هل تؤثر صفقة تويتر على تسلا؟
في اليوم الذي سدد فيه إيلون ماسك ضربته بالاستحواذ على منصة تويتر بمبلغ 44 مليار دولار، طار الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إلى بوكا تشيكا في تكساس، ليس للاسترخاء على شاطئها الرملي، وإنما لحضور اجتماعه المعتاد في العاشرة مساء في مقر "سبيس إكس"، شركة الصواريخ التي يرأسها أيضا.
هذا الملياردير، الذي يشرف أيضا على شركة ذا بورينج لحفر الأنفاق وشركة نيورالينك لزراعة الشرائح في الأدمغة، ستخضع قدراته في تعدد المهام للاختبار عندما يصبح "تويتر" آخر ما يضاف إلى مجموعة أعماله المحفوفة بالمخاطر أصلا، حيث سيكون من الصعب عليه التركيز فيها جميعا.
لكن السؤال المطروح على المساهمين في "تسلا"، التي لا تزال المنفذ المباشر الوحيد المدرج للمستثمرين الراغبين في الانكشاف على ماسك، هو إلى أي مدى سيتسبب فضوله الأخير في تشتيت انتباهه.
قال جيمس أندرسون، مدير المحافظ في شركة بيلي جيفورد، وهي واحدة من أوائل المستثمرين في شركة صناعة السيارات ومن أكبر عشرة مساهمين فيها: "لقد تعلمت أنه من الخطأ التقليل من شأن طاقته وقدرته غير العادية. إن ما نسمعه من أخبار يشير إلى أن "تسلا" تعمل جيدا لدرجة أن ماسك لا يشارك في إدارتها بصورة يومية أو لا يحتاج ذلك".
عندما كانت "تسلا" تكافح كشركة ناشئة وتتخبط في جهودها المبذولة لإنتاج سياراتها على نطاق واسع، نضجت الشركة لدرجة يصعب التعرف عليها.
في العامين الماضيين فقط، افتتحت "تسلا" مصنعها في شنغهاي، ومنشأة في برلين تم بناؤها في وقت قياسي، ومصنع جديد في تكساس، حيث تم قص شريط الافتتاح هذا الشهر في احتفال استضافه ماسك مستوحى من مسابقات رعاة البقر.
حققت العلامة التجارية أرباحا قدرها خمسة مليارات دولار في الربع الأول وهي في طريقها لبيع مليوني سيارة هذا العام. تكن الشركة هدفا طموحا يتمثل في زيادة هذا العدد إلى 20 مليون سيارة سنويا بحلول 2030، ما سيجعلها أكبر من شركتي تويوتا وفولكس فاجن مجتمعتين.
قال جاري بلاك، الشريك الإداري في "ذا فيوتشر فند" وواحد من المستثمرين الكثر، الذين يستخدمون "تويتر" كمنصة لعرض الحالة الصعودية لـ"تسلا": "هل يحتاج إلى أن يكون منخرطا بالقدر نفسه؟ ربما ليس بقدر ما كان قبل عام، وبالتأكيد ليس كما كان قبل عامين إلى ثلاثة أعوام". تابع قائلا: "إذا كان لديه وقت لإدارة تويتر، فهو الآن".
يدير ماسك وقته بمستوى دقيق من التفصيل، وفقا لبعض من الأشخاص الذين عملوا معه. جدوله في الإثنين والثلاثاء يكون في "سبيس إكس"، والأربعاء والخميس في "تسلا"، أما الجمعة فيقضيه في مراجعة منتجات كلتا الشركتين، والتنقل بين المواقع على متن طائرته الخاصة، بينما يرد على رسائل البريد الإلكتروني.
"لقد كان منضبطا للغاية مع إيقاع جدول العمل هذا - بشكل يثير الإعجاب"، كما قال مسؤول تنفيذي سابق في "تسلا"، حيث كان ماسك مسؤوله المباشر، مضيفا أن جدوله كان "صارما" في الأيام التي لم يكن يسافر فيها للخارج.
في مرحلة معينة، قسم يوم عمله إلى فترات زمنية مدتها خمس دقائق لزيادة إنتاجيته لأقصى حد، وكان بانتظام يضع أياما يمكن أن تصل مدة عمله فيها إلى 20 ساعة يوميا.
قال أحد أكبر 20 مساهما في الشركة: "لست قلقا من أن تصبح منصة تويتر مصدر إلهاء له عن تسلا مثل عدم قلقي من أن تكون تسلا مصدر إلهاء له عن سبيس إكس".
مع ذلك، سيحتاج ماسك حتما إلى الاعتماد على مجموعة من نائبيه للإشراف على العمليات. في "سبيس إكس"، لديه جوين شوتويل، رئيسة العمليات التي عملت فيها لفترة طويلة، في حين أن درو باجلينو في "تسلا" هو أكبر مدير تنفيذي بعد كل من ماسك والمدير المالي زاك كيرخورن. من غير الواضح بعد كيف يعتزم ماسك المشاركة في الإدارة اليومية لـ "تويتر".
قال مسؤول تنفيذي سابق آخر في "تسلا"، ماسك كان مسؤوله المباشر، إن الرئيس التنفيذي يوزع المسؤولية عادة على المديرين في شركة صناعة السيارات بدلا من الاعتماد على رئيس عمليات واحد بشكل تقليدي كما فعل في "سبيس إكس". أضاف المدير السابق: "هذه هي الطريقة التي يعمل بها".
