أزمة تكلفة المعيشة .. أصحاب العمل يتدخلون للمساعدة

أزمة تكلفة المعيشة .. أصحاب العمل يتدخلون للمساعدة

نيكولا رايان قلقة بشأن ارتفاع التضخم، ليس فقط تأثير ارتفاع الأسعار عليها شخصيا، أو على صاحب عملها شركة "وان آند أوول" لصناعة الزي المدرسي التي يوجد مقرها في ستوكبورت، شمال غربي إنجلترا.
إنها قلقة بشأن التأثير في جميع زملائها في العمل، الذين يحاولون إدارة ميزانيات أسرهم. تقول نيكولا، وهي مديرة دعم الزملاء: "إننا في أزمة حقيقية. إننا نعلم أن الموظفين قلقون حقا"، ستكون أشهر الصيف سهلة نسبيا، مقارنة بتشرين الأول (أكتوبر)، عندما تكون "نقطة الضيق هي ارتفاع فواتير الطاقة".
زادت شركة وان آند أوول الأجور 4.5 في المائة للجميع باستثناء المديرين- وهي زيادة قد تبدو سخية في الأوقات العادية، لكنها الآن لا ترقى إلى مستوى التضخم في المملكة المتحدة، الذي بلغ 9 في المائة الشهر الماضي، ومن المتوقع أن يصل إلى رقم من خانتين في الخريف.. لكن الشركة تبذل قصارى جهدها لتوجيه المساعدة نحو أولئك الذين يشغلون وظائف منخفضة الأجر، بمن فيهم عمال التصنيع والمستودعات.
لقد زادت الشركة حصة الأرباح لجميع الموظفين، التي تتوقع أن تصل قيمتها إلى أكثر من 2000 جنيه استرليني للفرد هذا العام، وأنشأت صندوقا للطوارئ لمساعدة من يعانون. تقول رايان: "لقد كنا صادقين حقا وقلنا إن هذا كان بسبب أزمة تكلفة المعيشة. نحن نستعد لشهر تشرين الأول (أكتوبر)"، هذا إضافة إلى قروض الأزمات الحالية دون فوائد لفواتير غير متوقعة مثل انهيار المرجل ونصائح الإدارة المالية المجانية. تم اعتماد وان آند أوول من قبل مؤسسة ليفينج ويج فاونديشن الخيرية "التي تحدد أجر المعيشة الحقيقي عند 9.90 جنيه للساعة في المملكة المتحدة و11.05 جنيه في لندن"، وهي ملتزمة أيضا بـ "ساعات المعيشة الحقيقية"، ما يضمن مناوبات يمكن التنبؤ بها عند 16 ساعة على الأقل في الأسبوع.
بعد عامين من اضطرابات الجائحة، يواجه أرباب العمل في المملكة المتحدة ارتفاع التكاليف- كما هي الحال في كثير من بلدان العالم المتقدم. وعلى الرغم من أن متوسط الأجور آخذ في الارتفاع بسرعة، استنادا إلى المعايير التاريخية، إلا أن التضخم يرتفع بسرعة أكبر. بينما سيساعد الدعم الحكومي كالذي أعلنه وزير المالية البريطاني، ريشي سوناك، الخميس، كثيرا لكنه لن يسد الفجوة للجميع، وسيظل كثير من العائلات يشعر بالضغط. ومع أن بعض الشركات تقول إنها لا تستطيع دفع رواتب أعلى للعمال، تشعر أخرى بواجب أخلاقي وضغط متزايد من ناحية تجارية على خلفية نقص اليد العاملة، من أجل مساعدة ذوي الدخل المنخفض.
"تقول الشركات إنها تكافح في سبيل تحمل التكاليف لكنها تشعر بواجب أخلاقي لمساعدة الموظفين"، كما تقول شيلا أتوود، مديرة التحرير في مجموعة الأبحاث إكسبيرت إتش آر، التي تتحقق من تسويات الرواتب من قبل أرباب العمل في المملكة المتحدة.
خلال فترة الجائحة، قام عديد من الشركات بتعزيز ترتيبات دفع الأجور بسبب الغيابات المرضية، أو تقديم مزايا جديدة تتعلق بالرفاه والصحة العقلية. أما الآن، فإن تركيز الشركات بدأ يتحول إلى الغذاء أو رعاية الأطفال أو النقل. في المملكة المتحدة، زاد متجرا السوبر ماركت سينزبوري وآيسلاند من الخصومات للموظفين، بينما أنشأ صندوق نورفولك آند سافولك بنك طعام للموظفين.
