استقرار الاقتصاد يتطلب مزيجا نادرا من المهارة والحظ والوقت
لأعوام، استفادت الأسواق المالية بشكل كبير من سخاء السياسة النقدية مع الاقتصاد العالمي الذي عدت البنوك المركزية، والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خصوصا أنه يفتقر إلى الطلب الإجمالي الكافي.
تغير هذا بسرعة كبيرة مع إدراك البنوك المركزية، متأخرة أن مشكلة اليوم ليست ضعف الطلب بل بالأحرى عدم كفاية العرض، وكان التغيير على حساب الأسواق. وبالنظر إلى المستقبل هناك احتمال أكثر تعقيدا آخذ في التشكل الآن: توقف الطلب وسط اضطرابات العرض المستمرة.
شعرت البنوك المركزية بأنها مجبرة على الحفاظ على سياسة نقدية متساهلة للغاية في عالم من النمو الاقتصادي الخافت ومخاطر الانكماش. ذهب الاحتياطي الفيدرالي إلى أبعد من ذلك بتحوله في آب (أغسطس) 2020، إلى إطار عمل نقدي جديد أدى إلى تأجيل استجابة السياسة المعتادة للتضخم الذي يقارب هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة، أو يتجاوزه.
بالنسبة للأسواق ترجم هذا إلى سيولة وفيرة. كان الارتفاع المتزايد في أسعار الأصول بسبب أسعار الفائدة المنخفضة جدا مدفوعا بضخ الأموال بشكل منتظم من قبل الاحتياطي الفيدرالي عبر عمليات شراء الأصول الضخمة، والمتوقعة التي لا تراعي الأسعار.
كل هذا كان على وشك الانتهاء بسبب التهديد الذي تواجهه الرفاهية الاقتصادية جراء التضخم المرتفع والمستمر. وكان السبب هو التحول الدراماتيكي في أنموذج الاقتصاد الكلي الذي تغير إلى أنموذج انخفض فيه العرض المتضرر، في المقام الأول، بسبب اضطرابات سلسلة التوريد وتقلص سوق العمل إلى أقل كثيرا من الطلب المفرط بفعل التحفيز.
في عالم كهذا لا يملك الاحتياطي الفيدرالي سوى خيار إيقاف تسريع التحفيز. ولأنه متأخر جدا على هذا الصعيد، يحتاج إلى التحرك بقوة للضغط على الكوابح، بما في ذلك عن طريق زيادة معدل "الدفع مقدما"، مع البدء في الوقت نفسه في تقليل الميزانية العمومية المتضخمة التي توسعت إلى تسعة تريليونات دولار. خطر الركود المرتبط بهذا أمر مقلق.
وبشكل غير مفاجئ لم تتمتع الأسواق بالتغيير في نهج الاحتياطي الفيدرالي كما يتضح من عمليات بيع الأسهم وغيرها من الأصول الخطرة، بما في ذلك انخفاض بنسبة 13.3 في المائة في نيسان (أبريل) وحده لأسهم النمو الأكثر حساسية لأسعار الفائدة في مؤشر ناسداك.
لقد أصبح تغيير النظام هذا أكثر إيلاما بالنسبة للمستثمرين بسبب انهيار "الملاذات" التقليدية مع انهيار أسعار السندات الحكومية وانخفاض العائد الحقيقي على الحيازات النقدية ووصوله إلى عمق المنطقة السلبية بسبب التضخم في الولايات المتحدة الذي بلغ 8.5 في المائة.
لحسن الحظ حتى الآن لم يقترن ارتفاع التضخم بتدهور ملحوظ في مخاطر الائتمان أو مشكلات كبيرة في أداء الأسواق. لكن هذا يمكن أن يتغير إذا تعثر الطلب. وبالفعل فإن احتمال حدوث "تضخم مصحوب بركود" (انخفاض النمو وارتفاع التضخم) آخذ في التحول من كونه سيناريو ينذر بالخطر إلى سيناريو أساسي لعدة أسباب.
تشاهد الولايات المتحدة تدهورا متسارعا في كل من المحركات النقدية والمالية للنمو وتقييمات الأصول المالية. ويحتاج صانعو السياسات إلى مزيج نادر من المهارة، والحظ، والوقت لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد والأسواق في آن معا، وهو أمر مرهون بمستويات من السياسة التحفيزية لم يكن من الممكن تصورها في السابق.
وفي هذه الأثناء، تتدهور ثقة الأسر والقوة الشرائية بسبب التضخم في وقت ينخفض فيه المستوى المرتفع للمدخرات التي عززتها برامج التحفيز.
الرياح المعاكسة الخارجية هي مصدر قلق كذلك. التزام الصين العنيد بسياسة "صفر كوفيد" في خضم المتحور أوميكرون شديد العدوى يقوض دورها في العرض والطلب العالميين. وتتباطأ أوروبا أيضا ويمكن أن تسقط في حالة ركود، إذا حصل انقطاع كبير في إمدادات الغاز بسبب الحرب في أوكرانيا. في الوقت نفسه، يواجه كثير من الدول النامية، المستوردة للسلع، مزيجا تخريبيا يتمثل في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وعدم اليقين بشأن العرض، وتشديد الأوضاع المالية، وارتفاع قيمة الدولار.
وكلما ازدادت قوة هذه الرياح المعاكسة، زاد خطر تقليص المديونية المالية العامة التي تؤثر في عمل الأسواق. ستكون أرباح الشركات وقوة سوق العمل عاملين أساسيين بالنسبة للمستثمرين لمراقبتهما كونهما يشكلان تعويضا عن هذه الاتجاهات.
الخبر السار هو أنه بعد أعوام من التشوهات الهائلة تعكف الأسواق المالية على التصحيح إلى مستويات حيث توجد قيمة أكثر استدامة. هناك أيضا احتمال استعادة مزيد من الارتباطات التقليدية في الأسواق. سيعزز ذلك خصائص التخفيف من المخاطر للمحافظ الاستثمارية المتنوعة.
والخبر السيئ هو أن الانتقال من الأنموذج السابق لسياسات البنوك المركزية لم يكتمل. مع التزامن المحتمل لكل من تعقيدات الطلب والعرض، من المرجح أن تظل الأسواق متقلبة بالنسبة للمستثمرين وأكثر إثارة للقلق بالنسبة للاقتصاد الحقيقي.
رئيس كلية كوينز-جامعة كامبريدج ومستشار اقتصادي