أسواق السندات تحتل موقع الصدارة في تعاملات أسواق المال العالمية
احتلت أسواق السندات الحكومية موقع الصدارة في تعاملات أسواق المال العالمية الأسبوع الماضي، مع استمرار الشعور بالقلق حول المستويات المتضخمة للإصدارات، الذي دفع بالعوائد على السندات الحكومية القياسية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان إلى الارتفاع إلى أعلى مستوى لها خلال ستة أشهر.
من جانب آخر، فإن المخاوف من التضخم أسهمت هي كذلك في إشعال فتيل عمليات البيع المكثفة للسندات، وقفز سعر برميل النفط إلى ما فوق 66 دولاراً، وتراجَع الدولار، ما عمق من التوقعات بارتفاع معدلات الشراء من السلع. وتحركت الأسهم العالمية إلى الأعلى على نحو معتدل، حيث تمكنت من تحقيق ثلاثة أشهر متواصلة من المكاسب للمرة الأولى منذ بداية الأزمة الائتمانية، رغم أن المؤشرات الأمريكية والأوروبية أخفقت في إعادة اختبار المعدلات العالية لعام 2009 التي سجلتها في بداية شهر أيار (مايو).
وقال كاماكشايا تريفيدي، من بنك جولدمان ساكس: "عمليات البيع المكثفة بصورة حادة في السندات الحكومية في الأسبوعين السابقين، والتوقف في الزخم الإيجابي في أسواق الأسهم في البلدان المتقدمة، هما فقط اللذين أحدثا حركة في رقصة الاقتصاد الكلي التي تشتمل على آفاق النمو والمخاوف من التضخم وأسعار الفائدة".
وتركزت الأنظار بصورة حادة على قضية إصدار السندات هذا الأسبوع حين عرضت وزارة المالية الأمريكية للمزاد سندات جديدة بقيمة 101 مليار دولار، وهو جزء من الإصدار الجديد المتوقع بقيمة ألفي مليار دولار في هذه السنة المالية بهدف تمويل العجز في الموازنة الأمريكية. وقفز العائد على السندات الحكومية الأمريكية لآجل عشر سنوات بحيث وصل إلى 3.75 في المائة قبل أن يتراجع قليلاً إلى 3.59 في المائة يوم الجمعة، أي بارتفاع مقداره 14 نقطة أساس على مدى الأسبوع.
وارتفع العائد على سندات الخزانة الألمانية لآجل عشر سنوات إلى رقم عال هو 3.69 في المائة قبل أن يتراجع إلى 3.59 في المائة يوم الجمعة، أي بارتفاع مقداره نقطة أساس واحدة فقط على مدى الأسبوع، بعد أن أظهرت البيانات الاقتصادية أن معدل تضخم الأسعار الاستهلاكية في منطقة اليورو انخفض في شهر أيار (مايو) إلى الصفر للمرة الأولى في التاريخ.
وخلال الأسبوعين السابقين ارتفع العائد على السندات الأمريكية لآجل عشر سنوات بمقدار نصف نقطة مئوية تقريباً، وقد ارتفع أكثر من 100 نقطة أساس منذ أن أعلن البنك المركزي الأمريكي في منتصف آذار (مارس) أنه سيشتري 300 مليار دولار من سندات الخزانة طويلة الأجل.
كذلك فإن الارتفاع في عوائد السندات دفع بأسعار الفائدة الثابتة على القروض السكنية لفترة 30 سنة إلى ما فوق 5 في المائة، ما أثار التكهنات بأن البنك المركزي ربما يزيد من عمليات شرائه لسندات الخزانة.
وحذر دين ماكي، وهو اقتصادي لدى بنك باركليز كابيتال، من أن هذا القرار يحمل في طياته بعض المخاطر. وقال: "ربما يعمل على زيادة المخاوف من أن قرارات البنك المركزي ستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم مع الزمن. إضافة إلى ذلك، كلما دفع البنك بأسعار الفائدة في السوق بعيداً عن النقطة التي ستميل إليها بصورة طبيعية، ازداد مقدار التكيف اللازم حين يقرر أن يدع أسعار الفائدة في السوق هي المهيمنة".
وقال مايك لينهوف، كبير المحللين الاستراتيجيين للسوق في شركة برُووِن دولفين للأوراق المالية: "ربما تحاول أسواق السندات إخبارنا بأن نتوقع التضخم، ولكن الأهم من ذلك على ما أرى هو أنها تقول لنا إن صانعي السياسة في مختلف أنحاء العالم سينجحون في جهودهم لإعادة توسيع عرض النقود في الاقتصاد العالمي. "الاتجاه العام للعوائد على سندات الشركات هو الهبوط إلى الأدنى، والعوائد على سندات الخزانة هي الحركة إلى الأعلى، ما يعني ضمناً تقلص المبالغ المدفوعة للتأمين ضد المخاطر، وهو بالضبط ما يمكن أن نتوقعه إذا كانت الأسواق تعول على التعافي".
لكن كان هناك عدد محدود من العلامات على التعافي من البيانات الاقتصادية الصادرة هذا الأسبوع. أكثر الأرقام المشجعة أشارت إلى الارتفاع في ثقة المستهلكين في الولايات المتحدة هذا الشهر، رغم أن المحللين كانوا غير واثقين من أن هذا يمكن أن يترجَم إلى المزيد من الإنفاق.
والبيانات الخاصة بسوق الإسكان وسوق العمل في الولايات المتحدة لم تحمل بشرى تذكر للمستثمرين، في حين أن التقرير حول نشاط الأعمال في منطقة شيكاغو، وهو تقرير يراقبه المحللون عن كثب، أظهر هذا الشهر تقلصاً حاداً على نحو يفوق التوقعات بدرجة كبيرة.
وبعيداً عن الولايات المتحدة، أعطى الاستبيان الذي نشره معهد أيفو في ألمانيا حول المزاج العام للأعمال، أعطى تذكرة مناسبة بأن التعافي في منطقة اليورو لا يزال بعيداً إلى حد ما.
وكانت هناك أنباء أفضل من اليابان، حيث أشار التعافي القوي في الإنتاج الصناعي في الشهر الماضي إلى ارتفاع في الصادرات. من جانب آخر، سجل مؤشر البلطيق الجاف لتكاليف الشحن، وهو مؤشر يراقبه المحللون عن كثب باعتباره مقياساً للظروف الاقتصادية، سجل رقما قياسياً جديداً لهذا العام.
والعلامات المبدئية على البراعم الخضراء في الاقتصاد العالمي أبقت الطلب حياً على الأسهم، رغم أن الأسواق عانت عدداً من التقلبات الكبيرة على مدى الأسبوع. وارتفع مؤشر ستاندارد آند بورز 500 بنسبة 2.2 في المائة على مدى الأسبوع، على الرغم من الهبوط الحاد في أسهم "جنرال موتورز". وارتفع مؤشر فاينانشيال تايمز يوروفيرست 300 لعموم أوروبا بنسبة 0.7 في المائة، في حين أن مؤشر نيكاي 225 في طوكيو أقفل بارتفاع مقداره 3.2 في المائة، مسجلاً بذلك أعلى معدل له منذ سبعة أشهر.
وتفوقت أسواق الأسهم في بلدان الأسواق الناشئة، تتصدرها المكاسب الكبيرة في الهند وروسيا.
وفي أسواق العملات استمر الدولار في الهبوط، مع تدني جاذبيته كملاذ آمن. وقالت كاميلا ساتون، وهي محللة استراتيجية للعملات لدى بنك سكوشيا كابيتال: "خلال الشهر الماضي كان ضعف الدولار مذهلاً. من الواضح تماماً ومن المؤكد أن المزاج العام انقلب ضد الدولار، ولا نرى أن هذا التوجه قد بلغ مداه". كذلك هبط الين، على اعتبار أن العملات الخطرة ذات المردود الأعلى (خصوصاً العملات المرتبطة بالسلع) اجتذبت الطلب لصالحها.
وكان الطلب علامة على الصعود المستمر في أسعار السلع على مدى الأسبوع. وقفز سعر النفط إلى مستوى 66 دولاراً للبرميل بعد أن فوجئت السوق بتقييم "أوبك" المتفائل لظروف الطلب. وقالت منظمة "أوبك" إن من الممكن أن ترتفع أسعار النفط إلى ما بين 70 دولاراً و 75 دولاراً للبرميل بنهاية هذا العام. وارتفع النفط الخام الأمريكي بنسبة 7 في المائة على مدى الأسبوع، في حين أن النحاس سجل أعلى سعر له منذ ثلاثة أسابيع.