في الولايات المتحدة، قام بعض أصحاب العمل بعرض مساعدة في دفع نفقات السيارة، بحسب ما ذكرته بيكي فرانكوفيتش، كبيرة المسؤولين التجاريين العالميين في مانباوار جروب نورث أمرييكا، وهي شركة توظيف متعددة الجنسيات. قالت: "يعد دعم البنزين من الحوافز الجديدة. بينما تعد القسائم المستخدمة للنقل والمساعدة في رحلات النقل المشتركة للعاملين الذين تقل أجورهم عن 20 دولارا في الساعة، أمرا واسع الانتشار إلى حد ما".
وفي فرنسا تمنح الإعفاءات الضريبية أصحاب العمل حافزا لتقديم قسائم لوجبات الغداء والعطلات، وقد اقترحت مجموعة ميديف للأعمال التجارية إعادة توجيه الضرائب، التي تدفعها الشركات لتمويل النقل العام لمساعدة الأشخاص، الذين يتنقلون باستخدام المركبات على ملء خزانات الوقود. وكان معدل الإقبال على "برايم ماكرون" منخفضا، وهي علاوة معفاة من الضرائب يمكن لأصحاب العمل أن يقدموها للعمال ذوي الأجور المنخفضة. وحث وزير الاقتصاد برونو لو مير الشركات على تقديم مزيد في هذا الشأن.
وقد وجدت الأبحاث الحديثة، التي أجرتها "سي إي بي آر إن" 10 في المائة من موظفي المملكة المتحدة قد تخلفوا عن بعض أيام العمل بسبب مشكلات مالية، في حين أن خمسا آخر من العمال كانوا أقل إنتاجية، لأنهم قضوا ساعات العمل في القلق بشأن المال – وقد تسبب ذلك في تكلفة سنوية إجمالية للشركات تبلغ أكثر من ستة مليارات جنيه استرليني. ومع ذلك، فإن أرباب العمل قلقون من تحمل مسؤولية تكاليف المعيشة اليومية، مثل الطاقة، حيث يقول ألاسدير وود، أحد كبار المديرين في شركة الاستشارات ويليس تاورز واتسون: "تعتقد معظم الشركات أنه من الأفضل معالجة المشكلة من خلال الأجر الثابت. لأنه يوفر مزيدا من الأمان، حيث إن من الصعب بمكان إيقاف البدلات".
قال نورمان بيكافانس، مدير الموارد البشرية والرائد في الشمول المالي، إن عديدا من أرباب العمل ما زالوا صامتين تجاه هذه المشكلة. أضاف: "معالجة الأمر تعني الاعتراف بالمشكلة- ما يعني أنه يتعين عليهم فعل شيء حيال ذلك"، وأوضح أن أكثر الحلول وضوحا هو زيادة الأجور. قال: "كل شيء آخر قاموا بفعله يشبه التمويه عن تقديم حل للمشكلة".
مع ذلك، يقول معهد تشارترد لتطوير الموظفين في المملكة المتحدة- الذي يمثل المختصين في الموارد البشرية- إنه حتى عندما لا يكون في مقدور أصحاب العمل رفع الأجور، فإنه لا يزال في إمكانهم اتباع ممارسات جيدة من أجل حماية الموظفين من الفقر.
الممارسة الأولى هي ضمان حصول الموظفين ذوي الأجور الأقل على أجر عادل. في المملكة المتحدة، تضاعف عدد أصحاب العمل الذين يقدمون الحد الأدنى من أجور المعيشة تقريبا منذ بداية الجائحة. وتحت ضغط المستثمرين النشطاء، بدأت شركة سينزبوري هذا العام بدفع أجر المعيشة الحقيقي لموظفيها المباشرين، كما فعلت ذلك محال السوبر ماركت الأخرى، على الرغم من أن هذا غير معتمد رسميا.
ومن الممكن لمرونة أكبر بشأن الأجور أن تساعد أيضا. فشركة أفيفا للتأمين، هي من بين الشركات، التي تسمح لموظفيها ببيع الإجازات السنوية غير المستخدمة. وتقول شركة ويليس تاورز واتسون إن أصحاب العمل في القطاعات ذات الأجور المنخفضة يعتمدون بشكل متزايد على أدوات مثل وايج ستريم، التي توفر للعمال وصولا فوريا إلى أجورهم التي اكتسبوها. لكن هناك مخاوف من مثل هذه التطبيقات- التي تفرض رسوما على السحوبات المالية، وبالتالي تسمح ببساطة بتأخير التعامل مع الصعوبات المالية. لكن أرباب العمل في مجالات مثل الضيافة والرعاية يقولون إنهم يقومون بما هو أفضل من قروض يوم الراتب.
