في مواجهة وحش مختلف .. المركزي الأوروبي يفتح باب رفع الفائدة
أمضت كريستين لاجارد عدة أيام في إقناع المستثمرين بأن البنك المركزي الأوروبي سيتخذ نهجا "تدريجيا" أكثر من الاحتياطي الفيدرالي لإخماد التضخم المرتفع.
لكن إصرارها على أن اقتصاد منطقة اليورو ليس قويا بعد مثل الولايات المتحدة لم يوقف احتساب الأسواق لاحتمال رفع البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة لأول مرة منذ عقد في تموز (يوليو).
مثل هذا التحول، الذي يتوقعه محللون في "جولدمان ساكس" و"جيه بي مورجان تشيس" الآن، سيكون بمنزلة تحول للبنك المركزي الأوروبي ورئيسته، اللذين كانا يصران أخيرا في كانون الأول (ديسمبر) على أنه "من غير المحتمل جدا" رفع أسعار الفائدة في 2022.
تراهن الأسواق الآن على أن البنك المركزي الأوروبي سيرفع سعر الفائدة على الودائع من سالب 0.5 في المائة إلى المنطقة الإيجابية نهاية هذا العام وإلى ما يزيد على 1 في المائة العام المقبل.
مع ذلك، سيظل البنك المركزي الأوروبي متخلفا كثيرا عن الاحتياطي الفيدرالي، الذي رفع أسعار الفائدة الشهر الماضي بمقدار ربع نقطة مئوية مما يقرب من الصفر، ومن المتوقع أن يعلن رفع سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة في اجتماع السياسة الأسبوع المقبل.
ألمح جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، إلى سلسلة من الارتفاعات بمقدار نصف نقطة لرفع الأسعار بسرعة إلى مستوى "محايد" لم يعد يحفز الطلب بنشاط. يقدر المحللون أن السعر المحايد يراوح بين 2.25 و2.5 في المائة.
سيبدأ الاحتياطي الفيدرالي أيضا في تقليص ميزانيته العمومية البالغة تسعة تريليونات دولار في وقت مبكر من حزيران (يونيو) - وهو أمر لا يخطط البنك المركزي الأوروبي لفعله قبل نهاية 2024 على أقرب تقدير.
للوهلة الأولى، يبدو أن البنك المركزي الأوروبي يعاني مشكلة تضخم كبيرة مثل الاحتياطي الفيدرالي. ارتفعت أسعار المستهلكين في منطقة اليورو بشكل قياسي 7.4 في المائة في العام المنتهي في آذار (مارس) - أعلى بكثير من مستوى 2 في المائة المستهدف من معظم البنوك المركزية مثل الارتفاع 8.5 في المائة الذي أبلغت عنه الولايات المتحدة.
لكن لاجارد قالت لشبكة سي بي إس إن هناك عدة أسباب تجعل البنك المركزي الأوروبي "يواجه وحشا مختلفا تماما" عما يواجهه الاحتياطي الفيدرالي، خاصة الحرب في أوكرانيا. تدخل موسكو العسكري ترك أوروبا أكثر عرضة لارتفاع تكاليف الطاقة بسبب اعتماد المنطقة بشكل أكبر على واردات النفط والغاز الروسيين.
قالت لاجارد إن ارتفاع أسعار الطاقة يمثل نصف التضخم في منطقة اليورو، أكثر بكثير مما هو عليه في الولايات المتحدة، مضيفة، "إذا رفعت أسعار الفائدة اليوم، فلن يؤدي ذلك إلى خفض أسعار الطاقة".
بلغ معدل التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الطاقة والغذاء الأكثر تقلبا، 2.9 في المائة، أي أقل من نصف مستوى الولايات المتحدة البالغ 6.5 في المائة. أشارت لاجارد أيضا إلى أن أسواق العمل على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي كانت "متوترة بشكل لا يصدق" مقارنة بالموجودة في أوروبا.
