صناع الرقائق يقعون ضحية لتصاعد التوترات الجيوسياسية الأمريكية - الصينية

صناع الرقائق يقعون ضحية لتصاعد التوترات الجيوسياسية الأمريكية - الصينية
صناع الرقائق يقعون ضحية لتصاعد التوترات الجيوسياسية الأمريكية - الصينية

في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أعلنت شركة ماجناتشيب الكورية الجنوبية لأشباه الموصلات على مضض، انتهاء عملية اندماجها المقترحة بقيمة 1.4 مليار دولار مع شركة وايز رود كابيتال الصينية المتخصصة في الأسهم.
بصرف النظر عن إدراجها في بورصة نيويورك وحضورها المؤسسي اسميا في ولاية ديلاوير، لا يوجد لدى "ماجناتشيب" عمليات حقيقية ثابتة - في التصنيع والبحث والتطوير أو المبيعات - في الولايات المتحدة.
لكن ذلك لم يمنع لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، وهي هيئة أسست في البداية في السبعينيات لفحص عمليات شراء الأصول الاستراتيجية الأمريكية من قبل دول منظمة أوبك، من التدخل في عملية الاندماج.
في خطوة فاجأت صناعة أشباه الموصلات العالمية، حكمت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة أن الصفقة تشكل خطرا محتملا على الأمن القومي للبلاد، ما أدى فعليا إلى إلغاء الصفقة وركود القطاع.
قال كريس ميلر، أستاذ مساعد في جامعة تافتس، "شاركت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة تقليديا في قضايا الأمن التقليدية مثل الموانئ والبنية التحتية، مع ذلك فقد منعت الاستحواذ على شركة الرقائق الصغيرة نسبيا التي لم يكن لها أي وجود أمريكي على الإطلاق. كانت هذه إشارة مهمة بالفعل للصناعة بأكملها".
تعد قضية "ماجناتشيب" مثالا على كيفية تأثير التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين على صناع الرقائق، الذين يتم الضغط عليهم بشكل متزايد للتوافق مع واشنطن في الوقت الذي تسعى فيه إلى مواجهة صعود الصين باعتبارها قوة تكنولوجية.
تتنافس الشركات للحصول على مليارات الدولارات في شكل منح أمريكية من خلال قانون الرقائق والعلوم البالغ 280 مليار دولار ولا تريد أن تتأثر بالقيود التي يفرضها البيت الأبيض المتشدد على نحو متزايد.
ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" هذا الشهر أن عملاقي أشباه الموصلات الكوريين "سامسونج إلكترونيكس" و"إس كيه هاينكس" يعيدان تقييم استثماراتهما في الصين استجابة لـ"حواجز الحماية" الواردة في التشريع التي تحظر على الشركات التي حصلت على التمويل الفيدرالي الأمريكي التوسع في الصين أو ترقية سعة الرقائق المتقدمة فيها لمدة عشرة أعوام.
كما يتعرض المنافسون، بما في ذلك "تي إس إم سي" التايوانية وشركتا "إنتل" و"ميكرون" الأمريكيتان لصناعة الرقائق التي لديها جميعا عمليات تصنيع في الصين، لضغوط لزيادة الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة بينما تجعل من الصعب على بكين الحصول على تكنولوجيا أشباه الموصلات المتقدمة.
من المرجح أن يتزايد الضغط مع محاولات الولايات المتحدة حشد حلفاء كوريا وتايوان واليابان خلف "تحالف رقائق فاب 4" المصمم لتنسيق السياسة بشأن البحث والتطوير والإعانات وسلاسل الإمداد.
صناع الرقائق الكوريون، الذين يمانعون تاريخيا الانحياز إلى أحد الأطراف في التنافس التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، عملوا بمنزلة رواد لتوجيه صناعة أشباه الموصلات العالمية.
عززت "سامسونج" و"إس كيه هاينكس" الاستثمارات في مرافق الإنتاج الأمريكية حتى مع استمرار تعرضهما الشديد للسوق الصينية. صدرت كوريا الجنوبية رقائق بقيمة 50 مليار دولار إلى الصين العام الماضي، بزيادة 26 في المائة عن 2020، وتمثل نحو 40 في المائة من إجمالي صادرات البلاد من الرقائق، وفقا لرابطة التجارة الدولية الكورية.
لكنهما تشتركان في الاعتماد شبه الكلي على عدد قليل من مصممي الرقائق الأمريكيين واليابانيين والأوروبيين وصناع المعدات للتكنولوجيا المطلوبة لإنتاج رقائق متقدمة، ما يمنح واشنطن نفوذا على ما وصفه ميلر بـ"نقاط الاختناق الرئيسة في عملية إنتاج أشباه الموصلات".
