«وول مارت» و«تارجت» .. عملاقا التجزئة يخطئان الهدف بسبب التحول في سلوك المستهلك

«وول مارت» و«تارجت» .. عملاقا التجزئة يخطئان الهدف بسبب التحول في سلوك المستهلك
متسوقون يرتدون أقنعة يدخلون متجر وول مارت في إل باسو، تكساس، الولايات المتحدة. "رويترز"

يتذكر ريتشارد ثلهايمر آخر مرة كان فيها التضخم يمثل تحديا كبيرا لتجار التجزئة في الولايات المتحدة، كان ذلك حينما حاول أن يرفع شركة ذا شاربر إميج من الحضيض في أواخر السبعينيات والثمانينيات.
في 2006، ترك سلسلة المعدات الاستهلاكية التي أسسها، وباع حصته قبل إفلاسها في 2008. منذ ذلك الحين، كان يستثمر في عائدات ساعات اليد، وكراسي التدليك، وأجهزة الآي بود، وسكوترات ريزر التي باعها، وقام ببناء محفظة استثمارية تصل قيمتها إلى 350 مليون دولار مع أسهم تشمل "أمازون" و"أر إتش" و"هوم ديبو".
قال، "كان الأمر ممتعا للغاية، حتى هذا العام".
مع ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات شوهدت آخر مرة قبل أربعة عقود، فإن قطاع التجزئة الذي جعل ثلهايمر ثريا يجعل المستثمرين الآخرين الآن أفقر ويؤجج مخاوف الركود. هذا الأسبوع، أدت إعلانات الأرباح السيئة بشكل غير متوقع من شركتي "وول مارت" و"تارجت"، وهما من أكبر مكونات القطاع، إلى أكبر انخفاض لهما في سوق الأسهم منذ الإثنين الأسود في 1987.
قبل أيام، كان المحللون يروجون لمثل هذه الشركات على أنها ملاجئ دفاعية في مواجهة عاصفة أسهم التكنولوجيا التي قلصت من تقييمات الشركات بداية من شركة أمازون إلى شركة نتفليكس. في وقت سابق من هذا الأسبوع، سمت شركة بيرد شركة وول مارت أنها أفضل فكرة "دليل ركود" لديها.
لكن موجات الصدمة من شركتي "وول مارت" و"تارجت" انتشرت في قطاع التجزئة الأوسع وأعطت المستثمرين المتشائمين في السوق مصدر قلق جديد، وهو أن التضخم قد يطال المستهلكين الآن حتى قبل أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بشكل أكثر شدة.
كان تجار التجزئة أكبر العوامل الدافعة لتراجع السوق الأوسع الأربعاء ما دفع مؤشر الأسهم ستاندرد آند بورز 500 إلى أسوأ انخفاض له في يوم واحد منذ عامين تقريبا.
حتى هذا الأسبوع، ظل المؤشر الفرعي للسلع الاستهلاكية الأساسية في مؤشر ستاندرد آند بورز 500، الذي يتضمن "كبار تجار التجزئة" مثل شركة وول مارت إلى جانب شركات مثل الصيدليات ومصنعي المواد الغذائية، دون تغيير تقريبا خلال العام. كانت الأجزاء الأخرى الوحيدة من المؤشر التي تجنبت الانخفاضات هي أسهم الطاقة والمنافع العامة، التي استفادت من ارتفاع أسعار الطاقة.
لكن بحلول نهاية الخميس، انخفض المؤشر الفرعي نحو 9 في المائة، وكان يتجه إلى أسوأ أسبوع له منذ بداية جائحة فيروس كورونا في آذار (مارس) 2020.
لم تبين أرباح التجزئة سببا واحدا للقلق فحسب، بل ثلاثة أسباب، أن الزيادات في الأسعار ربما وصلت إلى الحد الأقصى لما يمكن للمستهلكين تحمله، وأن تجار التجزئة يكافحون لاحتواء التكاليف الخاصة بهم، وأن الطلب غير المتوقع واضطرابات الإمدادات الجديدة تجبرهم على زيادة حجم المخزونات.
تتم مراقبة السبب الأول من الأسباب الثلاثة من كثب لصداه الاقتصادي الأوسع. قال ستيف روجرز، رئيس مركز الصناعة الاستهلاكية في شركة ديلويت، الذي تشير دراساته الاستطلاعية إلى أن 81 في المائة من الأمريكيين يشعرون بالقلق تجاه ارتفاع الأسعار، "لديك مستهلكون بدأوا يتراجعون".
قال إن الحسابات المصرفية للأمريكيين ربما لم تتغير بشكل كبير منذ العام الماضي لكن العناوين الرئيسة في الأخبار حول التضخم هزت ثقتهم. أضاف أن البعض يبيعون بعض موجوداتهم لشراء أشياء أرخص أو يمسكون عن عمليات الشراء الكبيرة نتيجة لذلك، ولا سيما في الفئات الاختيارية مثل الملابس والعناية الشخصية وأثاث المنزل.
أشارت شركة وول مارت، التي كان ينظر إليها منذ وقت طويل على أنها رائدة لدى المستهلكين في الولايات المتحدة، إلى أن ارتفاع معدلات التضخم في أسعار المواد الغذائية "سحب مزيد من الدولارات من السلع العامة أكثر مما توقعنا، حيث كان ينبغي للعملاء دفع تكاليف التضخم في الأغذية".
