مؤشرات النمو بممكنات الرؤية
عكست المؤشرات الدولية التي تصدر من جهات معتمدة ما يحدثه ويسجله الاقتصاد السعودي من تحولات جذرية ونتائج ملموسة خلال الفترة الماضية، عقب الإصلاحات التي تم تطبيقها من خلال خطط وبرامج رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي جذبت بإنجازاتها كثيرا من إشادات المنظمات الدولية التي تصدر تصنيفات دورية عن مؤشرات اقتصادات دول العالم.
ورغم تحديات النمو الاقتصادي التي فرضتها تداعيات جائحة كوفيد - 19، وما تبعها من أحداث جيوسياسية ونقص في الإمدادات العالمية، وكذلك موجة من التضخم اجتاحت عددا من دول العالم بمعدلات مرتفعة ووصفت بالتضخم التراكمي المتسارع، إلا أن وتيرة نمو الاقتصاد السعودي ظلت مستمرة بوضوح وثبات.
وقد انطلقت رؤية 2030 عام 2016، من أجل بناء مجتمع حيوي اقتصاده مستدام مزدهر في وطن طموح، وتضمنت ستة أهداف عامة، من بينها تنمية وتنويع الاقتصاد وتعزيز فاعلية الحكومة، وقد بذلت السعودية بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبإشراف مباشر من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، جهودا كبيرة من خلال برامج الرؤية التي سجلت نجاحات واسعة في المرحلة الأولى، وحققت عددا من المستهدفات، بل تجاوزت الأرقام المستهدفة، خاصة في مجال الإسكان، وبرنامج صندوق الاستثمارات العامة. كما استطاعت المملكة التغلب على تداعيات أزمة كورونا، والعودة إلى مسار النمو الاقتصادي، مع صول اللقاحات إلى مستويات عالية.
ونما الاقتصاد السعودي في الربع الأول من هذا العام الجاري 9.6 في المائة، ويعد النمو الأفضل خلال نحو 11 عاما، أي: منذ النمو البالغ 13.6 في المائة خلال الربع الثالث من 2011، وهذا النمو المسجل في الربع الأول 2022 يعد رابع نمو فصلي بعد سبعة فصول من التراجع لتفشي فيروس كورونا، فيما نما القطاع غير النفطي 3.7 في المائة، وارتفع القطاع الحكومي 2.4 في المائة.
هذه النتائج الإيجابية للاقتصاد السعودي أكدتها وكالات التصنيف الدولية وأحدثها تقرير "موديز" السنوي الائتماني المفصل عن المملكة الذي توقع نمو الاقتصاد السعودي بمعدل متوسط يبلغ نحو 3.9 في المائة خلال الأعوام من 2022 إلى 2026، فيما حدثت تقريرها الائتماني للمملكة خلال يونيو 2022 عند A1 مع نظرة مستقبلية مستقرة نظير استمرار الحكومة في ضبط الأوضاع المالية العامة، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، فضلا عن جهودها الواضحة نحو الاستدامة المالية على المدى الطويل.
تقرير الوكالة بشأن التصنيف الائتماني لم يقدم جديدا، فالعالم يدرك متانة الاقتصاد السعودي وممكناته، كما أن تصنيف وكالة "موديز" يؤكد تقرير وكالة "فيتش" في تقريرها الائتماني الأخير عن السعودية وتصنيفها عند A مع تعديل النظرة المستقبلية من مستقرة إلى إيجابية، لكن ما يميز التقرير الأخير مناقشة العوامل لهذا النمو القوي الذي حققته المملكة، ويثبت أن رؤية 2030 وبرامجها كانت هي المحرك الأساس لهذا الوضع المستقر، وليس مجرد ارتفاع أسعار النفط.
تقرير المؤسسة الدولية أشار إلى أن استمرار مشاريع التنوع الاقتصادي، ووصولها بفاعلية إلى مراحل التنفيذ والبناء مكن السعودية من تحقيق هذا الوضع الاقتصادي الآمن في ظل اضطرابات عالية واسعة النطاق، والكل يدرك أن هذا التنوع الاقتصادي هو من مستهدفات الرؤية، ما يؤكد أنها قد حققت عديدا من مستهدفاتها حتى قبل مواعيد استحقاقها الفعلية.
ومن أهم تلك الأدوات التي أسهمت في تحقيق هذا الإنجاز الاقتصادي، ضمان الضبط المالي من خلال مبادرات كفاءة الإنفاق التي أشاد بها التقرير الدولي رغم ارتفاع عوائد النفط، وتحقيق الميزانية السعودية في الربع الأول من 2022 فائضا تجاوز 57 مليار ريال، ويعد بذلك أعلى فائض فصلي منذ أن بدأت في 2016، أي قبل نحو ستة أعوام، فالمالية السعودية حافظت على مستويات عالية من الانضباط ولم تقدها هذه الفوائض للخروج عن هذا المسار، وقد حققت المملكة من ذلك التوجه قوة كبيرة في ميزانيتها العامة، وحافظت أيضا على مستويات دين معتدلة مع مخزون احتياطي مالي ضخم، وهذه الملاحظة جديرة بالاهتمام، نظرا إلى ما يشهده العالم من ارتفاع في أسعار الفائدة العالمية، ما يجعل من الصعوبة بمكان الاستفادة من التمويل الخارجي، كما أن رفع أسعار الفائدة الأمريكية قد يضر بالعملة المحلية إذا لم يكن هناك مثل هذا الاحتياطي الكبير من النقد.
المالية العامة استطاعت الاستفادة بشكل قوي ومناسب من التمويل الخارجي عندما كانت تواجه مستويات عجز مرتفعة نوعا ما، مع انطلاق برامج الرؤية والتحول الوطني، ولقد اتخذت المالية مثل هذا القرار في حينه بدلا من استخدام الاحتياطيات المالية للاستفادة من الفائدة التي بلغت معدلات صفرية حينها، وعندما عادت أسعار الفائدة للارتفاع اليوم كانت المملكة تمتلك احتياطيات كبيرة مع فائض مالي مريح جدا، وهو ما يجعل الاقتصاد السعودي بعيدا عن تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، إلى جانب تعزيز التصنيف الائتماني كما يحدث اليوم.
ونلاحظ أن تقرير الوكالة أكد تحقيق مستهدفات الرؤية بشأن سلامة التدابير والإصلاحات الهيكلية الاقتصادية والقانونية والاجتماعية التي تنفذها الحكومة لتحسين بيئة الأعمال، ومن ذلك صدور عدة أنظمة مهمة، من بينها: أنظمة الشركات، والإفلاس، والمشتريات والمنافسات الحكومية، وكذلك أنظمة الأحوال الشخصية والمعاملات المدنية، وغيرها كثير، وهي ما أسهمت بوضوح في زيادة نمو استثمارات القطاع الخاص.
إضافة إلى ذلك كله، مكنت الجهود المثمرة لتحقيق مستويات حوكمة عالية في الجهات الحكومية من إدارة المخاطر بشكل ساعد على إدارتها، والتخفيف من آثارها، ولا شك أن دولة تتمتع بكل هذه المزايا الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، فإنها محل تطلع لجميع المستثمرين العالميين، وينعكس بصورة إيجابية على نمو سوق المال السعودية في مقبل الأيام، في الوقت الذي يشهد فيه العالم عديدا من المشاريع السياحية، والثقافية، والاقتصادية العملاقة، ما يجعل المملكة تتصدر المشهد الاقتصادي العالمي في مجالات عدة. التصنيفات الإيجابية الدولية للاقتصاد السعودي تعكس قوته، ومتانته، وثباته، ونجاح الإصلاحات التي تمت فيه.