تشمل هذه الشركات مصممي الرقائق الأمريكيين "سينوبسيس" و"كادينس"، وشركة "مينتور جرافيكس" المملوكة لشركة سيمنز، وصانعي المعدات الأمريكيين "أبلايد ماتيريالز" و"لام ريسيرش" وشركة أيه إس إم إل في هولندا، التي تصنع أدوات الطباعة الحجرية فوق البنفسجية القصوى اللازمة لإنتاج رقائق ذاكرة درام المتطورة.
قال يو هان-كو، الذي شغل منصب وزير التجارة في كوريا الجنوبية حتى أيار (مايو) الماضي، "الصين لديها السوق، لكن الولايات المتحدة لديها التكنولوجيا. دون التكنولوجيا، لن يكون لديك منتج. دون سوق، يمكنك على الأقل إيجاد طريقة للتنويع وتحديد البدائل".
لا تقوم "سامسونج" ولا"إس كي هاينكس"، المتخصصتان في إنتاج شرائح الذاكرة، بتصنيع أشباه الموصلات الأكثر تقدما في الصين.
أعلنت شركة تصنيع أشباه الموصلات الدولية، وهي أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين، الشهر الماضي أنها بدأت في شحن أشباه الموصلات المتقدمة التي يبلغ طولها سبعة نانومتر. مع ذلك، قال محللون إنه دون الوصول إلى أكثر المعدات تطورا في العالم، ستكافح الشركة الدولة لتصنيع أشباه الموصلات لسد الفجوة مع "سامسونج" و"تي إس إم سي"، وهما من الموردين العالميين الرئيسين لرقائق بحجم خمسة نانومتر وأربعة نانومتر.
قال شخص مقرب من "تي إس إم سي"، التي تهيمن على السوق العالمية لرقائق المستخدمة في سبك المعادن، من غير المرجح أن يكون لمشروع القانون الأمريكي تأثير كبير لأن الحكومة التايوانية لديها بالفعل قيود على إنتاج رقائق متقدمة في الصين القارية.
لكن ديلان باتيل، كبير المحللين في شركة سيمي أناليسيز، قال إن حواجز الحماية الأمريكية بشأن ترقية أو توسيع عمليات الشركات الصينية سيظل لها تأثير.
قال باتيل إن "إس كيه هاينكس" و"سامسونج" من المحتمل أن تحافظا على استثماراتهما الحالية فقط. "نتيجة لذلك، من المرجح أن تنخفض حصة إنتاجهم في الصين بشكل كبير بمرور الوقت".
تكمن المعضلة التي تواجه صناع الرقائق الكوريين وغيرهم في كيفية ممارسة نشاطهم الأساس بعيدا عن الصين ومتجهين نحو الولايات المتحدة دون إثارة رد فعل عنيف من بكين، التي أصبحت صريحة بشكل متزايد في معارضتها لما يصفه المسؤولون الأمريكيون بأنه "دعم الأصدقاء".
"فك الارتباط مع مثل هذه السوق الكبيرة لا يختلف عن الانتحار التجاري"، هذا ما جاء في افتتاحية الشهر الماضي في "جلوبال تايمز"، صحيفة شعبية قومية صينية مملوكة للدولة. "الولايات المتحدة تسلم كوريا الجنوبية الآن سكينا وتجبرها على القيام بذلك".
مع ذلك، قال باتيل إن اعتماد الصين المستمر على الرقائق والتكنولوجيات من المجموعات الأجنبية يعني أن نفوذها كان محدودا. "تحتاج بكين إلى هذه الواردات من الرقائق من أجل صناعاتها التحويلية. ماذا سيفعلون، التوقف عن تصنيع الإلكترونيات في الصين؟".
قال إن واشنطن يمكن أن تزيد الضغط أكثر من خلال حظر تصدير معدات صناعة الرقائق المستخدمة في تصنيع رقائق ذاكرة ناند المتقدمة إلى المصانع الصينية، بما في ذلك التي تملكها شركات أجنبية. لدى كل من "سامسونج" و"إس كي هاينكس" مصانع رقائق ذاكرة ناند في الصين.
قال ديفيد هانكي، شريك في شركة أرينتفوكس شيف للمحاماة في واشنطن، الذي يقدم المشورة للشركات متعددة الجنسيات بشأن قضايا المنافسة في الصين، سيكون من الحكمة استجابة صناع الرقائق لروح قانون الرقائق وليس فقط نص التشريع نفسه.
قال هانكي، "سيتم التدقيق في مقدار مساهمة الشركة في التطور التكنولوجي في الصين"، مشيرا إلى أن المنح المقدمة لصناع الرقائق ستتم مراجعتها كل عامين من قبل وزارة التجارة الأمريكية.
"ستكون هناك مشكلة كبيرة تتعلق بالتصور العام للقرار لدى الشركات التي تخاطر بالتحايل على هذا التشريع".
أضاف أن الشركات يجب أن تدرس أيضا إمكانية أن تتخذ واشنطن منعطفا أكثر تشددا في المستقبل القريب. يميل الجمهوريون إلى استعادة السيطرة على مجلس النواب وربما على مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني (نوفمبر).
عندما يتعلق الأمر بالتحايل على اللوائح الأمريكية، فإن الصين تتحرك مثل الماء حول الصخور. لذلك ينبغي ألا يكون الأمر مفاجئا إذا بدأ الناس في المبنى الرئاسي بالقول في غضون عام أو عامين إن حواجز الحماية الحالية كانت ضعيفة للغاية".

الأكثر قراءة