرة من الشباب، ما زال وضع سياسات اقتصادية من شأنها تحفيز النمو الذي يقوده القطاع الخاص في القطاعات غير النفطية يشكل التحدي الرئيسي أمام حكومات بلدان المنطقة اليوم، خصوصا مع تراجع حجم الإيرادات والعجوزات في الموازنات العامة.
ولمواجهة هذا التحدي، تؤكد دراسة صادرة حديثا عن البنك الدولي أنه يتعين على بلدان المنطقة تعزيز قدراتها على المنافسة على الصعيد الدولي، وتشجيع المزيد من استثمارات القطاع الخاص (المحلية والأجنبية على حد سواء)، من خلال انتهاج إصلاحات هيكلية بعيدة الأثر لتحسين مناخ الاستثمار وتحقيق التكامل مع التجارة العالمية. بيد أن هذا التحول إلى اقتصاديات أكثر انفتاحاً وقائمة على نظام السوق وقادرة على المنافسة اتسم بالبطء في هذه المنطقة مقارنة بالبلدان الأخرى المتوسطة الدخل في مناطق أخرى من العالم، مثل أوروبا الشرقية وشرق آسيا.
ولا يزال تعجيل خطى هذا التحول يمثل مطلباً أساسياً ضرورياً لتسريع وتيرة النمو، إذ تتسم اقتصاديات المنطقة عادة بارتفاع التدخلات واللوائح التنظيمية الحكومية. ورغم الإصلاحات الملحوظة في العديد من بلدان المنطقة، مازال الكثير من هذه السياسات يؤثر في إنتاجية الشركات وقدرتها على المنافسة اليوم. ومع ذلك، فعلى الرغم من أن هذه السياسات تظل شائعة في مجالات رئيسية مثل اللوائح التنظيمية لأنشطة الأعمال، وأسواق الأراضي والائتمان، فقد جرى التخلي تدريجياً، ولو بشكل جزئي، عن استراتيجيات التنمية الموجهة مركزياً في بداية من ثمانينيات القرن العشرين وحتى يومنا هذا، وسط اضطرابات في الاقتصاد الكلي، وتزايد معدلات البطالة التي لم يعد القطاع العام قادراً على استيعابها.
وشرعت معظم الحكومات في إجراء إصلاحات هيكلية وأخرى معنية بالتجارة، وبعضها قطع شوطاً طويلاً في هذا الصدد. وأدى الجيل الأول من الإصلاحات إلى تحسين إطار الاقتصاد الكلي، وتخفيض تشوهات الأسعار والتجارة، وتثبيت الاقتصاد، إلا أنه ثبت عدم كفايتها في تشجيع استثمارات قوية يقودها القطاع الخاص، وهي استثمارات ضرورية لتخفيض معدلات البطالة التي وصلت أرقاماً عشرية والتي تهدد التلاحم الاجتماعي في العديد من هذه البلدان. ومن الضروري زيادة الانفتاح أمام المنافسة بغرض حفز نمو الإنتاجية والابتكار.
وكان التقدم المُحرز في الإصلاحات الهيكلية التي تضمنها الجيل الثاني من الإصلاحات الخاصة ببيئة الاقتصاد الجزئي للشركات (مثلاً، تدعيم تسهيل التجارة والخدمات اللوجستية، وأسواق الائتمان، والجهاز القضائي، وإلغاء الحواجز الإدارية والتنظيمية، ومؤسسات القطاع العام، الخ) أبطأ بكثير، وحتى عندما تغيرت السياسات، ثبت أنها أكثر صعوبة في التطبيق.
ويفيد تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2009 الأخير عن إصلاحات سريعة في عدد قليل من البلدان في المنطقة (مصر، والمغرب، السعودية، وتونس)، ولكن وتيرة الإصلاحات كانت أبطأ في باقي بلدان المنطقة. وتشير الشواهد الأخيرة المُستقاة من استقصاءات تقييم مناخ الاستثمار أيضاً أن بيئة ممارسة أنشطة الأعمال تُقيِّد مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة بشكل أكبر من الشركات الكبيرة. ولتسريع ظهور قطاع خاص أكثر نشاطاً وديناميكية، وتكميل إصلاحات الاقتصاد الكلي، يتعين إيلاء مزيد من الاهتمام لتنفيذ إصلاحات الاقتصاد الجزئي، وتكليف مؤسسات مهنية وملتزمة بإنفاذ اللوائح والقواعد والقوانين.