قد تكون إحدى المشكلات المحتملة هي ما يترتب من آثار زمنية على إضافة موقع آخر. قال المسؤول التنفيذي السابق الأول في "تسلا": "لديه الآن على الخريطة عدد أكبر من المواقع التي يتوجب عليه الذهاب إليها".
يقع مقر "تويتر" في سان فرانسيسكو، بينما تمتلك "سبيس إكس" مكتبا خارج لوس أنجلوس وقاعدة إطلاق على ساحل تكساس. أما "تسلا"، التي كانت ذات يوم محصورة في مصنعها في فريمونت ومصنع بطاريات في نيفادا، تمتلك الآن مصانع في تكساس وألمانيا والصين التي تتطلب من ماسك أيضا الاهتمام بها.
قال والتر إيزاكسون، الذي يكتب حاليا سيرة ذاتية عن رجل الأعمال: "إنه يحب السفر من مكان إلى آخر والتجول في جميع طوابق المصنع والمشاركة في اجتماعات الهندسة". أضاف: "لكنه يعقد بعض الاجتماعات الافتراضية على الإنترنت هذه الأيام".
سيتعين على ماسك أن يراقب سعر سهم "تسلا". تشكل أسهمه في شركة صناعة السيارات جزءا من التمويل المعقد الذي تم جمعه على عجل لصفقة شراء "تويتر".
تعهد ماسك بمبلغ 12.5 مليار دولار من قرض مضمون مقابل أسهمه في "تسلا" كجزء من حزمة تتضمن أيضا مبلغ 13 مليار دولار من القروض البنكية و21 مليار دولار نقدا.
في اليوم التالي من إعلان صفقة "تويتر"، تراجعت أسهم "تسلا" 12 في المائة، ما أدى إلى انخفاض قيمة شركة صناعة السيارات أكثر من 125 مليار دولار، بسبب مخاوف من أن يضطر ماسك لبيع أسهمه فيها لدفع الأموال المتبقية اللازمة لعملية الشراء.
من شأن مزيد من التراجعات أن تزيد من عدد الأسهم، التي يجب أن يؤمنها ماسك كضمان لإتمام الصفقة.
"ما يتضح للناس أنه إذا كان عليه أن يقوم برفع مالي أكثر لشراء تويتر، فماذا يحدث إذا انخفضت أسهم تسلا أكثر من ذلك؟"، كما قال جيم تشانوس، ملياردير صناديق التحوط والبائع على المكشوف الشهير الذي يراهن منذ فترة طويلة ضد شركة صناعة السيارات.
قال تشانوس: "لا يوجد مجال للخطأ في تقييم تسلا، عليه أن يستمر في الإنتاج، يجب عليه أن يواصل النمو بنسبة 40 إلى 50 في المائة سنويا بهوامش إجمالية تبلغ 30 في المائة".
قال بلاك إن "حافز ماسك الآن هو الإبقاء على سعر سهم تسلا عند أعلى مستوى ممكن". يتوقع أن تعلن الشركة تقسيم الأسهم لدعم السعر، والضغط للحصول على تصنيف ائتماني أعلى من أجل تقليل دفعات الفائدة.
لكن على الرغم من وجود عدد قليل من التداخلات التجارية -تتجنب "تسلا" الإعلانات التقليدية- فإن المحللين والمستثمرين يحذرون من أن ملكية ماسك لـ "تويتر" لا تزال تنطوي على احتمال إلحاق الضرر بشركة صناعة السيارات.
"هناك خطر كبير على سمعة الشركة من وقوع أمر سيئ (...) وذلك في حال تحولت صورة ماسك إلى صورة سلبية وانتقل ذلك إلى تسلا لفترة من الوقت"، حسبما يقول فيليب هوشوا، المحلل المختص في صناعة السيارات في "جيفريز"، والذي يعتقد أنه لا مفر من أن "يتسبب ماسك في إزعاج بعض الأشخاص".
في الأيام التي أعقبت الصفقة، نشر ماسك بعض الرسائل الهزلية، ومنها إحدى التغريدات التي قال فيها إن خطوته التالية ستكون "شراء شركة كوكا كولا من أجل إعادة وضع الكوكايين في مشروباتها مرة أخرى".
لكنه استهدف أيضا بعض الشخصيات، ومن بينها منشور يظهر الرئيسة القانونية لـ "تويتر" فيجايا جادي والوعد بإزعاج واحد من كل خمسة مستخدمين في أقصى أطراف الطيف السياسي باسم التوازن.
من الاقتراحات التي ظهرت منذ الصفقة هو أن الصين، التي حظرت منصة التواصل الاجتماعي، قد تكون قادرة على الضغط على "تسلا"، التي تصنع ما يقارب من نصف سياراتها في البلاد، للتأثير على القواعد المتبعة في "تويتر"، لكن وزارة الخارجية الصينية رفضت الفكرة.
في نهاية المطاف، حتى أقسى منتقدي الشركة يعترفون بأن التأثير على أسهم "تسلا" قد يتم تخفيفه.
قال تشانوس: "إن مساهمي تسلا متسامحون للغاية". تابع قائلا: "قد يهزون أكتافهم ويقولون: إذا كان في إمكان أي شخص فعل ذلك، فبإمكان إيلون ماسك فعله، وسيستمرون في الثقة به على الرغم من كل تلك الشكوك".