الجامعات المترهلة بحاجة إلى قراءة كتاب تفكيك الشركات العملاقة

الجامعات المترهلة بحاجة إلى قراءة كتاب تفكيك الشركات العملاقة
طلبة داخل حرم جامعة جونز هوبكينز في بالتيمور، ولاية ميرلاند الأمريكية.

يتذكر تيموثي ديفيني الرعب الذي أصابه عندما عرض عليه جدول بيانات مبعثر "لمؤشرات الأداء الرئيسة" لأحد الأقسام في الجامعة التي عمل فيها ذات مرة. تضمنت البيانات 110 أهداف، ولكل منها موظفون مكلفون بمراقبتها.
"هناك نوعان فقط مهمان: المعرفة وعلم أصول التدريس. وستنظر أي منظمة حكيمة في النفقات الإدارية وتحاول إزالتها" كما يقول البروفيسور ديفيني، رئيس قسم الأعمال الدولية الآن في جامعة ألايانس مانشستر للاقتصاد.
جادل ديفيني في مدونة نشرت حديثا بضرورة فصل الكليات عن الجامعات لمواجهة العمليات المشتتة، تماما مثلما تم تفكيك الشركات العملاقة في القطاع الخاص في الأعوام الأخيرة. قال: "الجامعات (...) تخنق قدرات العاملين فيها".
يعكس القلق الذي يشعر به ديفيني مدى الإحباط الذي يشعر به كثير من العاملين في التعليم العالي في المملكة المتحدة وخارجها، حيث أدت الإدارة والبيروقراطية إلى تشتيت تركيز الجامعات بعيدا عن محور انتباهها الرئيس المتمثل في التدريس والبحث. إن وجود مزيد من الموظفين والإجراءات ينطوي على خطر استهلاك الموارد، وبالتالي يؤدي إلى بطء التنفيذ ويقوض الوظائف المناطة بالجامعات.
وفي حين أن انتقاد زيادة الرتب الإدارية الوسطى والروتين المفرط أمر مألوف بين الموظفين في أي منظمة تقريبا، إلا أن القلق يتزايد في الجامعات بشأن الظاهرة الخاصة لما يمكن تسميته "الانتفاخ الأكاديمي" الذي يثير مخاوف بشأن تقويض الغرض من التعليم العالي وأسلوب عمله.
تقول أليسون وولف، أستاذة إدارة القطاع العام في كينجز كوليدج لندن: "لقد فقد الأكاديميون قوتهم. فكلما توسعت، ستصبح أكثر بيروقراطية. إنه مصدر قلق مهما. بالطبع تحتاج الجامعات إلى إداريين جيدين وموظفين غير أكاديميين، لكن ما يهم هو جودة التدريس وكذلك الأبحاث عالية الجودة. إننا نحتاج إلى زيادة الكفاءة الإدارية وخفض نصيبها من فاتورة الرواتب. الخطر هو أن نرى العكس يحدث".
في تحليل بعنوان "المديرون والأكاديميون في القطاع المركزي: أنماط التوظيف الجديدة للتعليم العالي في المملكة المتحدة"، أجرته مع أندرو جينكينز، الأستاذ المشارك في معهد البحوث الاجتماعية في يونيفرسيتي كوليدج لندن، تتبعت وولف التوسع غير المتناسب في أعداد المديرين والموظفين من غير الأكاديميين في جامعات المملكة المتحدة. وبحسب التحليل الذي نشر في نهاية العام الماضي، جاء ذلك على حساب الأدوار الأكاديمية التي تجمع بين التدريس والبحث، وكذلك على حساب طاقم الدعم من الكتبة.
هذا النمط يتكرر في أماكن أخرى. يستشهد المؤلفان بدراسات من النرويج وهولندا وألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا ترسم جميعها نموا متزايدا في العقود الأخيرة في عدد الوظائف الإدارية والمهنية وفي الإدارة العليا مقارنة بالأدوار التقليدية للأكاديميين.
من العوامل التي أدت لذلك الزيادة في المرجعيات، والمساءلة، والامتثال المرتبطة بالمتطلبات التي تفرضها الحكومة. تقول وولف إن إنشاء وكالة ضمان جودة التعليم العالي في المملكة المتحدة في 1997 من أجل متابعة الجودة الأكاديمية قد شكل نقطة تحول، مع مطالب بالتدقيق على الرغم من "الافتقار إلى الخبرة في الموضوع" - لكنها لم تلق مقاومة تذكر من نواب رؤساء الجامعات. تضيف: "لقد شهدنا تناميا في الإدارة والتنظيم المتشدد".
عامل آخر هو التوسع في قطاع التعليم العالي ـ يلتحق مزيد من الطلاب المحليين بالجامعات، ولا سيما في العالم الناطق باللغة الإنجليزية – إلى جانب البحث الأكثر تنافسية عن الطلاب الأجانب الذين يدفعون رسوما أعلى. أدى ذلك إلى نمو بعض الوظائف مثل التوظيف والتسويق، وخدمات الدعم للاحتياجات المتغيرة للدخول الأكثر تنوعا، والمزيد من التركيز على مرافق الطلاب، وعلى استحسانهم ورضاهم كونهم أصبحوا "مستهلكين" للتعليم أكثر تطلبا.
يقول رونالد دانيلز، رئيس جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور: "بالتأكيد ليس هناك شك في وجود ضغوط بسبب النمو في الخدمات، تتمثل في الامتثال فيما يخص البحوث، وخدمات الصحة العقلية للطلاب، والإرشاد، والوظائف حول مواضيع التنوع". يضيف: "كانت المكاتب التي تضم هذه المهمات صغيرة نسبيا عندما بدأت عملي لكنها أصبحت الآن أكبر بكثير".
