وداعا لعصر خيارات المستهلك الواسعة
يعرف أي شخص دخل سوبر ماركت أخيرا أن المشتريات باهظة الثمن. أسعار عديد من المنتجات، من طعام القطط إلى القهوة، آخذة في الارتفاع ويصعب نقلها حول العالم بسرعة في عصر التضخم المرتفع وسلاسل التوريد المزدحمة.
كان هناك تحذير أكثر دقة للمستهلكين هذا الأسبوع حين خرج المستثمرون مذعورين من شركات التكنولوجيا التي استمرت أسهمها في الانخفاض. في أوقات عدم اليقين، يبحث المستثمرون عن الأمان (...) قال دارا خسروشاهي، الرئيس التنفيذي لشركة أوبر للموظفين، "متقمصين شخصية جيري ماجواير، نحتاج إلى أن نظهر لهم الأموال".
تمتع المتسوقون بمكافأة مذهلة لأكثر من عقد - ليس فقط في السعر وتوافر السلع والخدمات اليومية، لكن في انفجار التكنولوجيا الاستهلاكية والابتكار. هذه التجربة موضع شك الآن. إن لم يكن العصر الذهبي للمستهلك قد مات بالفعل فهو يبدو سيئا للغاية.
المزيج المؤلف من التضخم المرتفع وأسعار الفائدة المرتفعة ـ الذي يؤدي إلى انهيار عديد من الاستثمارات عالية المخاطر، من العملات المشفرة إلى رأس المال المغامر ـ له تأثيره فعليا الآن. لكن تأثير رأس المال المغامر لم يظهر بعد، وسيوجد مزيدا من الألم.
التضخم وأزمة القدرة على تحمل التكاليف دفعا كثيرا من المتسوقين إلى العودة إلى الأساسيات. مع ارتفاع فواتير الطاقة بشكل حاد، فإن السؤال ليس العلامة التجارية الجديدة لزبادي حليب جوز الهند (...)، لكن كيفية إطعام أسرهم أو تدفئة منازلهم.
المزيد يتسوقون الآن في متاجر الخصومات، من "وولمارت" إلى "ألدي" و"ليدل". كما أنهم يفضلون العادي والمألوف على التجريبي. الأسبوع الماضي تراجعت الأسهم في "بيوند ميت"، وهي شركة رائدة في البرجر والنقانق النباتية، إلى ما دون سعر التعويم في 2019، بينما ارتفعت أسهم الشركات القوية مثل "كرافت هاينز" و"كامبل سوب".
حتى "دانون"، شركة الطعام المشروبات متعددة الجنسيات التي توسعت في نطاقات صحية، تتكيف. أخبرني أنطوان دو سان أفريك، الرئيس التنفيذي للشركة، هذا الأسبوع أنها ستعيد التأكيد على منتجاتها الأساسية، مثل الزبادي الذي حصلت منه على اسمها. "سنعود إلى الأساسيات، بدلا مما كان رائجا في وقت من الأوقات".
يعني ذلك أن الانتشار الاستثنائي لمشتريات البقالة والسلع الأخرى - مع وجود مساحة أكبر في المتاجر ومحال السوبر ماركت التي تشغلها المنتجات المبتكرة والعلامات التجارية الأصغر - ستواجه تصفية حسابات. مع تراجع عدد المتسوقين، ستجد الشركات الناشئة صعوبة في دفع منتجاتها إلى الرفوف.
لكن هناك تهديدا منفصلا للنظام البيئي للمنتجات الجديدة التي نمت من حولنا - ليس فقط مشتريات البقالة لكن توصيل مشتريات البقالة وتطبيقات اللياقة البدنية عبر الإنترنت والخرائط والترفيه. لقد تم دعم كثير من الشركات من خلال المضاربة من قبل المستثمرين الذين أعطوا الأولوية للنمو على التدفقات النقدية الفورية، واثقين من أن أرباح الأسهم ستظهر في الوقت المناسب.
هذه هي الفلسفة الكامنة وراء الصناديق المتداولة في البورصة التي تديرها كاثي وود، من "أرك إنفست". إنها تثق في إزاحة شاغلي الوظائف عن طريق الابتكار وطريق "مجموعة من الأجهزة المتصلة التي ستعلمنا، وتسلينا، وتربطنا، وتحمينا، وتتوسط تصوراتنا للعالم"، كما أوضح تقرير "أفكار أرك العظيمة 2022" Ark’s Big Ideas 2022.
حتى وقت قريب بدا الأمر وكأنه رهان معقول ومن الممكن أن يطبق يوما ما، لكن في هذه الأثناء تراجعت قيمة أموال أرك بشكل كبير وسط الاضطرابات. يريد مزيد من المستثمرين النقد الآن بدلا من إغراءات رؤى المستقبل، كما قال خسروشاهي لموظفي أوبر، "حجم السوق لن يكون ذا صلة إذا لم يترجم إلى ربح". لا تزال أوبر تخسر الأموال، إلى جانب "ريفيان"، شركة شاحنات النقل الكهربائية التي تراجعت الآن إلى أقل من ربع قيمتها السوقية عندما تم إدراجها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. على النقيض من ذلك، فورد التي أطلقت للتو شاحنتها الكهربائية، لاينينج F-150، كانت موجودة منذ 1903 ولديها تدفق نقدي حر بالمليارات.
أصبحت أوبر ناضجة بما يكفي للتكيف والبقاء على قيد الحياة، وتقوم إيربنب بإنتاج النقود. لكن الصدع الذي حدث سيجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إلى الشركات الناشئة ذات الأفكار الساطعة التي قد تستغرق وقتا لتزدهر. تايجر جلوبال، صندوق التحوط الذي ضخ الأموال بشغف في شركات في مراحلها المبكرة، خسر 17 مليار دولار من حيث القيمة وتراجعت تقييمات محافظ رأس المال المغامر.
مثال صغير على ما هو على المحك هي باونس، شركة أمريكية ناشئة تقدم للمسافرين تخزينا قصير الأجل للأمتعة في المتاجر والمكاتب من خلال تطبيق الهاتف. إنه ابتكار مفيد بشكل متواضع للمستهلك. جمعت الشركة في نيسان (أبريل) 12 مليون دولار في جولة تمويل بقيادة أندريسن هورويتز، مجموعة رأس المال المغامر في وادي السيليكون.
لن تغير باونس العالم بحد ذاته، لكن المستهلكين استفادوا من آلاف الاختراعات الصغيرة، بدعم من المستثمرين المتحمسين، على مدى العقد الماضي أو أكثر. لقد جعلوا السفر والتسوق والترفيه أسهل وأكثر ملاءمة، بسعر كان مدعوما بشكل غير مرئي برأس مال رخيص.
من الصعب تقدير الأشياء في الوقت الحالي، كما أن ثروة الابتكار التي استهدفت بعض المستهلكين لم تكن متاحة دائما للجميع. لكن ظهرت أرفف فارغة في محال السوبر ماركت، وقد نلتقط هواتفنا يوما ما ونلاحظ أن متجر التطبيقات يبدو ضئيلا أكثر. عندما يحدث ذلك، تذكر الخيار اللامحدود الذي كان لدينا من قبل.