كان متوسط الدخل في الساعة للقطاع الخاص في الولايات المتحدة أعلى 5.6 في المائة في آذار (مارس) مقارنة بالعام السابق. على النقيض من ذلك، ظل نمو تكلفة العمالة السنوية في منطقة اليورو بطيئا، بل تباطأ إلى 1.9 في المائة في الربع الرابع، بانخفاض من 2.3 في المائة في الربع السابق.
قالت لاجارد إن هذه العوامل، إلى جانب المخاوف من أن الحرب في أوكرانيا ستضر الاقتصاد الأوروبي بشكل أقوى من معظم المناطق، تعني أن البنك المركزي الأوروبي يهدف إلى تغيير السياسة "بطريقة متسلسلة جيدا بما فيه الكفاية، ومحسوبة بدقة، و- بالنسبة لنا في أوروبا- تدريجية، حتى لا نتسبب في ركود".
قال البنك المركزي الأوروبي في وقت سابق من هذا الشهر إنه يتوقع التوقف عن الإضافة إلى محفظته من السندات في الربع الثالث. ذهبت لاجارد إلى أبعد من ذلك بالقول إن هناك "احتمالا كبيرا أن نفعل ذلك في وقت مبكر من الربع الثالث وبعد ذلك سننظر في أسعار الفائدة وكيف سنرفعها وبمقدار كم". هذا يترك الباب مفتوحا أمام إمكانية رفع أسعار الفائدة في اجتماع مجلس الإدارة في 21 تموز (يوليو).
قال فريدريك دوكروزيت، الخبير الاستراتيجي في شركة بكتيت لإدارة الثروات، "يدفع المتشددون من أجل رفع سعر الفائدة في تموز (يوليو)، وهو أمر غير جنوني في هذا الوقت. أستطيع أن أرى ذلك يحدث حتى لو لم تكن الحالة الأساسية".
قالت لاجارد إن توقيت التشديد سيكون "معتمدا على البيانات". قال المحللون إن استطلاعات الأعمال الأخيرة، مثل مؤشر ستاندرد آند بورز جلوبال لمديري المشتريات ومؤشر "آي إف أو إنستيتيوت" لثقة الأعمال الألمانية، أظهرت أن منطقة اليورو قد تجاوزت تداعيات الحرب بشكل أفضل مما كان متوقعا - ما يعزز احتمالية الارتفاع في تموز (يوليو).
قالت سيلفيا أرداجنا، كبيرة الاقتصاديين الأوروبيين في "باركليز"، "كان هناك تدهور في النمو، ولا سيما في التصنيع. لكن كان لدينا قطاع خدمات أقوى بكثير بفضل إعادة فتح الاقتصاد بعد كوفيد".
من المرجح أن تدعم أرقام الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول لمنطقة اليورو هذا الأمر عند إصدارها. من المتوقع أن تظهر نموا مرنا 0.3 في المائة عن الربع السابق. من المتوقع أن ينخفض التضخم في منطقة اليورو بشكل طفيف بسبب انخفاض أسعار الطاقة - لكن المحللين يتوقعون استمرار ارتفاع التضخم الأساسي لمواصلة الضغط على البنك المركزي الأوروبي لتشديد سياسته.
من بين ما يقلق البنك المركزي الأوروبي أن المرات القليلة الماضية التي رفع فيها أسعار الفائدة - في 2008 و2011 - كانت قبل فترة وجيزة من فترات الركود في منطقة اليورو.
يشعر بعض بالقلق من أنه قد يكرر الخطأ مرة أخرى. قال ينس أيزنشميت، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في "مورجان ستانلي"، الذي كان يعمل لدى البنك المركزي الأوروبي، "بشكل عام، التباطؤ أمر حتمي. نفترض فرض حظر نفطي من جانب الاتحاد الأوروبي على روسيا بشكل ما هذا العام، ومن ثم نفترض أننا لسنا بعيدين عن حدوث ركود متتال في النصف الثاني من العام".