لكنه يدافع عن توسيع مثل هذه الأدوار المتخصصة إلى جانب المناصب الأكاديمية - على الأقل عندما يتم تنفيذها بشكل صحيح. يقول: "يعبر الطلاب عن مطالبتهم بالحصول على خدمات الدعم هذه، وعندما ترى أن لديهم مشكلات خطيرة حول القلق أو اضطراب نقص الانتباه، تجد من الأفضل ألا يحصلوا على الدعم من أشخاص غير مدربين جيدا، بل من المتخصصين الذين يمكنهم التعامل مع هذه المسائل بالشكل الصحيح".
يوافق على ذلك نيك بيتش، نائب رئيس جامعة ميدلسيكس ورئيس الأكاديمية البريطانية للإدارة. يقول: "إننا نميل إلى الالتزام الشديد والتركيز على التنظيم. ويأتي ذلك من الهيئات الحكومية والممولين. إنه أمر حتمي تقريبا مع نمو الطبيعة التكنوقراطية للمؤسسة. إلى جانب التدريس والتدريب والبحث، يجب أن يكون لديك فريق فني، وفريق معني بالصحة والسلامة، والعقارات والمرافق. لقد أصبحت الشؤون المالية للجامعة معقدة للغاية، لذا أنت بحاجة إلى نظام احترافي".
في الوقت نفسه، يشير بيتش إلى أن كثيرا من الأكاديميين يركزون على عملهم الفردي وأنهم يعتبرون أنفسهم "قادة بطوليين"، بينما يفشلون في إدراك قيمة الفنيين وموظفي الدعم الآخرين. يقول: "من السهل أن تعثر على نسخة أصغر مني سنا تنتقد النظام إلى حد ما". يضيف: "لكنني تغيرت. فغالبا ما أنظر إلى تلك الأحداث الرئيسة التي غيرت حياتي المهنية، مثل الحصول على منحة كبيرة، والتفكير بشكل مختلف. أفكر في بعض هؤلاء العاملين في المكاتب الخلفية وأتساءل الآن عما إذا كنت سأحصل على المنحة من دونهم".
هناك مشكلة أساسية أخرى وهي أن الأكاديميين الجيدين قد لا يكونون دائما مديرين فعالين أو أن الحماسة تقودهم. فهم يتولون أحيانا "منصب الإدارة" على مضض لأنهم يفضلون التركيز على أبحاثهم أو التدريس عوضا عن إدارة الآخرين في القسم الذي يعملون فيه - ناهيك عن الانخراط في مسؤوليات أوسع مثل التعاقد أو الموارد البشرية أو التكنولوجيا.
يجادل بيتش بأن أحد التحسينات في إدارة الجامعة يمكن أن يتأتى من زيادة التمكين ومشاركة الموظفين من غير الأكاديميين. يقول: "إذا تم فصلهم ومن ثم تعيينهم لخدمة الأكاديميين، فمن الصعب حقا أن يصبحوا محترفين وأن يضيفوا أي قيمة تذكر. لقد بنيت بذلك فجوة".
يتفق ديفيني مع هذا الرأي، مشيرا إلى علاقة أوثق مع الأكاديميين في بعض الجامعات في الولايات المتحدة، حيث غالبا ما يكون كبار المسؤولين هم أنفسهم من الخريجين من الجامعة نفسها ولهم معرفة عميقة وواسعة بمؤسساتهم، أو في أستراليا حيث دعا إلى منح الموظفين فرصة لأخذ دروس مجانا من أجل إشراكهم بصورة أوثق في مهمة يشتركون فيها.
يقول دانيلز إن المشاركة والتشاور مع الأكاديميين لكسب دعمهم لتحويل الموارد إلى الأدوار الإدارية والتوجيهية أمر أساسي. "أولا وقبل كل شيء، يجب أن تكون على استعداد لأن تكون شفافا للغاية مع أعضاء هيئة التدريس بشأن أين تنفق المبالغ الإضافية ولماذا، حتى يروا ترابطا بين المطالب المشروعة التي تواجهها الجامعة وكيفية الاستجابة لها".
لكن على خلفية النفقات العامة الكبيرة والإجراءات المرهقة، يشدد آخرون على أن المديرين الأكاديميين يجب أن يسألوا وأن يقاوموا بشكل أكبر. لاحظت وولف في تحليلها تدقيقا أقل بكثير في توظيف غير الأكاديميين مقارنة بالأكاديميين، وهو أمر نسبته إلى "الإدارة السيئة والزحف الكلاسيكي للبيروقراطية". وتجادل بأن المجالس الحاكمة للجامعات يجب أن تدقق في سياسات التوظيف للموظفين غير الأكاديميين بمزيد من التفصيل.
يقول ديفيني: "لا يوجد خلاف أبدا على كثير من الشؤون الإدارية"، ويجادل أيضا بأنه إذا طلب من الجامعات أن تقدم تقارير عن التدريس والبحث ومدى رضا الطلاب، فعليها أيضا تحليل النفقات الإدارية العامة بمزيد من التفصيل.
وكما يقترح بيتش، فإن هذا يحتاج إلى أن يكون الأكاديميون على استعداد لتحمل مخاطر أكبر والتراجع عن إجراءات الامتثال المتصاعدة. "في الشركات التجارية التي قضيت وقتا فيها، يجيدون ترك الأشياء وتحديد متى يكون الشيء جيدا بما فيه الكفاية. وغالبا ما يكون نهجهم في التعامل مع المخاطر أكثر حذقا منه في الجامعات".

الأكثر قراءة