صفقات وديون وأحلام .. ما زال باتريك دراهي يحلم بابتلاع سمكة أكبر
في 2017، قام الملياردير باتريك دراهي بخطوة جريئة: تحرير الذراع الأمريكية لإمبراطورية الاتصالات الخاصة به من الشركة الأم الأوروبية المثقلة بالديون في أحد أكبر عمليات الطرح العام الأولي في ذلك العام.
عملية الإدراج كانت تهدف إلى تحرير شركة ألتيس يو إس إيه للشروع في سلسلة من عمليات الاستحواذ الطموحة وفورة كبيرة لبناء بنية تحتية من شأنها أن تنشئ وتنمي ذراع أمريكا الشمالية لمجموعته المترامية الأطراف.
لكن بعد مرور خمسة أعوام، انخفض سعر سهم "ألتيس يو إس إيه" إلى أقل من نصف سعر الاكتتاب العام الأولي. دراهي، الذي يمتلك 48 في المائة من الشركة، يتكبد أكثر من أربعة مليارات دولار من الخسائر الدفترية جراء انهيار في التقييم منذ كانون الأول (ديسمبر) 2020، وفقا لبيانات من "ستاندرد آند بورز كابيتال آي كيو".
كادت الشركة تخسر مشتركيها في خدمة النطاق الترددي العريض، تجاوزتها منافساتها في مجال شركات الاتصالات المتنقلة الخاصة بها، كما أصبحت استراتيجية الاستحواذ التي وضعها مؤسسها الفرنسي - الإسرائيلي في الولايات المتحدة فاشلة. الأهم من ذلك، المستثمرون غير مقتنعين بأن أكبر رهان للشركة – وهو استثمار مكلف في تكنولوجيا الألياف الضوئية - سيؤدي إلى انخفاض الأسعار على المدى الطويل وجذب عملاء جدد.
"ليس هناك كثير من استراتيجية استثمار في المدى القريب. السهم يتم تداوله بسعر منخفض جدا مقارنة بأقرانه". وفقا لأحد المستثمرين.
برز دراهي، الذي تمتد إمبراطوريته التجارية التي تغذيها الديون من البرتغال إلى إسرائيل وتشمل شركة سوذبيز الأمريكية للمزادات، في المملكة المتحدة أخيرا عندما استحوذ على حصة 18 في المائة في شركة الاتصالات البريطانية التي كانت حكرا على الدولة سابقا.
لم يحدد بعد رؤيته للأصل البريطاني الثمين، لكن المستثمرين يراقبون عن كثب أداء إمبراطوريته في الولايات المتحدة كاختبار أساسي لأسلوبه في ممارسة الأعمال التجارية في الأقاليم المجهولة.
بصفته رائد أعمال شاب في فرنسا في أوائل التسعينيات، أنشأ دراهي شركة لمد خطوط الكابلات للتلفزيون وباع شركته في باريس بسرعة إلى جون مالون، قطب الإعلام الأمريكي الذي يحترمه. في 2001، تأسست شركته القابضة ألتيس.
في 2015، بدأ غزوه الشامل في الولايات المتحدة بطموحات كبيرة. تضمن ذلك محاولة فاشلة لشراء "تايم وورنر كيبل"، التي كانت آنذاك أكبر شركة للكابلات في البلاد. فزع المالكون، الذين شعروا بالخوف من طريقة عمل شركة ألتيس المتمثلة في استخدام مبالغ كبيرة من الديون لشراء الشركات، وطرد الموظفين، وخفض التكاليف بشكل كبير، إلى أحضان شركة تشارتر كوميونيكيشينز المنافسة بدلا من ذلك.
قال كريج موفيت الشريك المؤسس في "موفيت ناثانسون"، "لم يرغب أحد في التورط معه. قام كل من في الصناعة بشتم "ألتيس"، لقد شاهدوا هذا الفيلم في أوروبا".
بدلا من ذلك، قبل دراهي بالتسوية على جائزة أصغر، دفع 28 مليار دولار مقابل شركتي اتصالات إقليميتين على مستوى فرعي، هما "سادن لينك كوميونيكيشنز" و"كيبل فيجن". استمرت شركة ألتيس في التقرب لـ"تشارتر" بتقديم عرض قيمته 185 مليار دولار لشراء الشركة في 2017. وفي 2020، حاول دراهي التوسع بعرض بقيمة 8.4 مليار دولار "11.1 مليار دولار كندي" لشراء "كوجيكو"، إحدى أقدم الشركات الإعلامية الخاصة في كندا.
قال فرانسوا جودار، محلل في "إندرز أناليسيس"، "كانت استراتيجيته الاندماج، لكن لم تنجح. كانت السمكة التي أراد ابتلاعها كبيرة جدا".
قال محللون إنه في حين خفضت "ألتيس يو إس إيه" التكاليف وسعت إلى فرص الاستحواذ، فقد فشلت في الاستثمار بشكل كاف في شبكتها وخدمتها، ما تسبب في خروج العملاء بأعداد كبيرة.
على الرغم من الزيادة الكبيرة في إيرادات الشركات المنافسة من عملاء الأجهزة المحمولة خلال العام الماضي، إلا أن هذا لم يحدث لـ"ألتيس". أضافت فقط خمسة آلاف مشترك في خدماتها اللاسلكية في الربع الرابع من 2021، ليصل إجمالي عدد المشتركين فيها إلى 186 ألف مشترك. على النقيض من ذلك، أضافت "تشارتر" 363 ألف مشترك و"كومكاست" 312 ألف مشترك.
أصبحت "ألتيس" الآن في وضعية اللحاق بالركب. أعلنت أخيرا عن اتفاقية للسماح لعملائها في خدمات الهواتف المحمولة باستخدام البنية التحتية لشبكة تي- موبايل على مستوى البلاد، الأمر الذي تأمل أن يفتح فرصا جديدة لحزم خدمات الإنترنت والهاتف المحمول، وموجة من العملاء.
لكن تكلفة كل شيء، بداية من صيانة الألياف إلى المبيعات والتوزيع، تضغط على الهوامش.
كما يشعر المستثمرون بعدم الارتياح إزاء عبء مديونية "ألتيس" المرتفع بشكل استثنائي في وقت من المقرر أن ترتفع فيه أسعار الفائدة. صافي المديونية يبلغ نحو ستة أضعاف الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء، وفقا لـ"ستاندرد آند بورز كابيتال آي كيو"، مقارنة بشركة تشارتر، التي تبلغ مديونيتها ضعف الأرباح 4.5 مرة، وتعد بالفعل شركة ذات مديونية عالية. بلغ صافي ديون "ألتيس يو إس إيه" 24.4 مليار دولار من ميزانيتها العمومية في نهاية العام الماضي، في حين بلغ صافي ديون "ألتيس فرانس" و"ألتيس إنترناشيونال" 31 مليار يورو بينهما.
تم تحويل معظم الديون قصيرة الأجل إلى طويلة الأجل بشكل جيد، مع عدم وجود سندات تزيد قيمتها على مليار دولار تستحق قبل 2025، ما يعني أن الشركة لا تواجه مشكلات سيولة وشيكة. مع ذلك، نظرا لانخفاض الدخل الصافي للشركة نحو 30 في المائة إلى 252 مليون دولار في الربع الأخير، ستكون تحت الضغط لتقليل مديونيتها.
اعترف ديكستر جوي، الرئيس التنفيذي لشركة ألتيس يو إس أيه، في مكالمة حديثة مع "مورجان ستانلي" بأن الشركة ستدرس ما إذا كانت ستوزع الأقساط على مليار دولار تم اقتراضها من التسهيلات الائتمانية المتجددة الخاصة بها.
"عندما تقرن الاستدانة المالية وبناء الألياف بالخوف من المستقبل، فإن هذا يجعلها صورة أكثر استعصاء على فهم الناس"، كما قالت نيكول أبرنيثي، مديرة الصناديق في شركة فيديليتي إنفستمنتس، التي خفضت حصتها في "ألتيس" على مدى العامين الماضيين عبر مجموعة من المحافظ الاستثمارية.
بالنسبة إلى موفيت، تتعلق المشكلات الخاصة بـ"ألتيس يو إس أيه" بمحددات استراتيجية دراهي القاسية لخفض التكاليف في البداية. قال، "لقد أضعفوا الشركة على المدى الطويل، وهم الآن في وضع الإصلاح. بالغنا بشكل كبير في تقدير رغبة السوق في ضمان تحول ألتيس".
السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان بناء الألياف ذات السرعة القصوى من "ألتيس" سيكون كافيا لتغيير حظوظها.
بينما تفضل جميع شركات الكابلات الأخرى تقريبا في الولايات المتحدة – "كومكاست"، "تشارتر"، و"كوكس" - التمسك بترقية شبكاتها النحاسية، تقوم "ألتيس يو إس إيه" بتغطية جميع شبكتها الحالية بأحدث الألياف، التي تستخدم خيوطا صغيرة من الزجاج لحمل ضوء معدل على طول المسارات نفسه تحت الأرض، ما يزيد من كمية البيانات التي يمكن نقلها.
في هذا العام، أعلنت الشركة هدفها للوصول إلى 6.5 مليون منزل بحلول 2025، ما يكلف 1.8 مليار دولار في النفقات الرأسمالية في 2022 وحده.
قالت شركة ألتيس في بيان، "إننا واثقون من استراتيجيتنا للنمو، التي تركز على تسريع نشر شبكة الألياف الخاصة بنا إضافة إلى التحسينات في منتجاتنا وتجربة العملاء بشكل عام، ونظل متفائلين أنه من خلال تطوير هذه المبادرات، سندفع النمو المستدام والقيمة لعملائنا ومساهمينا في المدى الطويل".
دراهي رفض إجراء مقابلة من أجل هذه القصة.
قال مارك سالم، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة ماونت كابيتال، واحد من أكبر 15 مستثمرا في "ألتيس يو إس إيه"، إنه يؤمن "بإمكاناتها في المدى الطويل". أضاف، "ألتيس مستعدة لإنفاق التكاليف الأولية لتعزيز مركزها التنافسي القوي مع الألياف. إنه عمل مدر للأرباح، وبالتالي ستنخفض نسب المديونية عند وصولك إلى الذروة في النفقات الرأسمالية وعوائد نمو المشتركين. الأمر الآن يتعلق بإظهار قدرتها على التنفيذ".
لكن الشركة تواجه منافسة شديدة من مجموعات الاتصالات التي تطرح الألياف بسرعة، وأبرزها "فيوس" التابعة لـ"فيرايزون"، التي تتداخل مع "ألتيس" في منطقة نيويورك المهمة، من بين ولايات أخرى.
أشارت أبرنيثي إلى أن السوق قد تتساءل عما إذا كانت "ألتيس" ستكون قادرة على النمو أمام "منافسة هائلة في مجال الألياف" من قبل "فيرايزون"، التي "استثمرت بكثافة في تجربة جيدة للمستهلك وعرض عالي الجودة".
قالت، "يمكن أن تكون ’ألتيس‘ قصة مثيرة للاهتمام، لكنها قصة إثبات وبرهان في هذه المرحلة".
لكن، لا تزال قلة تعتقد أن نجاح إطلاق الألياف هو المكان الذي تنتهي فيه طموحات "ألتيس". انتشرت شائعات منذ شهور بأن دراهي سيهدف إلى جعل الشركة خاصة عن طريق شراء الأسهم بأسعار رخيصة. لكن جوي كان قاطعا عندما قال إن تحويل "ألتيس" إلى شركة خاصة هو أمر "مؤجل"، و"ليس موضوعا في الوقت الراهن".
مع ذلك يعتقد آخرون أن دراهي ما زال يحلم بابتلاع سمكة أكبر. هذا إذا كان التقييم المنخفض للشركة لا يحولها من مفترس إلى فريسة.
أشار أحد المستثمرين إلى أن "تشارتر لديها ثقب في بصمتها في الولايات المتحدة - هذا الثقب هو ألتيس". قد تكون "كومكاست" مهتمة أيضا، على الرغم من أنه من المحتمل أن يكون من الصعب الحصول على موافقة الجهات التنظيمية لكلتا الشركتين.
أضاف، "ما لم تكن تعتقد أن شخصا ما يأتي ويشتريها أو أن باتريك دراهي يحولها إلى شركة خاصة مع علاوة، فإنني أجد صعوبة في معرفة سبب امتلاكك لها خلال الـ12 إلى 24 شهرا المقبلة".