رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الرؤية والنمو .. كسر الأرقام

في عالم مضطرب تماما، اقتصاديا، واجتماعيا وسياسيا، تعد الحياة في دولة تنعم بالاستقرار السياسي، والازدهار الاقتصادي، والتوازن الاجتماعي، نعمة كبيرة من الله - جل وعلا، فالمملكة العربية السعودية في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، تتسنم مكانة دولية راقية، مع نمو في مؤشراتها الاقتصادية.
رؤية 2030 رسمت للعالم صورة واضحة عن التوجهات الاستثمارية للسعودية في الأعوام المقبلة، وحتى تاريخ استحقاق مستهدفات الرؤية، ولا يكاد يمضي شهر دون أن يكون هناك إعلان تدشين مرحلة من مراحل البرامج المختلفة، أو مشروع من مشاريعها، فالرؤية معلنة بشفافية، وبرامجها ومشاريعها واضحة للجميع، والدعوات للمشاركة، والاستثمار في المملكة، لم تتوقف يوما.
لكن مع كل هذا الاستقرار، فإن أهم ما تتمتع به السعودية اليوم هو الثقة العالمية في القرارات التي تتخذها القيادة، فقد أثبتت الأعوام منذ تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، والأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، أن جميع القرارات التي تم اتخاذها على الصعيد السياسي، والدبلوماسي، والاقتصادي، كانت صحيحة وفي المسار الذي يضمن للعالم النمو والسلام والازدهار.
ومضت القيادة في هذا الطريق مستعينة بالله ثم بما تراكم لديها من خبرات طويلة في كل المجالات، فتشكلت لوحة أنموذجية من الإصلاح في جميع القضايا، بدءا من الإصلاح الإداري ضمن برنامج التحول الوطني، الذي تحول إلى برنامج للاستدامة بعد أن حقق أهدافه المرحلية، ثم الإصلاح التشريعي الشامل، الذي تضمن جميع الأنظمة من أجل بناء قاعدة قانونية لمكافحة الفساد، وضمان وصول الحق إلى أهله، ومن ذلك نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، ونظام الإفلاس، والشركات، ثم الأنظمة الأربعة التي أعلنها ولي العهد وصدر منها حتى الآن نظام الإثبات، الأحوال الشخصية، ووافق مجلس الشورى على نظام المعاملات المدنية.
وجاءت هذه الجهود الإصلاحية لتشمل أيضا إصلاح المالية العامة باستحداث ضريبة القيمة المضافة لتعزيز الدخل العام، وضريبة التصرفات العقارية، وكذلك تم ضبط الإنفاق العام من خلال هيئة مستقلة لذلك، وتنمية الإيرادات غير النفطية بمبادرات يشرف عليها مركز مختص. هذه الجهود الجبارة التي تمت خلال أعوام معدودة، تعد بكل المقاييس معجزة إدارية، فما بذلته دول متقدمة أخرى في عقود طويلة من العمل تم في المملكة العربية السعودبة في أعوام معدودة.
واليوم مع تعرض العالم لأزمات متنوعة بين نزاعات عسكرية وحصار وتوقف سلاسل الإمداد العالمية، وأزمات صحية متعاقبة تهدد النمو العالمي في ظل أزمة اقتصادية تمثلت في تضخم قياسي، مع تشديد نقدي، ورفع أسعار الفائدة بما يهدد الاقتصاد العالمي كله ويعيده للركود، في كل هذا الاضطراب تقف السعودية واقتصادها بشموخ في قمة الاقتصاد العالمي بنمو يبلغ 7.6 في المائة كأعلى نسبة نمو بين جميع اقتصادات العالم التي تشمل "الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية"، وذلك وفق توقعات صندوق النقد الدولي، في تقريره السنوي "آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2022".