وهناك أشكال أخرى من المرونة، التي تعد مهمة أيضا، حيث يتساءل حاليا عديد من موظفي المكاتب عن قيمة التنقل للعمل. يقول تيم أولدمان، الرئيس التنفيذي لشركة ليسمان، وهي شركة أبحاث مختصة في أماكن العمل: "لقد أمضينا عامين دون دفع تكاليف التنقل على رواتبنا الشهرية. إن الموظفين في جميع أنحاء العالم يفكرون بتكاليف التنقل".
وتقوم بعض الشركات الآن بتصحيح وضع العمل من المنزل على أنه تكلفة معيشية، وليس مسألة توازن بين العمل والحياة. يقول نيل كاربيري، الرئيس التنفيذي لاتحاد الاستقدام والتوظيف في المملكة المتحدة: "تفكر الشركات بمرونة كبيرة في تهدئة مخاوف الموظفين. يقلل العمل الهجين من تكاليف التنقل ويعد أكثر جاذبية في هذه البيئة".
دنكان براون، المستشار المستقل لإدارة المكافآت، يقول إن هناك أيضا تركيزا جديدا ينصب على الرواتب والتقدم الوظيفي. فعديد من الوظائف منخفضة الأجر تقدم "أجرا ثابتا دون تقدم أو هيكل وظيفي"، ولكن أبناءه في عمر 20 عاما يسألون الآن بطبيعة الحال في المقابلات متى تتم مراجعة الرواتب.
ويتفق فرانكيويكز مع ذلك، قائلا: "الأمر الأكثر إثارة هو أن أرباب العمل والموظفين بدأوا الآن يدركون أن العمال من الطبقة العاملة يتوقعون خطة لمستقبلهم المهني". جرت العادة أن يكون هذا حافزا لذوي الياقات البيضاء.
لكن مهما كانت توقعاتهم على المدى الطويل، فإن بعض الموظفين سيعانون خلال الأشهر القليلة المقبلة. غير أن بعض أرباب العمل أصبحوا يقدمون مساعدة مستهدفة: جون لويس، شركة البيع بالتجزئة، التي يملكها الموظفون، ضاعفت قيمة صندوق المساعدة المالية، معترفة بأن الموظفين يمرون بفترة "صعبة من الناحية المالية". ومع ذلك، لا يتدخل معظم أرباب العمل بشكل مباشر في ذلك. الضجيج في أقسام الموارد البشرية حول "الرفاهية المالية" يترجم عموما في الواقع إلى عروض للتعليم في الأمور المالية والأدوات المستخدمة لوضع الميزانية، ودفع الموظفين إلى ادخار أكثر في المعاش التقاعدي، أو ربما الإشارات التوجيهية نحو مستشاري الديون عند حاجة الموظفين إليهم.
أما بالنسبة لأولئك العمال الذين تتمثل مشكلتهم في نقص الأجور، وليست عدم القدرة على إدارة أموالهم، فيمكن أن تبدو عروض التعليم هذه وكأنها تشتيت لهم فيه نوع من السخرية. لكن المستشارين يقولون إنهم يساعدون في "تطبيع" المحادثات حول مخاوف الموظفين المالية، كما يقول تشارلز كوتون، كبير المستشارين في سي آي بي دي.
يقول وود: "يجب على الشركات أن تنظر في هذه الأمور من كل الجوانب، تطبيقات الرفاهية المالية في حد ذاتها لن تفيدهم في أي شيء، لكن يمكنك الحصول على كثير من المساعدة من خلال الحصول على تعليم مالي لائق، مثل تتبع النفقات كجزء من الاستراتيجية التي تتبعها".
سيكون من واجب أرباب العمل أن يولوا اهتماما أكبر لظروف العاملين الشخصية بسبب تفاقم الضغوط على الدخل. يقول وود: "الشركات تتعلم أثناء استمراريتها"، بينما يرى أن معظم كبار المديرين التنفيذيين لا تتوافر لديهم الخبرة في إدارة الشركات خلال فترة تضخم مرتفع. يقول: "الأمر الرئيس هو عدم اليقين، فلا أحد يعرف متى سينتهي هذا الوضع".

الأكثر قراءة