على وادي السيليكون أن يعفينا من خزعبلات فعل الخير
إذا كنت تؤمن بالقصص المنسوجة، فإن سبب مراهنة شركة أندريسن هورويتز - أو أيه 16 زد - بمليارات الدولارات على فكرة التشفير الخيالية لـ"ويب 3" يتمثل في أن الإصدار الحالي من الإنترنت "ويب 2" يعطي المال والسلطة لشركات التكنولوجيا الكبرى بقدر كبير، ولا يعطي ما يكفي للمستخدمين.
قد تتساءل عما إذا كان أحد أكبر صناديق رأس المال المغامر في وادي السيليكون قد يحاول هو نفسه الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من المال والسلطة. لكن في الواقع لا، أنت من تهمه.
قال كريس ديكسون، رئيس صندوق العملات المشفرة في الشركة الذي تبلغ قيمته 7.6 مليار دولار، لبودكاست تيك تونيك لـ"فاينانشال تايمز"، "آمل أنه عبر ويب 3، يمكننا العودة إلى توزيع لامركزي أكبر بكثير للسلطة والتحكم". اكتشفت منصتا فيسبوك وإنستجرام طريقة لجعل الآخرين ينشئون محتواهما ثم تأخذان كل الأموال تقريبا".
هذا أمر محير. أليست شركة أيه 16 زد في صميم شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث استفادت بشكل كبير من ويب 2؟ ألا يزال المؤسس المشارك مارك أندريسن عضوا في مجلس إدارة ميتا - الشركة التي تمتلك كلا من فيسبوك وإنستجرام - ولا يزال يمتلك أسهما بملايين الدولارات فيها؟ على أي حال، أليس هدف رأس المال المغامر الأساس هو تحقيق العوائد؟ لماذا تشعر هذه الشركة - وقطاع التكنولوجيا على نطاق أوسع - بالحاجة إلى الإصرار على أن سبب وجودها هو إنقاذ العالم، في حين أنها في الواقع تحاول ببساطة جني أكبر قدر ممكن من المال؟ ألا ينبغي أن يكون من المقبول أن تقول ذلك؟
في الواقع ذهب ديكسون لأبعد من ذلك. قال إن ويب 3 لن يتبع شعار جوجل القديم "لا تكن شريرا" - الذي تم التخلي عنه بهدوء قبل بضعة أعوام - لأن هذا يعتمد على تمسك البشر غير المعصومين به.
إن جعل الإنترنت يعمل على بلوكتشين بدلا من ذلك، وتقديم حوافز مالية جديدة على شكل رموز مشفرة، سيعني في الواقع بطريقة أو بأخرى أن هذه الفكرة مدمجة في النظام، "هذا مفهوم مهم للغاية في ويب 3، لا يمكنك أن تكون شريرا، بدلا من لا تكن شريرا".
هذه بالطبع فكرة هزلية، كما يمكن لنظرة خاطفة على بعض المشاريع التي استثمر فيها صندوق العملات المشفرة لشركة أيه 16 زد أن تثبت ذلك. بينما يصر ديكسون على أنه في هذه الرؤية الجديدة للإنترنت، " المستخدمون يتحكمون في البيانات"، كان أحد استثماراته، "ورلد كوين"، تجمع البيانات الحيوية من الأشخاص في الدول النامية مقابل الرموز المشفرة وتم اتهامها بالتسويق المضلل. قال الرئيس التنفيذي لـ"ورلد كوين" لموقع بز فيد نيوز، إن الشركة "ستعمل على تحسين" الاتصال والتسويق.
ساعدت الممارسات الاستغلالية لاستثمار أكثر شيوعا، في كوين بيس، على أن تجني بورصة العملات المشفرة 3.6 مليار دولار من الأرباح في 2021.
الحقيقة هي أن الادعاءات المتعالية التي قدمتها شركة أيه 16 زد هي جزء من ثقافة اصنع كعكتك وتناولها أيضا التي ساعدنا جميعا على إنشائها. لقد شوهنا البنوك "مصاصة الدماء" في أعقاب الأزمة المالية لدرجة أن أعمال جني الأموال أصبحت تعد قبيحة وغير أخلاقية. ولذلك يتجنب خريجو كليات إدارة الأعمال الشباب - الشباب هم الأكثر احتمالا لطلب وظيفة ذات "هدف" - الخدمات المصرفية الاستثمارية لمصلحة وادي السيليكون، التي لا توفر لهم المشروبات المجانية وطاولات تنس الطاولة فحسب، بل فرصة للشعور بأنهم يصنعون فرقا.
يقول مارتن ووكر، مدير الخدمات المصرفية والمالية في مركز الإدارة القائمة على الأدلة، "كانت شركات التكنولوجيا الكبرى تقول إنها أفضل من الجهات المالية. وكانت أكثر وعيا اجتماعيا وتمكنك من الحصول على جميع أنواع الأشياء مجانا، لكن ما تعلمناه هو أن شركات التكنولوجيا الكبرى لا تتخلى عن الأشياء مقابل لا شيء. إنها إما تحاول بناء احتكارات وإما تحاول استخلاص القيمة من الناس بطريقة أخرى".
منذ انطلاق المعايير البيئية والاجتماعية وحكومة الشركات أيضا، أصبح المستثمرون يرغبون في أن يتم إخبارهم بأنهم يستثمرون أموالهم في مشاريع خيرة - سواء أكان هذا صحيحا أم لا، فهذا أمر لا صلة له بالموضوع.
ما يعنيه هذا كله هو أن الشركات تنفق مزيدا من مواردها على الظواهر، ما يترك لها وقتا ومالا أقل للتركيز على فعل شيء قد يكون له قيمة في الواقع. نحن نعيش في مجتمع مهووس جدا بكيفية ظهور الأشياء لدرجة أنه يوجد في الولايات المتحدة اليوم أكثر من ستة موظفين علاقات عامة لكل صحافي.
علاوة على ذلك، من خلال توقع أن الشركات يجب أن تخبرنا أنها موجودة لفعل الخير في العالم بدلا من جني الأرباح، فإننا نجعلها أفضل في إخبارنا بالأكاذيب. هذا يجعل من الصعب التمييز بين الحقيقة والخيال، وبالتالي محاسبة هذه الشركات.
من عمالقة وادي السيليكون إلى محتالي كازينو التشفير، ينبغي على عالم التكنولوجيا أن يحاول أن يكون أكثر صدقا مع نفسه ومع بقيتنا. ينبغي أن نسمح لهم بأن يقولوا لنا الحقيقة مباشرة - إذا لم نفعل ذلك، فنحن متواطئون في بناء ثقافة لا تقدر الحقيقة، ثقافة يصبح فيها الخط الفاصل بين الواقع والتزييف غير واضح بشكل متزايد.