الأسهم الخاصة وتقلبات الأسواق
في ظل الظروف التي تمر بها الأسواق المالية في كل أنحاء العالم، هنا تطرح أسئلة واستفسارات حول ما إذا كانت صناديق الأسهم الخاصة أكثر أمانا من غيرها. ويدور جدل واسع بهذا الشأن، ووسط حالة الجدل هناك من يراهن على أن الخسائر التي منيت بها الأسواق المالية ستقود إلى فترة من الازدهار لهذه الصناديق.
ويجادل أصحاب هذه النظرية بأن فئة أصول هذه الصناديق ستتجنب الانهيارات التي شهدتها أسواق الأسهم والسندات هذا العام لأنها محصنة هيكليا. لكن النظرية بحاجة إلى نقاش. صحيح أن المحفظة التقليدية والمقسمة – 60 في المائة أسهم و40 في المائة سندات – لم تتعرض إلى أوضاع بهذا السوء منذ نصف قرن، إلا أن الأسهم، التي يطلق عليها عادة مسمى الأصول المحفوفة بالمخاطر، والبدائل من السندات الحكومية "الخالية من المخاطر" شهدت خسائر كبيرة هذا العام.
ومقابل هذه النوعية التقليدية من الاستثمارات نشأت محافظ وصناديق سميت لاحقا "الملكية الخاصة" Private equity، وهي باختصار، استثمار رأس المال في شركات خاصة "وليست عامة" في صفقة أسهم خاصة، وكانت الاستثمارات في الأسهم الخاصة غامضة، لكنها أصبحت الآن قوة رئيسة في العالم، وتجتذب سنويا مئات المليارات من الدولارات، وهناك عوائد ممتازة أدت إلى تزايد الاهتمام بهذا النوع من الاستثمارات، وأصبحت تشكل لها صناديق خاصة سميت صناديق الأسهم الخاصة تجمع الأموال للقيام بمثل هذه الصفقات التي تنفذ وتدار وتتداول خارج أسواق المال الرئيسة، واستطاعت الخروج من الارتباط التقليدي بين الأسهم والسندات "إذا بيعت الأسهم، ارتفعت السندات الحكومية والعكس" وهو الارتباط الذي انحل وضعف أخيرا مع معاناة الجميع ارتفاع أسعار الفائدة وتشديد الأوضاع المالية.
يرتكز نموذج أعمال صناديق الأسهم الخاصة على جمع رأس المال للاستثمارات في صندوق، وعادة ما يكون ذلك في شكل شراكات ذات مسؤولية محدودة، لذلك فإن المستثمرين لا يملكون سوى القليل من التحكم في كيفية إدارة الصندوق ويوافقون مقدما على اتفاقية تقاسم الأرباح "غالبا غير المتوازنة" فضلا عن الرسوم الأخرى، يتم استثمار رأس المال في سلسلة من صفقات للاستحواذ على شركات خاصة، ثم بيع أو خروج تلك الاستثمارات "غالبا بعد عدة أعوام"، وإعادة العائدات من هذه المخارج إلى الشركاء مع الاحتفاظ بنسبة تصل إلى 20 في المائة من إجمالي الأرباح كما يربح الصندوق من رسوم الإدارة ورسوم المعاملات.
وهنا يبدو المشهد مثاليا في ظل هذه الصناديق فهي تستثمر هيكليا في شركات لا يبدو أن قيمتها ستتأثر بالانهيار في أسواق المال وهذا له ما يؤيده. وعلى النقيض من عمليات البيع الحادة التي شهدتها الأسهم والسندات هذا العام، ظلت تقييمات الأسهم الخاصة قوية، وكذلك حقيقة أن استثمارات الأسهم الخاصة تركز عادة على تقييم الشركة وليس مؤشرات السوق أو القطاع ما يحد من تأثير العدوى.
التراجع الذي أصاب أسواق الأسهم والسندات يعود إلى سياسات التشديد النقدي ورفع أسعار الفائدة، وهذه المسألة ذات تأثير واسع النطاق، بل الهدف من هذا التشديد هو أن يكون له هذا التأثير الواسع، فقدرة هذه الصناديق على إعادة البيع والتخارج من الاستثمارات مرتبطة حتما بهذه العوامل من ارتفاع أسعار الفائدة وتشديد الظروف المالية ما سيعقد مسارات العودة إلى الأسواق العامة ويجعل تقييم الخروج أقل تأكيدا، كما أنه يحد من حماس المستثمرين الجدد لشراء حصص الأسهم الخاصة في السوق الثانوية، ما يشكل ضغطا على الأسعار والأحجام.
التشديد المالي وأسعار الفائدة والتضخم جميعا تمثل آفاق الاقتصاد العالمي المتردية. وفي حالات كهذه، فإن الشركات تفقد قدرتها على إنتاج الإيرادات الفعلية والمحتملة، ما يؤدي إلى حرق أسرع للاحتياطيات النقدية، وزيادة أعباء الديون المتعلقة بتآكل الأسهم ورأس المال، ما يجعل مستقبل الشركات الخاصة التي يتم الاستثمار فيها يقع في فخ عدم التأكد نفسه الذي تعانيه الأسواق الرئيسة، ومن المرجح في وضع مثل هذا أن تشهد الأسهم الخاصة تحولا في نموذج التشغيل هذا العام تماما كالذي شهدته الأسواق العامة، كلاهما في طريقه للخروج من عالم ضخ السيولة الهائلة والمتوقعة من قبل البنوك المركزية، الذي سهل بشكل مفرط تدفق الأموال اللانهائي، وما ينتظرنا هو عالم ستكون فيه تكلفة الأموال أعلى والتدفقات المالية أكثر انتقائية.
هناك نقطة ضعف أخرى في صناديق الأسهم الخاصة تتمثل في آليات تحديث تقييمات الأسهم الخاصة التي تتسم بأنها منتظمة وتتخلف عن الأسواق العامة، بما لا يقل عن ستة إلى تسعة أشهر، ما يثير القلق في ظل اتساع مساحة عدم التأكد والتقلبات التي تصيب أسعار الفائدة بشكل ربعي ما يجعل القرار متأخرا بشكل لافت ويصبح تقييم الخروج أقل تأكيدا.