وتلتزم جميع حكومات هذه المنطقة ـ اليوم ـ بالعمل على تشجيع النمو الذي يقوده القطاع الخاص، وذلك من خلال زيادة التركيز على الجيل الثاني من الإصلاحات. إلا أن الموروث الذي خلفته السياسات السابقة ـ مقترنة بارتفاع أسعار السلع الأولية ـ قد حدد شكل هيكل القطاع الخاص في هذه المنطقة، فضلاً عن تحديد وتيرة الإصلاحات وتسلسلها الزمني.
وتقول الدراسة إن هناك سمات مشتركة بين قضايا الهيكلة الأساسية التي تُقيِّد نمو مؤسسات القطاع الخاص وفرص الاستثمار فيها عبر بلدان المنطقة، وذلك استناداً إلى العمل التحليلي الذي أجراه البنك الدولي أخيرا، والمشاورات التي جرت مع حكومات البلدان المتعاملة مع البنك الدولي والعديد من الهيئات الأخرى. وتشمل هذه القيود المفروضة من قبل: البيئة التنظيمية والإدارية المعنية بأنشطة الأعمال التي تضع قيوداً على دخول الشركات وخروجها من الأسواق، الافتقار إلى القدرة على الحصول على التمويل، بنية أساسية ولوجستيات غير كافية لتسهيل التجارة، عدم وجود إمكانية الحصول على الأراضي، والقضايا المتعلقة بملكية الأراضي وتسجيلها، استمرار دور الدولة وتدخلها الشديد في عمل الاقتصاد.
وتضع الدراسة استراتيجية تنمية القطاع الخاص تشتمل على خمسة مجالات رئيسية هي أولا: إزالة الحواجز الإدارية والتنظيمية أمام الاستثمار. هناك منهجان مفيدان للتصدي للحواجز الإدارية، أولهما يكمن في تحديد المشكلات ذات الأولوية من خلال العمل التشخيصي، ومن ثم تقديم الحلول عبر أفضل الممارسات، وثانيهما يتمثل في مساندة بناء القدرات المؤسسية للتصدي بشكل منهجي لهذه العوائق الإدارية.
ثانيا: توفير القدرة على الحصول على التمويل بالتعاون الوثيق مع القطاع المالي من خلال دراسة عوامل جانب الطلب ومواطن الضعف المؤسسي الأساسية التي قد تقوض فرص الشركات في الحصول على الائتمان.
ثالثا: تسهيل التجارة، واللوائح التنظيمية والبنية الأساسية. وترى الدراسات التي أُجريت أخيرا حول الإصلاحات في مجال التجارة أن مزايا تحرير التجارة بالنسبة للعديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن أن تزداد بأكثر من ثلاثة أمثال عما هي عليه الآن، من خلال الإصلاحات المصاحبة لتسهيل التجارة، بما في ذلك تقديم المساندة الفنية والمالية لتشجيع الدخول في شراكات بين القطاعين العام والخاص في مجالات تشجيع الصادرات، وتعزيز كفاءة الجمارك والموانئ، وتجهيز المستندات التجارية، وكفاءة اللوجستيات المتعلقة بالتجارة، وتحسين المعايير والتقيد بمتطلبات منظمة التجارة العالمية، فضلاً عن تمويل التجارة.
رابعا: سياسات الأراضي والقدرات المؤسسية، حيث تثير تقييمات مناخ الاستثمار باستمرار مسألة توافر الأراضي اللازمة للأغراض الصناعية باعتبارها معوقاً رئيسياً أمام تنمية القطاع الخاص. وعلاوة على ذلك، تعتبر فائدة الأراضي كضمان حاسمة الأهمية لحصول الشركات على التمويل.
خامسا: تحسين تقديم الخدمات من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPPs). فعندما تكون الدولة مثقلة بالأعباء، يمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص، اضطلاع القطاع الخاص بتقديم خدمات البنية الأساسية أن يعزز من قدرته على تقديم الخدمات الأساسية.

الأكثر قراءة