مرشدو العهد الجديد

يزخر عالم اليوم بالناصحين، ولو كانت النصيحة في زمن مضى تشترى فهي اليوم من أخطر وسائل الإضرار بالناس، خصوصا إذا كانت مما يؤثر في مستقبلهم أو يسيئ إلى علاقاتهم بمجتمعاتهم وأسرهم ووطنهم. ولهذا لا بد من التنبيه إلى مجموعة من المعالم الخطيرة التي ظهرت في ناصحي العصر الجديد.
كثير من هؤلاء يدعي اسما أو درجة علمية غير حقيقية أو مسلوبة بطريقة لا يقبل معها أن يحمل الشخص اللقب الذي يدعيه. الذين يفتون في الدين أو الصحة أو المال هم من أخطر هؤلاء، فمع عدم علمهم بالموضوعات التي يطرقونها يأتي إفتاؤهم للناس معاكسا لما يقتضيه الحال أو العلم بالشيء، وعندما نتذكر أن من جلسوا وعاشروا وساروا مع الحبيب المصطفى كانوا يتدافعون الفتوى، يتأكد عندنا حجم الخطر الذي يمثله شخص لا علاقة له بالعلم الذي يفتي فيه.
لعل أمور الصحة تأتي في المسار الأخطر من المعادلة التي نحن بصددها، فرغم أن الأطباء المتبحرين في العلم يطلبون من الفحوص والتحاليل والأشعة ما يستغربه أكثرنا ليتأكدوا من دقة تشخصيهم، يأتي من الناس من يحلل ويحكم على حالة لم ير من يشكوها ولم يعرف عنه وعن حاله وتاريخه الصحي شيئا، ثم يوصي له ببرنامج علاجي قد يتسبب في الإضرار به، وفي أفضل الحالات لا يؤدي إلى الشفاء. أمثلة كثيرة هنا نحن بغنى عن الحديث فيها لشيوعها واتساع رقعة انتشارها.
ثم إننا نعيش في عالم كل يفتي فيه في مجالات المال والأعمال. فمن شخص يرفض أن يعترف بارتفاع أسعار العقار من 2006 إلى اليوم ويدعي أنها فقاعة لن تلبث أن تنفجر ويظهر المرج بعد أن يذوب الثلج، ليوقع الصغار في أزمات مالية كان بإمكانهم وإمكانه هو نفسه أن يتجاوزوها قبل 20 عاما. إلى من يفتي في أسواق المال والاستثمار سواء كان حقيقيا أو افتراضيا، ثم لا يكون أمره عليه غمة ليعيش في الفقر ويستجمع معه من يسيرون في ركابه.
في الأثناء يبقى أكثر الناس حبيسو هذا الفكر الغريب منتظرين فتوى من غير مفت معترف به أو وصفة من قبل طبيب لا يعرف من الطب سوى اسمه أو محلل يذهب بهم بعيدا، ثم يتركهم وحيدين لا نالوا بلح الشام ولا عنب اليمن. هل يمكن الأخذ على أيديهم ومحاسبتهم كما يتم في المخالفات القانونية التي نرى تطبيقها على من يمسون الأشخاص أو الحريات أو الوطن وأهله، سؤال نحتاج إلى مراجعته على الفور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي