تحول مفاجئ في مسار صناعة أشباه الموصلات
بعد التعامل مع الطلب المتزايد والنقص العالمي منذ بداية الجائحة، تواجه صناعة أشباه الموصلات انكماشا مفاجئا.
لكن حتى بالنسبة إلى صناعة اعتادت على فترات ركود دورية متكررة، فقد تحدى هذا الانكماش التحليلات السهلة وترك الباحثين يكافحون للتنبؤ بكيفية سير الانتكاسة.
لقد جاءت التخمة المفاجئة لرقائق الذاكرة ومعالجات الكمبيوتر وبعض أشباه الموصلات الأخرى في وقت لا تزال فيه الشركات المصنعة في كثير من أسواق السيارات والأسواق الصناعية تفتقر إلى إمدادات موثوقة من الرقائق.
كما أجبرت بعض أكبر صانعي الرقائق الأمريكيين على خفض مليارات الدولارات من الإنفاق الرأسمالي المخطط، في اللحظة نفسها التي أقرت فيها واشنطن قانونا طال انتظاره لدعم زيادة ضخمة في قدرة تصنيع الرقائق المحلية.
إن سرعة التحول والقوى المتضاربة المؤثرة كانتا غير مسبوقتين، حسبما قال دان هتشسون، الرئيس التنفيذي المخضرم لشركة في إل إس أي ريسيرتش الذي حلل دورات الرقائق منذ الثمانينيات.
أضاف، "لم أر وقتا كان لدينا فيه مخزون مفرط ونقص".
كان السبب المباشر هو التراكم السريع في المخزون في سلسلة توريد الرقائق منذ أوائل هذا العام. مقارنة بشباط (فبراير)، عندما كان هناك ما يكفي من الرقائق لدعم نحو 1.2 شهرا من الإنتاج، قفزت مستويات المخزون العالمي إلى 1.4 شهرا في حزيران (يونيو) ثم 1.7 شهرا في تموز (يوليو)، وفقا لـ"في إل إس آي".
كان انخفاض مبيعات أجهزة الكمبيوتر الشخصية وضعف الطلب على الهواتف الذكية من الأسباب الرئيسة، حيث قلل المستهلكون إنفاقهم. لكن مع تزايد المخاوف من حدوث تباطؤ اقتصادي، فإن مصنعي مجموعة واسعة من المعدات، الذين كانوا يبنون مخزونا لجعل أنفسهم أكثر مرونة في مواجهة ضغوط الإمداد، عكسوا اتجاههم. في الوقت نفسه، ليس من الواضح إلى أي مدى يعكس ضعف مبيعات الرقائق مشكلات سلسلة التوريد، بدلا من أي انخفاض في الطلب.
ارتدت مفاجأة التحول إلى القطاع منذ أواخر تموز، عندما فاجأت شركة إنتل وول ستريت بأنباء تفيد بأن الإيرادات في الربع الأخير قد تراجعت بمقدار 2.6 مليار دولار، أو 15 في المائة، أقل من التوقعات. ألقى الرئيس التنفيذي بات جيلسنجر باللوم في ذلك على ضبط المخزون الذي لا يحدث إلا مرة واحدة كل عقد، على الرغم من أن إنتل اعترفت أيضا بأخطاء ارتكبتها.
أعلنت إنفيديا، أكبر شركة مصنعة لوحدات معالجة الرسومات، المستخدمة في رسومات الفيديو وأنظمة التعلم الآلي، الأسبوع الماضي خسارة أكبر في الإيرادات، حيث انخفضت مبيعات رقائق الألعاب 44 في المائة عن الربع السابق. قالت شركة مايكرون، وهي واحدة من أكبر الشركات المصنعة لرقائق الذاكرة، إن التدفق النقدي الحر فيها من المرجح أن يتحول إلى السالب في الأشهر الثلاثة المقبلة، بعد أن بلغ متوسطه مليار دولار في الأرباع الأخيرة.
جميع أنحاء آسيا شعرت بالضغط. في أواخر الأسبوع الماضي، قال الرئيس التنفيذي لشركة صناعة رقائق أشباه الموصلات الصينية "إس إم أي سي"، إن الطلب تباطأ من صانعي الهواتف الذكية وغيرها من الإلكترونيات الاستهلاكية، مع توقف بعض الطلبات تماما. قبل شهر، قالت شركة "تي إس إم سي" التايوانية لصناعة رقائق أشباه الموصلات إنها تتوقع تصحيح المخزون الذي سيستمر حتى أواخر العام المقبل.
