التفاؤل بالتكامل الاقتصادي يغلب على ظروف انسحاب الإمارات في احتفالية الأمانة
رسمت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في الرياض البارحة الأولى لوحة العطاء والتماسك والتكامل الخليجي في احتفالها بمناسبة مرور 28 عاما على تأسيس مجلس التعاون الذي يقف على أعتاب بوابة التكامل الاقتصادي والنقدي في المنطقة، والذي بدأت مراحله بقيام التجارة الحرة ثم الاتحاد الجمركي ومن ثم انطلاقة السوق الخليجية المشتركة لتليها آخر مرحلة الاتحاد النقدي والعملة الموحدة.
وعلى الرغم من أن موضوع الوحدة والنقدية وتطوراتها وانسحاب الإمارات كان مسيطرا على أحاديث الشارع الخليجي، إلا أن المناسبة شهدت أحاديث أكثر تفاؤلا بشأن مستقبل الاتحاد النقدي والعملة الموحدة، وإيحاءات بأن الإمارات ستعود يوما ما وأنها لن تكون عقبة أمام مشاريع التكامل والوحدة الخليجية. وقد شهد الحفل حضور عدد من الأمراء والوزراء والشخصيات السياسية وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى المملكة، إلى جانب جمع من المسؤولين ورجال الأعمال والمستثمرين ورجال الصحافة والإعلام. وحضر الحفل الدكتور ناصر الداود وكيل إمارة الرياض نيابة عن الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض.
أمام ذلك، قال عبد الرحمن العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي إنه في ظل التحديات التي واجهت مسيرة المجلس منذ قيامه قبل 28 عاماً، وإذا ما قورنت بمنظمات مماثلة، نجد أن هناك أشياء كثيرة قد تحققت على صعيد الإنجازات. أضاف "إنني على يقين أن هذه التحديات التي عصفت بالمنطقة من حروب وغيرها قد تجاوزتها المسيرة وكانت هناك إنجازات على مختلف الصعد في الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية".
وبشأن تطورات الوحدة النقدية وانسحاب الإمارات، قال العطية على هامش الاحتفالية "إنني أعتقد أن في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المسيرة دول المجلس قادرة على تخطي هذه الأسباب والوصول بسفينة المجلس إلى التكامل الذي تنشده دول وشعوب مجلس التعاون، فكل الدول الأعضاء الجاهزة عبرت عن رغبتها في دعم هذه الوحدة النقدية بعد أن اعتمدت اتفاقية الاتحاد النقدي في مسقط". وأضاف "أن كل هذه الأسباب وما أدت إليه ستزول والكل بما فيها الإمارات التي تعتبر المنطلق الأساس لهذا الكيان الشامخ ونعول عليها الكثير، ستتمكن من الذهاب سويا إلى إنجازات أبعد وأكبر مما تتحق". وتابع "ولك أن تنظر كيف كان المجلس عام 81 وكيف هو الآن. تم إنجاز اتفاقية تجارة حرة وأبرمت في بدايات إنشاء المجلس اتفاقية اقتصادية، واتحاد جمركي وسوق مشتركة واعتماد اتفاقية الاتحاد النقدي والموافقة على اختيار الرياض مقراً لمجلس النقدي الذي يؤسس للبنك المركزي".
وقال العطية "إننا على ثقة تامة ويقين بأن القيادة الحكيمة في الإمارات المتحدة والرؤية السديدة للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة لن تترك هذه السفينة، وهو ما عبر عنه البيان الذي صدر عن المسؤولين الإماراتيين أخيرا عن دعم مسيرة التعاون الخليجي المشترك في جميع الميادين والوقوف إلى جانب هذه المسيرة ووصولاً إلى التكامل الذي تنشده الدول". مؤكدا في هذا الصدد أنه لا يوجد هناك أي قمم استثنائية أو طارئة أو مجدولة لمناقشة موضوع انسحاب الإمارات من الوحدة النقدية في الوقت الحالي".
ورفع أمين عام مجلس التعاون أصدق عبارات التهنئة والتبريكات إلى قادة دول الخليج مقرونة بالعرفان والامتنان لما يولونه من رعاية كريمة ودعم سخي لمسيرة مجلس التعاون المباركة. وقال "في مثل هذا اليوم وقبل 28 عاماً اتخذ قادة دول مجلس التعاون المجتمعون في العاصمة الإماراتية أبوظبي قراراً تاريخياً بتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج، لكي تدخل المنطقة مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر يكون فيها الكيان الخليجي الجماعي عاملاً أساسياً في التفاعلات بين دوله الأعضاء، وأحد محركات التنمية الفاعلة، وعنصراً مهماً في اسـتقرار وأمن المنطقة". ولفت إلى أن المفاهيم التي تبناها مجلس التعاون تمثل درجة متقدمة من النضج السياسي، واستيعاباً جيداً لدروس التجارب العربية السابقة، حيث تبنى منذ البداية منهجاً يتسم بالواقعية والتوافقية لتحقيق أهدافه، مبتعداً عن الشعارات البراقة وأسلوب حرق المراحل، واستهل مسيرته بمنطق البدء أولاً بالمسائل التي لا خلاف حولها، فضلاً عن واقعية الإدراك بأنه مهما كانت محدودية المستوى الذي يمكن البدء به فإنه كفيل بتنمية الشعور بأهمية المصالح المشتركة وتوسيع نطاقها مستقبلاً، والتي تجعل من رفع هذا المستوى في مرحلة تالية أمراً ممكناً ومتسقاً مع توافق المصالح المشتركة المتنامية للدول الأعضاء.
وأشار العطية إلى أن مسيرة مجلس التعاون أنجزت مرحلة مهمة على طريق التكامل الاقتصادي، والذي تبنى في البداية المدخل التجاري التقليدي للتهيئة لعملية التكامل، ثم في مرحلة لاحقة تبنى المدخل الإنمائي للتكامل لتنويع الهيكل الإنتاجي للدول الأعضاء، الذي يخلق سلعاً قابلة للتبادل بين الدول الخليجية. وكانت أولى خطوات المجلس نحو الاندماج الاقتصادي قيام الاتحاد الجمركي عام 2003، ومن ثم إنطلاقة السوق الخليجية المشتركة مطلع عام 2008، لتتوج أخيرا باعتماد المجلس الأعلى في قمة مسقط إتفاقية الاتحاد النقدي، والتي بدأت معها دول المجلس في اتخاذ خطوات عملية نحو وضع أسس إقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة، خاصة بعد أن تم إقرار المقر الدائم للمجلس النقدي في بداية أيار (مايو) الجاري. كما استعرض العطية عددا من الإنجازات التي حققها مجلس التعاون خلال مسيرته من بينها الربط الكهربائي في جميع دول المجلس الذي بدأ هذا العام تشغيل المرحلة الأولى منه، واعتماد النظام الموحد لمكافحة الإغراق، إلى جانب تطوير التعاون في مجال براءات الاختراع، فضلا عن الإنجازات في مجالات الأمن والتعاون العسكري والإعلامي والإنسان والبيئة.