مع ذلك، يرى روجرز وآخرون أن ضغوط التكلفة الخاصة بتجار التجزئة هي سبب واضح لتغير ثرواتهم أكثر من تراجع المستهلكين. في شركة وول مارت، مثلا، كانت تكاليف الوقود في الولايات المتحدة في الربع الأخير أعلى مما كان متوقعا بمبلغ 160 مليون دولار- وهو تكاليف أعلى مما يمكن تمريره إلى العملاء.
ردد بريان كورنيل الرئيس التنفيذي لشركة تارجت، صدى هذه الأقوال، "لم نتوقع أن ترتفع تكاليف وسائل النقل والشحن بالطريقة التي ارتفعت بها". كما تزيد الأجور والتكاليف المرتفعة للحاويات والمستودعات من الضغوط على هوامش ربح تجار التجزئة.
بعض هذه التكاليف المرتفعة تنبع من القوة الثالثة العاملة، سلسلة الإمداد العالمية المضطربة التي جعلت تجار التجزئة يتدافعون لتأمين المخزون في وقت يكون الطلب عليه غير مؤكد. كتبت كاثي وود، كبيرة مسؤولي الاستثمار في شركة آرك إنفيست، في تغريدة على منصة تويتر في إشارة إلى شركتي "وول مارت" و"تارجت"، "مخزوناتهم فائضة عن الحاجة".
قال روجرز إن السبب وراء حمل مخزون أكبر من المعتاد هو أنهم "عاشوا خلال فترة نفاد المخزون في العامين الماضيين ويعلمون ما كلفهم ذلك".
أشار دوج ماكميلون، الرئيس التنفيذي لشركة وول مارت، إلى أن بعض الزيادات في المخزون كانت متعمدة، قائلا، "نحب حقيقة أن مخزوننا مرتفع لأن كثير منه ينبغي أن يكون متوفرا في المخازن". مع ذلك، اعترف بأن "الزيادة 32 في المائة كانت أعلى مما نريده".
ارتفعت مخزونات شركة تارجت إلى أكثر من ذلك، بزيادة 43 في المائة عن العام الماضي، واعترفت بأنها فشلت في توقع تحولات الإنفاق الاستهلاكي في الفئات بداية من أجهزة التلفزيون إلى الألعاب.
قال جون موليجان، كبير مسؤولي العمليات في شركة تارجت، "لسنا في المكان الذي نريد أن نكون فيه الآن، بالتأكيد"، مضيفا أن "البطء في سلسلة الإمداد" أجبرها على حمل مزيد من المخزون كإجراء احترازي.
قال واين ويكر، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة إدارة خطة المعاشات التقاعدية ميشن سكوير ريتايرمنت، إنه ينبغي ألا يكون الأمر مفاجئا أن نرى مؤشرات على كبح المستهلكين جماحهم في بعض مجالات الإنفاق، لكنه قال إن نتائج هذا الأسبوع كانت مع ذلك "بمنزلة إنذار" لبعض المستثمرين لأن كثيرا من الشركات كانت تدعي حتى وقت قريب أنها كانت تتعامل مع تحديات التضخم بشكل جيد.
أعطت شركتا وول مارت وتارجت توقعات متفائلة في التحديث الربعي السابق، ولم تعلنا مسبقا أي تغييرات قبل تقارير هذا الأسبوع.
قال ويكر، "كان جزء من انخفاض الأسعار يعكس حقيقة أن إدارة هذه الشركات الضخمة لم تقدم أي مؤشرات على أنها كانت ستتكبد مثل هذه الخسارة".
بالنسبة إلى دينيس تشيشولم، مديرة الاستراتيجية الكمية في شركة فيديليتي، لم تقدم تقارير هذا الأسبوع دليلا مقنعا على أن الاقتصاد في مأزق، لكنها أخافت المستثمرين الذين كانوا قلقين بالفعل بعد عمليات البيع السابقة.
على الرغم من رد فعل السوق العميقة على نتائج شركة تارجت، مثلا، فإن توقعاتها المنخفضة الجديدة ستعيد هوامش الربح إلى مستويات ما قبل الجائحة فحسب.
قالت تشيشولم، "إذا كان هناك أي عامل مفاضلة مقارنة بالأسواق الهابطة السابقة، فقد كانت قوة الأرباح، لذا فإن أي نوع من القلق بشأن الأرباح يعطي مزيدا من التقلب من منظور المدى القريب". لكنها أضافت، "على الرغم من وجود كثير من القلق في السوق، إلا أنه من الصعب الوصول إلى استنتاج تجريبي يقول إن حدوث الركود أعلى احتمالا في ضوء ما شهدناه".
يعتقد ثلهايمر، الذي انخفضت محفظته نحو 50 مليون من ذروتها، أن الأسواق بالغت في رد فعلها هذا الأسبوع ويتساءل بالفعل متى سيحين وقت التفكير في اقتناص أسهم التجزئة المنهارة.
قال، "خلال معظم عمليات البيع الكبيرة في حياتي - 2009، الكساد الذي أعقب فقاعة الدوت كوم أو 1987 - تقريبا في كل مرة من هذه الأوقات كنت أشهد في غضون عامين انتعاشا قويا للغاية".
سيحدث هذا مرة أخرى، كما يعتقد، لكن سيكون مقترنا بحالات عدم اليقين بشأن سلاسل الإمداد، والأزمة بين روسيا وأوكرانيا وارتفاع التضخم التاريخي، "سيكون هناك بعض المياه المتلاطمة في المستقبل".

الأكثر قراءة