«البريكس» .. التوسع هدف المرحلة إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي وبنك التنمية رأس الحربة

«البريكس» .. التوسع هدف المرحلة إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي وبنك التنمية رأس الحربة
«البريكس» .. التوسع هدف المرحلة إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي وبنك التنمية رأس الحربة

30 في المائة من مساحة المعمورة، و40 في المائة من سكان الكرة الأرضية بما يزيد على ثلاثة مليارات نسمة، و26 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي بنحو 27.5 تريليون دولار، و18 في المائة من التجارة الدولية، 25 في المائة من الاستثمارات الأجنبية، هذا غيض من فيض من مؤشرات القوة التي تمتلكها مجموعة البريكس (BRICS)، التي تضم: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، التي أعلن عنها رسميا في 16 حزيران (يونيو) 2009، وعقدت قبل نحو أسبوع قمتها الـ14 واستضافتها الصين.
مؤشرات القوة التي تتمتع بها مجموعة البريكس لم تشفع لها لدى وسائل الإعلام الغربية التي تجاهلت قمتها الأخيرة بوضوح، فلم تمنحها التغطية الإعلامية الواجبة أو الاهتمام اللائق باجتماع لقادة 40 في المائة من سكان الكوكب.
ربما لا يضيف اهتمام أو عدم اهتمام الإعلام الغربي كثيرا للقمة ومخرجاتها السياسية والاقتصادية المستقبلية، فمؤشرات القوة الاقتصادية ومشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القمة تجعلان أغلب الظن يشير إلى أن معظم القادة الدوليين رفع لهم ضمن ما يرفع لهم من تقارير يومية، ما يتناول القمة ويفصح عن تداعياتها المستقبلية خاصة، أن توسع المجموعة بات واحدا من أهدافها الرئيسة في المرحلة المقبلة، بما يتضمنه ذلك من احتمال انضمام بعض من أبرز الاقتصادات العالمية الناشئة إلى المجموعة، ما يزيدها قوة وأهمية.
كان الاسم الأول للمجموعة عند نشأتها مجموعة البريك (BRIC)، إذ كانت تضم أربع دول فقط لا غير، ولم تكن جنوب إفريقيا قد نالت عضويتها بعد، إذ تشكلت المجموعة من دول تنتمي للاقتصادات الناشئة، لكنها اقتصادات تتميز بإمكانياتها الديمغرافية والاقتصادية.
وتعود القصة إلى 2001 عندما صاغ جيم أونيل الخبير الاقتصادي في بنك جولدمان ساكس مصطلح "بريك"، مشيرا إلى أنه بحلول 2050 ستهيمن تلك الاقتصادات الأربعة على الاقتصاد العالمي، وتحولت الفكرة إلى كيان واقعي 2009، وبعد عام واحد وتحديدا في كانون الأول (ديسمبر) 2010 انضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة ليتحول اسمها بذلك إلى مجموعة "بريكس".
لا شك أن القمة الأخيرة للمجموعة تأتي في أوقات عالمية عصيبة، أقل ما يمكن أن توصف به أنها غير معتادة ولا تنسجم مع النسق العام السائد للعلاقات الدولية، فالصراع متفاقم بين روسيا من جانب والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا من جانب آخر، والتصريحات المباشرة والصريحة من القادة الأوروبيين والأمريكيين بأن الصين تهدد القيم والمصالح الغربية، خرجت من الغرف المغلقة والتلميحات الدبلوماسية إلى نطاق العلن والتكرار.
ومن ثم انعكست تلك الخلافات على العلاقات الثنائية بين دول المجموعة من جانب والبلدان الغربية من جانب آخر، وطرحت تلك الانعكاسات وتداعياتها عديدا من الأسئلة حول آفاق التعاون داخل المجموعة، وبين المجموعة والقوى الدولية وبينها وبين غيرها من الاقتصادات الناشئة، وإلى أي مدى ستسفر جهود قادة دول بريكس والرغبة في توسيع مجموعاتهم واستقطاب مزيد من الأعضاء الجدد عن نجاح يحمل معنى للقيمة الاقتصادية التي تتمتع بها كمنظمة عالمية؟
من وجهة نظر البروفسير ال. جي. جيمس أستاذ الاقتصاد الدولي، تتطلب الإجابة عن تلك الأسئلة وتحديدا آفاق التعاون المستقبلي بين أقطارها النظر إلى تطور سبل التعاون بينها منذ أرسيت القواعد الأولى لها.
وقال لـ"الاقتصادية": إنه "يمكن الفصل بين مرحلتين من التعاون الداخلي بين البلدان الأعضاء، وهو التعاون منذ الإنشاء 2009 إلى 2014، في تلك المرحلة هيمن التعاون القطاعي على عديد من المجالات مثل: العلوم والتكنولوجيا وتعزيز التجارة وتسهيلها والطاقة والصحة والتعليم ومكافحة الجريمة العابرة للحدود، ومثل التعاون القطاعي نحو 30 مجالا، لكن هذا التعاون عاد بفوائد محدودة على سكان مجموعة البريكس".
وأضاف أنه في 2014، انعقدت القمة الـ11 في البرازيل، ودشنت المرحلة الثانية والأكثر فاعلية وحيوية في مجال التفاعل البيني والدولي في آن واحد، فقد وضع الأسس لمؤسسات ذات أهمية استراتيجية مثل بنك التنمية الجديد، وتم ترتيب الاحتياطي الطارئ، تلك المؤسسات المستحدثة لم يكن لها تأثير في اقتصاد دول البريكس وحسب، بل تجاوز الأثر التفاعل الداخلي إلى المحيط الدولي خاصة الاقتصادات الناشئة، فالمبادرتان أسهمتا بشكل كبير في تسريع عملية النمو الاقتصادي في البلدان الأعضاء، وأوجدتا جاذبية لعملية التوسع المستقبلي، بضم أعضاء جدد، ومن ثم زيادة تأثير المجموعة في الفضاء الاقتصادي العالمي.
وبالفعل ففي الأعوام الخمسة الماضية وافق بنك التنمية الجديد على 70 مشروع للبنية التحتية والتنمية المستدامة بقيمة تتجاوز 25 مليار دولار أمريكي، ومن بينها القروض الممنوحة في إطار برنامج المساعدة الطارئة التابع لبنك التنمية، وقد شكلت نجاحات المرحلة الثانية من التعاون دافعا إلى المضي قدما في هذا الاتجاه.
هذا التطور التاريخي لطبيعة التعاون الداخلي في المجموعة وتأثيره في علاقاتها الخارجية يتيح من وجهة نظر نفيديتا كابور الباحثة في مجال التعاون الدولي، فهم آفاق التعاون المستقبلي للمجموعة، سواء تعلق الأمر بأقطارها أو البلدان الأخرى وتحديدا الاقتصادات الناشئة.
وقالت لـ"الاقتصادية": إن "جائحة كورونا وما تلاها من صراع عنيف في أوكرانيا تسببت في بوادر أزمة اقتصادية عالمية تلوح في الأفق حاليا، من مظاهرها اضطراب سلاسل التوريد، وعدم تطابق العرض والطلب، ونقص المعروض من السلع الغذائية والطاقة، وارتفاع الضغوط التضخمية، وتشديد السياسات النقدية، وإذا أخذنا في الحسبان أن اثنين من البلدان المؤسسين، وأعني روسيا والصين في حالة اصطدام بين مع الاقتصادات الغربية، فإن هذا يدفعنا إلى توقع أن تشهد المجموعة مزيدا من سبل التعاون الاقتصادي بين بلدانها، ومزيد من التضامن لتحقيق الاستقرار المالي، والتنمية المستدامة".
وأضافت "على الرغم من أن الدول الأعضاء ستحافظ على المعايير الوطنية، لأن أشكال التعاون الداخلي لم ترق بعد لتجاوزها، إلا أننا سنشهد مزيدا من التعاون في المجال الاستثماري للبنية التحتية بين القطاعين العام والخاص، مع استفادة من القطاع الخاص لمعالجة فجوات البنية التحتية وتوسيع أصولها".
ويعتقد عديد من الخبراء أن المجموعة ستعمل مستقبلا على تعزيز النفوذ الدولي لبنك التنمية الجديد، ليلعب رأس حربة المجموعة، وجسر الربط بينها وبين الأعضاء الجدد، على أمل أن يتحول إلى صوت الأسواق الناشئة والبلدان النامية.
من المتوقع أن يؤدي النمو الاقتصادي السريع والتركيبة السكانية للصين والهند إلى تنامي الطبقة المتوسطة بشكل كبير، ومن شأن ذلك أن يساعد على تعزيز الاستهلاك المحلي ودفع عجلة التنمية الاقتصادية، وسيزداد عدد سكان الطبقة المتوسطة في دول المجموعة إلى أكثر من ضعف نظيرتها في اقتصادات مجموعة السبع، ويتواكب ذلك مع الزيادة الهائلة في استثمارات البحوث العلمية والمنشورات العلمية في الصين والهند والبرازيل، ما رفع حصة البلدان الثلاثة من الإنفاق العالمي على البحث والتطوير إلى 24 في المائة.
في هذا السياق، أوضح لـ"الاقتصادية" تي جيمس آدلي الاستشاري الاقتصادي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن "القمة الـ14 لمجموعة البريكس تكتسب أهمية خاصة بسبب الحرب الأوكرانية، فقد أوجدت الأزمة الأوكرانية معضلة لدول المجموعة التي تجنبت إدانة روسيا، لكنها ليست مسرورة بالأزمة الاقتصادية الناجمة عن الصراع، لأن تلك الازمة يمكن أن يكون لها تأثير مدمر في استقرارها الاقتصادي، كما أن القمة وعبر مشاركة الرئيس بوتين تطرح مؤشرا أن الرئيس الروسي ليس منبوذا من الجميع ومن دول لها ثقل عالمي".
ويستدرك قائلا: "في الأغلب ستعمل البلدان الأعضاء وكذلك الدول التي ستنضم للمجموعة لاحقا على نقل التعاون الاقتصادي بينها إلى مستوى أعلى مستقبلا، مستفيدة من ضخامة الأسواق الداخلية لدول المجموعة وكذلك تنامي قدرتها التكنولوجية".
وفي الواقع، فإن توسع المجموعة وضم مزيد من الدول الأعضاء كان بندا رئيسا في جدول أعمال القمة الأخيرة، فاستمرار المجموعة لأعوام دون ضم مزيد من الأعضاء الجدد، ربما يفقدها التعاطف الذي تحظى به من قبل عديد من الاقتصادات الناشئة بعدها مجموعة دولية يمكن أن تعبر عنهم في ظل الشعور السائد بغياب العدالة والمساواة في النظام الاقتصادي الدولي.
وبين لـ"الاقتصادية" سيمونز بيرسون الرئيس السابق لمجموعة التنمية الدولية في الأمم المتحدة، "لا يرفض الأعضاء فكرة التوسع من حيث المبدأ، الا أنهم أكثر حذرا في مناهجهم، ولم يحددوا بعد بشكل نهائي الشروط التي من شأنها أن تدعم دخول أعضاء جدد، وستكون هناك حاجة إلى توافق في الآراء بشأن الإجراءات لتسهيل انضمام أعضاء جدد، كما أن نيجيريا وكازاخستان والأرجنتين والمكسيك وإندونيسيا مرشحين محتملين".

الأكثر قراءة