انخفاض الأجور يفاقم معضلة المعيشة في المملكة المتحدة
أظهرت أرقام رسمية الأسبوع الماضي أن المستويات الحقيقية للأجور في المملكة المتحدة تراجعت بأسرع وتيرة منذ 20 عاما على الأقل في الربع الثاني من هذا العام، في بيانات لا تبعث الراحة بأن التضخم تحت السيطرة.
أظهرت بيانات من مكتب الإحصاءات الوطنية أنه في الأشهر الثلاثة حتى حزيران (يونيو)، انخفضت الأجور الحقيقية الرئيسة 3 في المائة، وهو أكبر انخفاض منذ بدء السجلات المماثلة في 2001. لكنها أظهرت أيضا أن الأجر الاسمي يرتفع بشكل أسرع من اعتقاد بنك إنجلترا أنه يتماشى مع هدف التضخم البالغ 2 في المائة.
جاءت بيانات الأجور من مكتب الإحصاء الوطني إلى جانب أرقام سوق العمل الأوسع نطاقا، والتي تظهر فقط علامات مبكرة على التباطؤ. البطالة لا تزال قريبة من أدنى مستوياتها في 50 عاما، مع مستويات عالية من الوظائف الشاغرة ومعدلات ثابتة للتوظيف.
تضاءل نمو الأجور العادية البالغ 4.7 في المائة أمام ارتفاع الأسعار بشكل أسرع. وبمقارنة تضخم أسعار المستهلكين، الذي ارتفع إلى أعلى مستوى في 40 عاما عند 9.4 في المائة في يونيو، كان الانخفاض في الأجور الحقيقية العادية أكثر حدة عند 4.1 في المائة.
تسلط الأرقام الضوء على الوضع المالي الصعب للأسر حتى قبل الزيادة الحادة في فاتورة الطاقة المتوقعة في أكتوبر. كما تظهر أن أزمة تكلفة المعيشة ستكون أكثر صعوبة بالنسبة إلى العاملين في القطاع العام، حيث ترتفع مستويات الأجور العادية بمعدل سنوي يبلغ 1.8 في المائة فقط، مقارنة بـ5.4 في المائة في القطاع الخاص.
قال صامويل تومبس، كبير الاقتصاديين في المملكة المتحدة في شركة بانثيون مايكروإيكونوميكس، إنه على الرغم من الضغط الحاد في الأجور الحقيقية، فإن الأجور لا تزال تنمو أسرع من المستوى الذي اعتقدت لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا أنه سيقلل التضخم إلى هدفه البالغ 2 في المائة. "نمو الأجور له زخم أكبر مما يمكن أن تتحمله لجنة السياسة النقدية".
من جانبها، قالت روث جريجوري، كبيرة الاقتصاديين في المملكة المتحدة في شركة كابيتال إيكونوميكس، "إنه بجميع المقاييس، لا تزال سوق العمل ضيقة بشكل استثنائي" وهذا من شأنه أن يضغط على بنك إنجلترا لرفع أسعار الفائدة بمقدار 0.5 نقطة مئوية أخرى في سبتمبر. "مع نمو الأجور أعلى بكثير من 3 إلى 3.5 في المائة، التي تتماشى مع هدف التضخم البالغ 2 في المائة، فإن ذلك يدعم وجهة نظرنا بأنه سيتعين على بنك إنجلترا رفع أسعار الفائدة أكثر مما يتوقعه معظم الناس إلى 3 في المائة".
على الرغم من أن بيانات الأجور من غير المرجح أن تجعل بنك إنجلترا يشكك في قراراته لتشديد السياسة النقدية، فإنها تشير إلى ضغوط شديدة على مستويات المعيشة للعاملين، وفقا لمؤسسة ريزوليوشن.
قال ناي كومينيتي، كبير الاقتصاديين في مؤسسة ريزوليوشن، إن الانخفاض في الأجور الحقيقية ربما كان أسوأ من أي وقت مضى منذ 1977. "لقد حدث هذا الضغط على الرغم من النمو القوي للأجور وسوق الوظائف النشطة، مع تعزيز تسويات الأجور بشكل طفيف"، كما قال.
في إشارة إلى أن المتقاعدين يشعرون بالضعف بشكل متزايد بشأن وضعهم المالي، أظهرت البيانات قفزة في عدد الذين يعودون إلى العمل أو يبقون فيه ممن تزيد أعمارهم على 65 عاما.
