جلب النطاق العريض للجميع حلم دونه صعاب وعقبات
قد يندم إيلون ماسك على الانتقادات التي وجهها ضد الإعانات الحكومية للسيارات الكهربائية العام الماضي. في الأسبوع الماضي وافقت الجهات المنظمة للاتصالات في الولايات المتحدة على مبدأ انتقاداته وسحبت نحو 900 مليون دولار من الإعانات التي منحت لشركته لتشغيل الأقمار الصناعية، ستارلينك، لإيصال الإنترنت إلى 642 ألف موقع ريفي ناء.
حتى لو كان مبلغ الـ900 مليون دولار قطرة في بحر بالنسبة إلى رجل أعمال ملياردير مثل ماسك (تقدر لائحة فوربس صافي ثروته بـ270 مليار دولار)، فلا بد من أنها كانت ضربة موجعة.
لكن الأمر الأكثر إيلاما بالتأكيد هو أن لجنة الاتصالات الفيدرالية، خلال عكسها لمنحة في كانون الأول (ديسمبر) عام 2020، وصفت العروض المقدمة من شركة ستارلينك ـ وشركة أخرى مرشحة لتلقي الإعانة ـ بأنها "محفوفة بالمخاطر". كما شككت في قدرة ستارلينك على تقديم عرض موثوق به وبأسعار معقولة.
ألقى هذا القرار بسحابة من عدم الثقة، ليس فقط على ستارلينك التي قد تستأنف ضد القرار، لكن أيضا على كثيرين حول العالم ممن يعقدون الأمل على خدمة النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية، متطلعين إلى ربط 2.9 مليار شخص من مواطني العالم غير المتصلين بشبكة الإنترنت.
إذا كانت هناك أي شركة تبدو مجهزة لتقديم نطاق عريض عالي السرعة من مدار أرضي منخفض – حيث تكون حالات التأخير في إرسال البيانات أقصر كثيرا من تلك الناتجة عن الأقمار الصناعية الموجودة على ارتفاعات أعلى - فإن تلك الشركة هي ستارلينك.
الشركة، التي لم تستجب لطلب التعليق، تدعي بالفعل أن لديها أكثر من 400 ألف مستخدم، ونحو ثلاثة آلاف قمر صناعي. ويمكن لمركبتها الفضائية نقل صواريخ تطلقها الشركة الأم، سبيس إكس، التي تصنع أيضا الأقمار الصناعية داخل مرافقها.
لكن الخدمة لا تزال بعيدة عن التأهل لمستويات لجنة الاتصالات الفيدرالية السخية. فبعد اعترافها بأن "تكنولوجيا شركة ستارلينك لها مستقبل واعد"، أشارت رئيسة لجنة الاتصالات الفيدرالية، جيسيكا روزنوورسيل، إلى أن الوكالة لم تكن على استعداد "لتقديم إعانة مالية علنا للتكنولوجيا الخاصة بها والتي لا تزال قيد التطوير".
كانت هناك تلميحات إلى أن تغيير قرار لجنة الاتصالات الفيدرالية كان إما بدوافع سياسية وإما بسبب الضغط من صناعات الألياف والكابلات القوية سياسيا - تهمة تنكرها الوكالة. قال متحدث باسم لجنة الاتصالات الفيدرالية إنه لم يكن هناك تغيير في الاتجاه "بل بالأحرى (...) في الطريقة التي صممت بها هذه العملية" ـ كانت المنحة الأولية مؤقتة ومشروطة بإجراء مزيد من البحث والتقصي.
لكن التراجع لا يزال يمثل تحذيرا في الوقت المناسب لأمثال أمازون وون ويب وتيليسات وغيرها من الشركات التي تخطط لخدمات النطاق العريض في مدار أرضي منخفض، بأن الصناعة لا تزال بعيدة عن كونها تنافسية – سواء بالنسبة إلى مليارات من البشر ممن لا يزالون غير متصلين بالإنترنت، أو أولئك الذين يعيشون في مناطق مكتظة بالسكان.
بمجرد بناء الأبراج الخاصة بالخدمة يمكن أن توفر الاتصال بمناطق جديدة بشكل أسرع بكثير من مزودي الخدمات الأرضية التقليديين. لكن اقتصادات تقديم الخدمة من شبكات مئات أو آلاف الأقمار الصناعية ليست صديقة للمستهلك حتى الآن بسبب تعقيد الأنظمة.
إذا كانت 600 دولار تمثل مبلغا كبيرا بالنسبة إلى المستهلكين في بلد مثل الولايات المتحدة، فكيف سيتحملها مواطنو البلدان الأقل ثراء؟
تتطور التكنولوجيا على نحو سريع وستتحسن تكاليف المحطات وأداؤها على حد سواء. لكن مع فوز شبكات المدار الأرضي المنخفض بمشتركين جدد وزيادة متوسط الطلب على البيانات، فإنها ستتعرض أيضا لضغوط لإنفاق مزيد من المليارات على أقمار صناعية أفضل لمعالجة الاكتظاظ.
قالت كاريسا كريستنسن، الرئيسة التنفيذية لشركة برايس تيك الاستشارية: "يخطط مشغلو المدار الأرضي المنخفض لإنشاء أبراج أكبر للجيل التالي ويجب أن تتضمن هذه الأقمار الصناعية الجديدة التطورات التكنولوجية، وكلها تتطلب المزيد والمزيد من الاستثمار".
ناثان دي رويتر، من شركة يوروكونسلت الاستشارية، يرى أن "التحدي الذي يواجه الشركات هو أنها بحاجة لاستمرار تدفق الأموال للحفاظ على توسع الشبكة لتلبية متطلبات العملاء المتزايدة".
علاوة على ذلك، تشغيل ومراقبة هذه الأبراج الضخمة من الأقمار الصناعية باهظ التكلفة. قدر روجر روش، رئيس شركة تيل أسترا للاستشارات الفضائية، في مقال نشرته مجلة "سبيس نيوز"، أن أكبر الأبراج ستفوق الميزانيات الأولية "بضعفين أو أكثر".
سيتعين على أي حكومة تفكر في تقديم إعانات لمقدمي خدمات النطاق العريض في المدار الأرضي المنخفض أن تزن المفاضلة بين التكلفة والاستدامة لنموذج أعمال غير مثبت والوصول السريع إلى الإنترنت لمن يعانون نقص الخدمات.
إنه قرار صعب، وزادت من صعوبته حقيقة أن مقدمي الخدمات الأرضية التقليديين فشلوا في كثير من الأحيان في تقديم خدماتهم. لكن في معظم التكنولوجيات الناشئة، يلعب الدعم الحكومي دورا رئيسيا. ربما لا يكون ذلك في سياق برنامج لجنة الاتصالات الفيدرالية هذا. لكن إذا كان حلم جلب النطاق العريض للجميع، في كل مكان، سيتحقق، فمن غير المرجح أن يتحقق دون القبول بوجود بعض المخاطر.