لم تأت هذه التصنيفات الدورية، التي تصدر من المنظمات الدولية المختصة من فترة لأخرى في تقييم أداء المؤشرات الاقتصادية لدول العالم، ومنها الاقتصاد السعودي، من فراغ، إنما جاءت نتيجة أرقام وإحصاءات بيانية موثقة ومبينة على أسس سليمة، ولغة الأرقام دائما هي البرهان والدليل الواضح لأي إنجاز. إن ما صدر من مؤشرات إيجابية عن الاقتصادي السعودي أخيرا، يعكس مدى تطور النمو المتسارع داخله، حيث شهد هذا الاقتصاد خلال عصره الحديث قفزات نوعية على مستوى عدد كبير من القطاعات، مستغلا بذلك الموارد الطبيعية، ما نتج عن ذلك بناء قاعدة اقتصادية متينة، حيث أصبح ضمن أكبر 20 اقتصادا عالميا وعضوا فاعلا ونشطا في مجموعة العشرين، وأحد اللاعبين الرئيسين في الاقتصاد العالمي وأسواق النفط العالمية، مدعوما بنظام مالي قوي وقطاع مصرفي فاعل ومستقر، وشركات حكومية عملاقة تعتمد على كوادر وطنية ذات تأهيل عال.
ولم يكن صندوق النقد الدولي متفائلا بشأن الاقتصاد العالمي من حيث خفض توقعاته لأدائه خلال العام الجاري وعام 2023، ويرى أن هناك هبوطا حادا في كل من روسيا، والصين، وتراجع مستويات الإنفاق في الولايات المتحدة. ولم يخف تقرير الصندوق الدولي نظرته القاتمة والضبابية بسبب استمرار الأزمة الروسية - الأوكرانية وتوسع تداعياتها واستمرار إجراءات تشديد السياسات النقدية في أوروبا، وإجراءات الإغلاق العام نتيجة موجات التفشي الجديدة لـ"كوفيد - 19".
ومن مبادئ إعداد التقارير الاقتصادية، الحيطة والحذر عند بناء التنبؤات، خاصة إذا كانت هذه التنبؤات صادرة من مؤسسة دولية ذات اعتبار، ذلك أن مثل هذه التنبؤات تؤثر بوضوح في اتجاهات الاستثمارات العالمية وتدفقات النقد الأجنبية، فتقديرات الصندوق للوضع الاقتصادي السعودي تأتي في ظل هذا المبدأ، لتؤكد أن الآفاق الاقتصادية للمملكة إيجابية على المديين القريب والمتوسط، مع استمرار انتعاش معدلات النمو الاقتصادي، واحتواء التضخم، إضافة إلى تزايد قوة مركزها الاقتصادي الخارجي، وتوقع ارتفاع النمو غير النفطي إلى 4.2 في المائة، وزيادة فائض الحساب الجاري إلى 17.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك احتواء التضخم الكلي عند 2.8 في المائة في المتوسط. وسبق أن أكد خبراء صندوق النقد الدولي أن هذا المركز الاقتصادي المتين جاء نتيجة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي ضمنت تحقيق انتعاش قوي وشامل وصديق للبيئة.
إن هذه المتانة الاقتصادية الكبيرة، والمكانة العالمية التي حققتها السعودية وهي تقود النمو الاقتصادي العالمي، تؤكد أن مشاريع الرؤية قد حققت مستهدفاتها وكسرت أرقامها حتى قبل موعد استحقاقها الفعلي وفق الخطط المرسومة، وهو ما يدفع نحو مزيد من العمل للاستفادة من الإمكانات الراهنة، وتحقيق قفزات اقتصادية تاريخية مذهلة في الأعوام المقبلة.
ومن كل هذه العوامل المرتكزة على أرضية ثابتة، أصبح الاقتصاد السعودي ذا أركان قوية صلبة ثابتة، لذلك تحققت مؤشرات النمو المطلوبة والمستهدفة، ويتوقع أن يشهد الاقتصاد المحلي خلال الأعوام المقبلة تزايدا ملحوظا في معدلات النمو الاقتصادي، حيث ستواصل الدولة تنفيذ مشاريعها التنموية الكبرى واستكمال تنفيذ برامج تحقيق الرؤية، والعمل على إيجاد قطاعات جديدة واعدة، وتمكين القطاع الخاص من الإسهام بصورة أكبر في النمو الاقتصادي بما يدعم صنع فرص عمل جديدة للمواطنين، وتعزيز الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي