هل سينقرض المثقفون؟
يشهد العالم تسارعا مخيفا في سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على عقول البشر إلى درجة جنونية، لقد صار ارتباط الأشخاص بهواتفهم ومواقعهم المفضلة ارتباطا وثيقا بحيث أصبحت آخر ما يغمضون أعينهم عليه نهاية يومهم وأول ما يفتحونها عليه في بداية يومهم. هذا الإدمان الخطير الذي يتزايد يوما بعد آخر أصبح يشد إنسان العصر نحو عالم افتراضي يلتقى فيه الأصدقاء العابرين والموضوعات اللطيفة والمقاطع المضحكة التي تصنع سعادته، كما أن إنسان العصر يجد في مواقع التواصل ما يشبع فضوله الغريزي بالتفرج على خصوصيات الآخرين الذين يتسابقون لعرضها بكل أريحية، وحين يشعر "بغلقة وكتمة صدر" ويضيق به الحال فسيسارع إلى فتح بث مباشر بالسناب والتيك توك ويفضفض ويشتكي ويفرغ شحناته السلبية ويحصل على الدعم والمساندة ثم ينتهي الأمر، لذا شيئا فشيئا أصبح إنسان هذا العصر يزهد في واقعه الحقيقي، ما يعني بطبيعة الحال أن كثيرا من مفاهيمه وأفكاره تغيرت نتيجة هذه السيطرة المعلوماتية التي يعيشها.
لذلك لم يعد خير جليس في الزمان كتاب، ولم يعد حوار الثقافة والأدب والشعر يستهوي العامة، ولم يعد مخزون الثروة الأدبية والفكرية وعدد الكتب التي تمت قراءتها أمرا يستحق التباهي، ولم يعد لقب مثقف مغريا لإنسان هذا العصر، وشئنا أم أبينا مع استمرار سيطرة وسائل التواصل على عقول الأجيال بهذا الجنون، فسيأتي يوم وينقرض فيه المثقفون والكتاب وأصحاب الفكر. الأجيال الحالية ندرة منهم من يقرأ والأمر ليس خاصا بمجتمعنا بل هو أمر يعانيه العالم منذ فترة، عقول البشر لم تعد تقرأ ولم تعد تجد شغفا يقودها نحو أرفف الكتب في المكتبات العامة، ولم تعد تبحر في عالم الثقافة والشعر والأدب والتاريخ والعلوم والفلك والسير الذاتية.
في 2004 أصدر الكاتب البريطاني فرانك فوريدي كتابا بعنوان، "أين ذهب كل المثقفين" الكتاب يتحدث عن تقصير المدراس والجامعات في تغذية عقول الطلاب ثقافيا حتى أصبح الطالب البريطاني لا يقرأ إلا كتابا واحدا في العام خارج تخصصه الأكاديمي، تلك الظاهرة التي كان فرانك متخوفا منها قبل 18 عاما ها هي اليوم تظهر بشكل أوضح، المثقفون القدامى سيرحلون وهذه سنة الله الكونية، وبالتالي دعونا نكن أكثر شجاعة في مواجهة الأمر ونتساءل بجرأة، هل فعلا برحيل هؤلاء المثقفين.. سينقرض مسمى مثقف أمام الزحف الجنوني لمواقع التواصل وتقهقر الكتب وشبه انعدام القراءة في هذا الزمن وهل ستعاني الصحف في العالم أزمة كتاب مثقفين بعد 20 عاما من الآن.. بالكثير؟!