لماذا انتقاد بنك إنجلترا في غير محله؟
مع ارتفاع معدل التضخم أعلى مما كان عليه منذ عقود أصبح منتقدو بنك إنجلترا كثيرين، لكن يبدو أن الجزء الأكبر من اللوم لا أساس له.
تعرض بنك إنجلترا لانتقادات لكونه كان بطيئا جدا في رفع أسعار الفائدة ولم يفعل كثيرا في هذا الصدد. لكن البنك المركزي وجد دعما سيئا على نحو خاص من جانب الاقتصاد الكلي.
التأثير الناشئ عن تطبيق سياسات أبكر وأشد كان من الممكن أن يكون محدودا في كبح جماح التضخم الحالي. وفي ظل هذه الظروف قد يكون مسار السياسة النقدية لبنك إنجلترا هو الخيار الأفضل من بين مجموعة من الخيارات الصعبة.
وفقا لتوقعاتنا، فواتير الغذاء والطاقة المرتفعة ستشكل بشكل مباشر 60 في المائة من ذروة رقم التضخم المتوقع في تشرين الأول (أكتوبر). والتضخم غير الأساسي ليس شيئا يمكن للسياسة النقدية أن تؤثر فيه.
في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، أوضح بنك إنجلترا أنه نظرا إلى تأخر السياسة النقدية في معالجة تراكم التضخم الناجم عن أسعار السلع المستوردة، حتى قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كان عليه أن يبدأ سياسة تشديد صارمة إلى حد ما منذ فترة الموجة الأولى من الجائحة في أوائل 2020. وكان هذا تماما في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد البريطاني على وشك التعرض لضربة جراء الانكماش ربع السنوي الذي بلغت 20 في المائة تقريبا بسبب الإغلاق الأول.
تنفيذ هذه السياسة الصارمة كان يمكن أن يؤدي إلى احتواء التضخم في حدود الهدف المنشود لبنك إنجلترا وهو 2 في المائة بحلول أوائل 2022، لكن البطالة كانت سترتفع بمقدار 800 ألف وظيفة تقريبا، وفقا لنموذج البنك المركزي.
في الواقع، مقارنة بنظرائه، كان رد فعل بنك إنجلترا مناسبا إلى حد ما. ففي وقت مبكر من أيلول (سبتمبر) الماضي، أقر بأن الضغوط التضخمية قد لا تكون عابرة. وبحلول شباط (فبراير)، رفع أسعار الفائدة مرتين وأعلن بدء تخفيض ميزانيته العمومية. وفي تناقض صارخ، كان الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي لا يزالان يشتريان الأصول بموجب برامج التسهيل الكمي.
حتى ضيق سوق العمل في المملكة المتحدة ربما يكون موضوع عرض أكثر من كونه موضوع طلب. إذ لا يزال التوظيف أقل بكثير من ذروته قبل كوفيد - بمقدار 210 آلاف وظيفة - مع انخفاض المعروض من العمال بمقدار 290 ألف عامل في أيار (مايو).
بصرف النظر عن انخفاض تدفقات المهاجرين، فإن انخفاض معدل المشاركة المحلية يمثل مشكلة أيضا. مثلا، لم يكن لدى المملكة المتحدة عدد كبير من العمال المحتملين خارج سوق العمل بسبب المشكلات الصحية. يمكن أن يؤثر بنك إنجلترا في الطلب على العمالة من خلال إبطاء النمو، لكن لا يوجد ما يمكنه فعله لتقصير قوائم الانتظار في خدمة الصحة الوطنية.
علاوة على ذلك، الانتعاش الضعيف نسبيا بعد الجائحة في المملكة المتحدة يدحض حجة التضخم الذي تحركه السياسة النقدية. فقد كان نمو الاستثمار التجاري ضعيفا للغاية، ونمو الاستهلاك يتباطأ الآن هو الآخر، على الرغم من القراءة المبسطة للمعدلات الحقيقية البالغة سالب 8 في المائة بعد أخذ التضخم المتوقع لآب (أغسطس) في الحسبان.
بدلا من ذلك، يمكن المجادلة بأن إعادة توجيه الواردات المتعلقة ببريكست بعيدا عن الاتحاد الأوروبي تعد متهما محتملا في ارتفاع الأسعار. تضخم السلع المصنعة في المملكة المتحدة كان في ذروته الأخيرة أعلى بواقع أربع نقاط مئوية من منطقة اليورو. حتى وجهة النظر التقليدية القائلة إن أسعار الفائدة المرتفعة وحدها يمكن أن تساعد على دعم العملة، وبالتالي تخفيف التضخم الناجم عن أسعار السلع المستوردة، تم التراجع عنها الأسبوع الماضي عندما انخفض سعر صرف الجنيه الاسترليني مقابل الدولار بعد رفع بنك إنجلترا، بجرأة، سعر الفائدة 0.50 نقطة مئوية، حيث ركز المتداولون على ضعف النمو.
في مواجهة مقايضة أكثر صعوبة من البنوك المركزية الأخرى تتعلق بالتوظيف والتضخم، كان إجراء بنك إنجلترا متدرجا إلى حد كبير في منهجه في النصف الأول من هذا العام. وبالنظر إلى أنه يتوقع معدل تضخم في الأجل المتوسط أقل كثيرا من 2 في المائة، فهناك حجة مفادها أن الربط الحالي لأسعار فائدة إقراض البنوك التجارية ربما يكون قد وصل بالفعل إلى المستوى المتوافق مع اختصاص بنك إنجلترا المتمثل في إعادة التضخم إلى 2 في المائة بمرور الوقت.
لكن مع ارتفاع توقعات التضخم على المدى القصير، وتوقع صدمة تضخمية أخرى ناجمة عن أسعار السلع المستوردة حيث من المقرر أن ترتفع أسعار الغاز والكهرباء مرة أخرى في تشرين الأول (أكتوبر) وكانون الثاني (يناير)، اختارت لجنة السياسة النقدية نهجا أكثر قساوة الأسبوع الماضي. فزيادة أسعار الفائدة 0.50 نقطة مئوية في وقت يتوقع فيه حدوث ركود طويل الأمد يوضح نية لجنة السياسة النقدية للتصدي لأي ضغوط تضخمية.
إذن، ماذا عن السياسة المالية المحتملة؟ في رأينا، ينبغي أن تستهدف الإجراءات المالية الأسر ذات الدخل المنخفض التي شهدت نموا ضعيفا نسبيا في الأجور حتى الآن، وربما يكون لديها القليل من المدخرات الزائدة جراء الجائحة، أو عدم وجودها على الإطلاق. ومن شأن هذا الدعم الموجه حماية الفئات الأكثر ضعفا، بينما يؤثر بشكل محدود في التضخم.
يمكن أن يكون لتخفيف نقص المعروض من العمالة أيضا تأثير في خفض التضخم، لذا فإن دعم خدمة الصحة الوطنية من أجل تقليص أسرع لقوائم الانتظار الخاصة بها يعد خيارا جيدا. بنك إنجلترا يواجه مهمة صعبة ولا توجد خيارات سياسية سهلة. وينبغي للسياسة المالية العامة ألا تجعل مهمة البنك الصعبة أصلا أكثر تعقيدا.
*مختصة باقتصاد المملكة المتحدة في بنك مورجان ستانلي