ترك الهبوط المفاجئ صانعي الرقائق في الولايات المتحدة يحاولون إدارة الانخفاض في اللحظة نفسها التي كانوا يمهدون فيها الطريق لزيادة ضخمة في الإنتاج بسبب الدعم الحكومي البالغ 52 مليار دولار من قانون الرقائق الذي أصبح نافذا هذا الشهر.
في اليوم نفسه الذي أقر فيه الكونجرس القانون، خفضت إنتل، التي من المتوقع أن تكون أكبر مستفيد من المنح الحكومية، أربعة مليارات دولار من خطط الإنفاق الرأسمالي لبقية هذا العام، على الرغم من أنها قالت إنها لا تزال ملتزمة بـ"أرباح قوية ومتنامية "لمساهميها.
في الوقت نفسه، اضطرت مايكرون، التي احتفلت بتوقيع الرئيس جو بايدن على التشريع الأسبوع الماضي بإعلان خططها لاستثمار 40 مليار دولار في الولايات المتحدة بحلول نهاية العقد بعد يوم واحد فقط، إلى القول إنها ستخفض إنفاقها الرأسمالي "تخفيضا هادفا" العام المقبل بسبب الانكماش.
في الوقت الحالي، يتوقع معظم خبراء سلسلة إمداد الرقائق تباطؤا طفيفا نسبيا، طالما يتجه الاقتصاد العالمي نحو هبوط سلس. لكن السرعة التي تحولت بها الأمور جعلتهم يتدافعون لفهم الديناميكيات المعقدة المؤثرة.
خفضت شركة جارتنر، التي كانت تتوقع أن ينخفض النمو في مبيعات الرقائق العالمية هذا العام إلى النصف من 26 في المائة في 2021، توقعاتها إلى 7 في المائة وتتوقع الآن انكماشا 2.5 في المائة في 2023 إلى 623 مليار دولار.
في الوقت الحالي، استقبلت وول ستريت الأخبار بهدوء. تراجع مؤشر فيلادلفيا لأشباه الموصلات، الذي يضم أكبر 30 شركة أمريكية تشارك في تصميم أشباه الموصلات وتصنيعها وبيعها، 40 في المائة تقريبا مع تصحيح سوق الأسهم هذا العام بعد ارتفاعه ثلاثة أضعاف في أعقاب هبوط سوق الأسهم بداية الجائحة. لكن منذ أوائل تموز، وعلى الرغم من تزايد الأدلة على تباطؤ الرقائق، انتعش المؤشر 24 في المائة.
الإثنين الماضي، ارتفعت أسهم إنفيديا مرة أخرى فوق المستوى الذي كانت تتداول به قبل خيبة الأمل في أرباحها، على الرغم من أنها كشفت عن عجز كبير في الإيرادات بلغ 17 في المائة مقارنة بالتوقعات السابقة.
لكن بعد ضغوط المخزون وسلسلة التوريد الشديدة خلال العامين الماضيين، فإن قلة من المحللين واثقين من قدرتهم على الحكم على الكيفية التي سينتقل بها التباطؤ الاقتصادي إلى الصناعة. لقد خابت الآمال في أن يكون التراجع مقتصرا إلى حد كبير على أسواق أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية.
في حين أن انهيار الطلب في سوق الألعاب كان السبب الرئيس لخيبة أمل أرباح إنفيديا، قالت شركة صناعة الرقائق الأمريكية إن مبيعاتها من رقائق مراكز البيانات ارتفعت 1 في المائة فقط عن الأشهر الثلاثة السابقة، مقارنة بتوقعات وول ستريت التي كانت أقرب إلى 10 في المائة. وألقت باللوم على نقص العرض بدلا من انخفاض الطلب، على الرغم من أن المؤشرات الأخرى، بما في ذلك الانخفاض في إنتل، غذت الشكوك بأن سوق الحوسبة السحابية المزدهرة قد تراجعت بسرعة.
في الأيام الأخيرة، اتسعت بوادر تقليص الإنفاق. قال مارك مورفي، المدير المالي لشركة مايكرون، الأسبوع الماضي إن العملاء الصناعيين وصانعي السيارات كانوا آخر من خفض مشتريات من الرقائق.
أضاف، "إنه تطور حديث جدا"، ما يجعل من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هؤلاء العملاء يقومون ببساطة بإجراء تعديل بعد تراكم المخزون السريع، أو ما إذا كانوا يستجيبون لانخفاض الطلب من عملائهم.
في كلتا الحالتين، وفقا لمورفي، النتيجة نفسها، "نرى علامات واضحة على الضعف في تلك الأسواق".