نذر الانكماش تجتمع في أفق الاقتصاد العالمي
النمو الأوروبي الأضعف من المتوقع، والركود في الولايات المتحدة، والمخاوف بشأن الاقتصاد الصيني اجتمعت معا لتزيد من احتمال حدوث انكماش عالمي مدفوع بارتفاع التضخم وحرب أوكرانيا.
فقد أظهرت بيانات جديدة الجمعة أن الحرب الروسية - الأوكرانية تلقي بثقلها على الاقتصاد الأوروبي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وتفاقم اختناقات التوريد للمصنعين، إضافة إلى تقليص ثقة الشركات والمستهلكين.
جاءت الأخبار المخيبة للآمال بعد يوم من إعلان الولايات المتحدة، أن اقتصادها عانى انكماشا ربع سنوي غير متوقع بنسبة 0.4 في المائة، بينما تسببت المخاوف بشأن تأثير عمليات إغلاق صارمة لمواجهة كوفيد - 19 في الصين في أكبر انخفاض شهري للرنمينبي على الإطلاق.
فقد انخفضت العملة الصينية 4.2 في المائة في نيسان (أبريل) إلى نحو 6.6 رنمينبي للدولار، وهو أكبر انخفاض منذ نهاية ربطها بالدولار الأمريكي، الذي كان ساريا في الفترة من 1994 إلى 2005. وكان الهبوط أكبر من تخفيض لمرة واحدة في قيمة العملة أجراه البنك المركزي الصيني في 2015 وأدى إلى هزة في الأسواق العالمية، كما كان أكبر من انهيار أصاب الرنمينبي خلال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل إدارة ترمب 2018.
قال اقتصاديون إن اجتماع عوامل ضعف النمو العالمي، وارتفاع أسعار السلع، وسلسلة من الزيادات المتوقعة في أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الغربية - بما في ذلك زيادة كبيرة غير معتادة بواقع 0.5 نقطة مئوية من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد تأتي الأيام المقبلة - ستسبب مشكلات للاقتصاد العالمي.
وبحسب إريك نيلسن، كبير المستشارين الاقتصاديين في "يوني كريديت"، "العالم في حالة سيئة حقا. ولا سيما في أوروبا، حيث دخلنا الآن في حالة من الركود التضخمي". وتوقع أن تتجه منطقة اليورو نحو "ضربة مزدوجة" من التراجع الاقتصادي وتكاليف الاقتراض المتزايدة حيث من المرجح أن يرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة في تموز (يوليو) المقبل.
ذكرت "يوروستات"، إدارة الإحصاءات التابعة للاتحاد الأوروبي، الجمعة، أن الناتج المحلي الإجمالي في 19 دولة تشترك في اليورو نما 0.2 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، مقارنة بـ0.3 في المائة في الربع السابق. وكان اقتصاديون استطلعت "رويترز" آراءهم قد توقعوا في المتوسط أن يظل النمو في الكتلة مستقرا.
شهد الاقتصاد الفرنسي حالة ركود تضخمي في الربع الأول، بينما تقلص الناتج الإيطالي. كما فقد الاقتصاد الإسباني وتيرته. وكانت ألمانيا هي الوحيدة من بين أكبر أربعة اقتصادات في الاتحاد الأوروبي التي فاقت التوقعات، حيث سجلت نموا ضئيلا بنسبة 0.2 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.
قال لودوفيك سوبران، كبير الاقتصاديين في أليانز، "إننا نشهد ذروة المخاوف من الركود التضخمي الآن وهذا تذكير واقعي بالتكاليف الحقيقية للحرب"، مضيفا أنه يخشى "اشتداد الركود" جراء سياسة البنك المركزي الأوروبي النقدية في الأشهر المقبلة.
بلغ معدل التضخم في منطقة اليورو 7.5 في المائة في العام المنتهي في نيسان (أبريل)، ارتفاعا من مستوى قياسي وصل إلى 7.4 في المائة في الشهر السابق. وارتفعت أسعار الطاقة 38 في المائة، في حين قفزت أسعار المواد الغذائية غير المعالجة 9.2 في المائة. وارتفع معدل التضخم الأساسي، باستثناء الطاقة والوقود، إلى 3.5 في المائة من 2.9 في المائة.
وتظهر البيانات أن ضغوط الأسعار مستمرة في التزايد في منطقة اليورو، ما يرفع التضخم فوق هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة ويطلق دعوات لتسريع عكس اتجاه السياسة النقدية المتساهلة للغاية.
قال بيرت كولين، وهو خبير اقتصادي في آي إن جي، "بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي استمرار النمو الاقتصادي - وإن كان بطيئا - يعني أنه من المرجح أن يتحرك عاجلا وليس آجلا". وتوقع أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة في تموز (يوليو) إذا لم تسؤ التوقعات الاقتصادية.
فيليب لين، كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي، قال، "لا يزال هناك كثير من الزخم في الانتعاش"، مشيرا إلى أن انخفاض اليورو الذي سجل الأسبوع الماضي أدنى مستوى جديد في خمسة أعوام مقابل الدولار، سيدفع توقعات التضخم المقبلة للبنك المركزي المرتقبة في حزيران (يونيو). أبلغ "بلومبيرج"، "أن التضخم مرتفع للغاية وهذا ينطوي على خطر أن تكون له قوة دفعة خاصة".
إلى جانب ذلك ألقت الحرب الروسية - الأوكرانية بظلالها على آفاق الاقتصادات الأوروبية. ويشعر الاقتصاديون بالقلق من أن تصعيد العقوبات الغربية على موسكو قد يؤدي إلى نقص في النفط والغاز، الأمر الذي من شأنه أن يلحق ضررا شديدا بالصناعة ويزيد أسعار الطاقة بشكل أكبر، ويؤدي بالتالي إلى تآكل دخل الأسر وزيادة ضعف ثقة المستهلك والشركات. يشار إلى أن روسيا قطعت بالفعل إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا.
كان لارتفاع الأسعار الاستهلاكية، واستمرار القيود الخاصة بوباء كوفيد - 19، وتداعيات حرب أوكرانيا تأثيرها في النشاط الاقتصادي في الأشهر الثلاثة الأولى من العام. وكان الاقتصاد الإيطالي هو الأسوأ أداء، حيث تقلص 0.2 في المائة، بينما تباطأ النمو في إسبانيا إلى 0.3 في المائة. وكانت البرتغال والنمسا الأقوى أداء، حيث توسع الناتج فيهما 2.6 و2.5 في المائة، على التوالي.
وسجل الناتج المحلي الإجمالي الألماني 0.2 في المائة في الربع الأول، مرتفعا من انكماش بنسبة 0.3 في المائة في الربع السابق، ما يعني أن أكبر اقتصاد في أوروبا تجنب الركود الفني، الذي يعرف بأنه ربعان متتاليان من النمو السلبي.