يجب ألا يهدر المنظمون أي دقيقة في ضمان الاستقرار المالي

يجب ألا يهدر المنظمون أي دقيقة في ضمان الاستقرار المالي

بعد نحو عقد على الأزمة المالية، تلاشى الحس الفردي بالهدف الذي أدى إلى نوبة من التدخلات التنظيمية.
أصبحت البنوك وشركات التأمين أكثر أمانا الآن لدرجة يبدو أن الجهات التنظيمية غير قلقة بشأن مرونتها حتى في الوقت الذي تقترب فيه البلدان، بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من الركود وتهدد الحرب الروسية - الأوكرانية بأضرار يصعب وصفها.
بالنسبة إلى الجهات التنظيمية المالية التي تحاول استرجاع أهمية وأدرينالين حقبة ما بعد الأزمة التي تميزت بالاندفاع، تعد العملات المشفرة والمناخ من الموضوعات المثيرة للحيرة. يقدم عرض العملات المشفرة الجامح للجهات التنظيمية فرصة لإنقاذ المستهلكين قليلي الحظ من الاحتيال والحماقة، مع حماية التكنولوجيا الأساسية التي يمكن أن تحسن حياتنا جميعا. ويوفر المناخ للجهات التنظيمية التطلعية، الفرصة لإنقاذ العالم حرفيا.
لكن هذين الأمرين اللذين حلا محل رأس المال في قلوب وعقول الجهات التنظيمية محفوفان بالصعوبات.
العملات المشفرة مجال لا يمكن لكثير من الجهات المنظمة المالية تجنب الانخراط فيه. هناك قواعد تحظر على معظم الأفراد وضع أموالهم في مختلف السندات والمنتجات المعقدة، ومن الصعب المجادلة بأن المنطق نفسه لا ينطبق على عروض العملات المشفرة المتقلبة.
كما أن هناك مشكلات تتعلق بمكافحة غسل الأموال يجب على معظم الجهات التنظيمية، وحكوماتها، معالجتها لجعل استخدام المجرمين والمتهربين من الضرائب والإرهابيين للعملات المشفرة أكثر صعوبة. هناك جهود لوضع معايير لاستخدام العملات المشفرة في عالم الأسواق الرئيسة.
التحدي الذي يواجه الجهات التنظيمية هو أن عالم العملات المشفرة يتحرك بسرعة كبيرة، بحيث يكاد يكون من المستحيل عليها مواكبته.
في أوروبا، لا يزال قانون تنظيم أسواق الأصول المشفرة "ميكا" في الاتحاد الأوروبي، الذي طال انتظاره، قيد الدراسة المفصلة، ولن يدخل حيز التنفيذ حتى 2024. تحث كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، المسؤولين سرا على عمل نسخة ثانية للوقوف على التطورات الأخيرة خارج نطاق ميكا، مثل المقتنيات الرقمية المعروفة باسم الرموز غير القابلة للاستبدال.
إن فعل شيء لكن ليس بمستوى كاف لمنع وقوع كارثة يخاطر بتعميم العملات المشفرة عبر إخفاء ما تبطن. يمكن أيضا تحميل الجهات التنظيمية المسؤولية عن انهيار العملات المشفرة التي لم تكن القواعد واسعة بما يكفي لمنعه.
يمثل تغير المناخ تحديات مختلفة. في مجال البنوك، أقصى ما يمكن أن تفعله الجهات التنظيمية لحماية البيئة هو ثني المقرضين عن دعم المشاريع غير الصديقة للبيئة وتشجيع دعم المشاريع الخضراء. لكن فاعلية هذا أبعد ما تكون عن الوضوح – فالبنوك ليست وحدها مصدر التمويل.
إحدى الأدوات التي ما زالت الجهات التنظيمية تستخدمها لتحفيز السلوك هي اختبار الإجهاد. يعد مفهوم اختبار الإجهاد، الذي تقدم في حقبة ما بعد الأزمة، بمنزلة طرح أسئلة "ماذا لو" التي تبحث في تأثير الأزمات المفترضة. تكمن مشكلة اختبارات الإجهاد المناخية في أن عدد السيناريوهات لا حصر له والجداول الزمنية تمتد لعقود، لذا فإن النتائج تعتمد كليا على المكان الذي يختاره واضعو السيناريوهات لإجراء اختباراتهم.
وجد البنك المركزي الأوروبي أخيرا أن 41 بنكا من أكبر البنوك في منطقة اليورو يمكن أن تقلل من تأثيرها في المناخ في المدى القصير بمقدار 70 مليار يورو. كان من الممكن أن يتوصلوا بسهولة إلى ما يصل إلى 170 مليار يورو.
أجرى بنك إنجلترا اختبارات إجهاد مناخية بافتراض أن البنوك لم تغير شيئا بشأن تكوين إقراضها لمدة ثلاثة عقود، مع ارتفاع مستوى البحار وارتفاع درجات الحرارة وتلاشي الصناعات، وهو افتراض منفصل تماما عن الواقع ما يسهل استبعاده.
مع وضع هذه القيود في الحسبان، أخبر خوسيه مانويل كامبا، رئيس الهيئة المصرفية الأوروبية، "فاينانشيال تايمز" أنه يجادل ضد النتائج الكمية في أولى اختبارات الإجهاد المناخية التي يجريها الاتحاد الأوروبي، لأن المنهجية لن تكون قوية.
يقول منظم سابق: إن وجهة نظر كامبا هي وجهة النظر الصحيحة، وليس فقط لمنع السخرية من نتائج اختبارات الإجهاد المناخية. يتمثل الخطر الأكبر في أن اختبار الإجهاد المناخي المعيب يمكن أن يقوض اختبارات الإجهاد العادية التي تجريها الهيئة المصرفية الأوروبية لطمأنة المستثمرين بشأن مرونة البنوك الأوروبية.
يرى المنظم السابق، إلى جانب أحد أقرانه من زمن الأزمة، خطرا أكثر أهمية. يتمثل هذا الخطر في تكلفة الفرصة – فكل دقيقة تهدر على أمور لا يمكن ولا ينبغي على الجهات التنظيمية القيام بأي شيء حيالها هي دقيقة تقضى في غير حاجتها الأساسية. يمكن أن تصبح تلك الدقائق المجتمعة مهمة إذا اتضح أن النظام المالي ليس آمنا بالقدر الذي تعتقده الجهات التنظيمية.

الأكثر قراءة