على الرغم من أن سن التقاعد الحكومي ارتفع إلى 66 في أكتوبر 2020، كان هناك ارتفاع مفاجئ بلغ 180 ألف شخص عامل أو متاح للعمل فوق سن 65 في الربع الثاني وحده - بزيادة قدرها 13.6 في المائة في الربع الأول. انخفض توظيف من تراوح أعمارهم بين 61 - 64 خلال الفترة نفسها.
قالت كيت سميث، رئيسة المعاشات التقاعدية في شركة التأمين الهولندية أيجون، إن الزيادة في القوى العاملة ممن تزيد أعمارهم على 65 عاما من المحتمل أن تكون ناجمة عن رغبة من هم في سن التقاعد في تخفيف الضغوط المالية.
"نحن نعلم بالفعل أن بعض الأفراد يسحبون من صندوق معاشاتهم التقاعدية أكثر مما كانوا يسحبون سابقا، حيث قال 31 في المائة ممن تجاوزت أعمارهم 55 عاما ممن شملهم استطلاع أيجون: إنهم فعلوا ذلك للمساعدة على تغطية ارتفاع تكاليف المعيشة"، حسبما أضافت.
قال مكتب الإحصاءات الوطني: إنه يبحث في الأسباب الكامنة وراء القفزة المفاجئة في التوظيف لمن هم فوق 65 عاما، لكن البيانات اجتازت اختبارات ضمان الجودة الأولية.
في الربع الثاني، أظهرت البيانات الأوسع نطاقا أن سوق العمل لا تزال ضيقة تاريخيا، لكن مع بعض العلامات المبكرة على التباطؤ.
زاد معدل البطالة 0.1 نقطة مئوية إلى 3.8 في المائة. وهذا أعلى بشكل طفيف من مستواه البالغ 3.7 في المائة في الربع الأول من العام، وهو أدنى معدل منذ أوائل السبعينيات.
انعكس هذا على معدلات التوظيف، التي أظهرت انخفاضا هامشيا إلى 75.5 في المائة، أي نقطة مئوية واحدة فقط دون مستوى الجائحة. هذا يظهر استمرار ارتفاع مستويات المرض والتقاعد المبكر في الذين تراوح أعمارهم بين 50 و64 عاما، وفقا لمكتب الإحصاء الوطني.
ظلت الوظائف الشاغرة "عالية جدا" عند 1.27 مليون، بحسب ألان مونكس من جيه بي مورجان، لكنها انخفضت للشهر الثالث على التوالي، ما دفعه إلى الاعتقاد بأن "سوق العمل لن تضيق أكثر من ذلك".
لكن بالنسبة إلى بنك إنجلترا، هذا لن يكون كافيا للاعتقاد بأن التضخم من المحتمل أن يعود إلى هدفه.
مع انخفاض معدل البطالة، لا يزال هناك شاغر واحد تقريبا لكل شخص تم تسجيله عاطلا عن العمل ويسعى إلى بدء العمل على الفور. هذا أعلى بكثير من مستويات ما قبل الجائحة.
قال كالوم بيكرينج، كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرج، إن البيانات لا تزال أقوى من أن يشعر بنك إنجلترا بالراحة، ومن المرجح أن يشدد البنك الضغط على الأسر بشكل أكبر عند اجتماعه التالي في سبتمبر.
كما توقع أن تبدأ الوظائف الشاغرة في التراجع هذا الخريف، بينما ترتفع البطالة - إلى ذروة تبلغ 5.3 في المائة في الربع الرابع من 2023.
"من المفترض أن يؤدي انخفاض الطلب على العمالة وزيادة العرض في سوق العمل معا إلى إضعاف ضغوط الأجور"، حسبما قال.
حذر المستشار نظيم الزهاوي من أن بيانات سوق العمل أظهرت "عدم وجود حلول سهلة" لضغوط تكلفة المعيشة التي تواجهها الدولة. "في حين أننا لا نستطيع حماية الجميع تماما من الصدمات الاقتصادية العالمية، فإننا نوجه هذا الدعم لملايين الأشخاص الأكثر ضعفا في مجتمعنا، ذوي الدخل المنخفض والمتقاعدين وذوي الاحتياجات الخاصة".