الحرب .. عامل مضاعف للاضطراب في عالم مضطرب أصلا
تعد الحروب صدمات اقتصادية كبيرة. حرب فيتنام زعزعت استقرار المالية العامة للولايات المتحدة. تسببت الحرب الكورية في 1950 - 1953 وحرب أكتوبر في 1973 في حدوث زيادات هائلة في أسعار السلع الأساسية. هذه المرة أيضا، أدت الحرب التي تشترك فيها بشكل مباشر مصدرة ضخمة للطاقة، روسيا، ومصدرة مهمة لكثير من السلع الأخرى، ولا سيما الحبوب، أوكرانيا، إلى زيادة التضخم والتسبب في انخفاض حاد في الدخل الحقيقي للمستهلكين. الأهم من ذلك، أضافت الحرب إلى الضغوط المنتشرة بالفعل على الاقتصادات والعلاقات الدولية والحوكمة العالمية. كان انسحاب الوزراء الغربيين ومحافظي البنوك المركزية من اجتماع مجموعة العشرين الأسبوع الماضي، عندما تحدث الوفد الروسي، بمنزلة تذكير واقعي بعالمنا المنقسم.
حتى قبل التدخل الروسي العسكري في أوكرانيا، لم يتعاف العالم من التكاليف الاقتصادية لكوفيد، فضلا عن آثاره الاجتماعية والسياسية الأوسع. كانت اضطرابات الإمدادات منتشرة وارتفع التضخم إلى مستويات عالية بشكل غير متوقع. تم تشديد السياسة النقدية بشكل حاد. كان خطر الركود، الذي تفاقم بسبب التخلف عن السداد والاضطراب المالي، مرتفعا. يجب أن يضاف إلى ذلك التوترات المتزايدة بين الصين والغرب وسياساتهما المتباينة بشأن كوفيد.
باختصار، الحرب هي عامل مضاعف للاضطراب في عالم مضطرب أصلا. اقتصاديا، الحرب تعمل من خلال خمس قنوات رئيسة: ارتفاع أسعار السلع، اضطراب التجارة، عدم الاستقرار المالي، التأثير الإنساني، قبل كل شيء ملايين اللاجئين، واستجابة السياسات، ولا سيما العقوبات. كل هذه الأشياء تثير عدم اليقين.
في أحدث تقييم للاقتصاد العالمي، خفض صندوق النقد الدولي، كما هو متوقع، آفاق النمو الاقتصادي ورفع توقعاته بشأن التضخم للمرة الثانية على التوالي. بعد الحماس من الانتعاش السريع غير المتوقع من فترات الركود التي سببها كوفيد في 2020، بدأت خيبة الأمل. تم تخفيض توقعات النمو الاقتصادي العالمي هذا العام بمقدار 1.3 نقطة مئوية منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2021. بالنسبة للدول ذات الدخل المرتفع، خفضت التوقعات 1.2 نقطة مئوية وللدول الناشئة والنامية 1.3 نقطة مئوية. كما أن تقديرات المخرجات المحتملة أقل بشكل عام من توقعات ما قبل الجائحة.
أيضا تم رفع توقعات التضخم بشكل حاد. من المتوقع الآن أن يصل إلى 5.7 في المائة في الاقتصادات مرتفعة الدخل و8.7 في المائة في الدول الناشئة والنامية. كما أن هذا ليس مجرد نتيجة لارتفاع أسعار السلع الأساسية أو أي نقص آخر في الإمدادات. يصر جيسون فورمان من كلية كينيدي في جامعة هارفارد، أن هذا التضخم "مستمر ومدفوع بالطلب". كما كان الحال في السبعينيات، يمكن للطلب القوي أن يبقي دوامة الأسعار والأجور، حيث يسعى العمال إلى الحفاظ على مداخيل حقيقية. يجادل الصندوق، ضد ذلك، بأن النفط أقل أهمية بكثير مما كان عليه في السابق، وأن أسواق العمل قد تغيرت، والبنوك المركزية مستقلة. لكن التفاعل بين أخطاء السياسة وصدمات العرض قد لا يزال يوجد فوضى تضخمية مصحوبة بركود.
ليس من الصعب تخيل نتائج أسوأ بكثير من تلك التي اقترحها الصندوق في توقعه الأساسي، لأنه يفترض أن الحرب لا تزال مقتصرة على أوكرانيا، والعقوبات على روسيا لن تشدد أكثر، ولن يصل شكل أكثر فتكا من كوفيد، وتشديد السياسة النقدية متواضع، ولا توجد أزمات مالية كبيرة. يمكن لأي من هذه الآمال "في الواقع كثير منها" أن تنحرف عن مسارها.
من القضايا الكبرى بالنسبة لرفاهية الإنسان، إن لم يكن الاقتصاد العالمي، احتمال حدوث ضائقة مالية في الدول الناشئة والنامية، ولا سيما تلك التي تتضرر أيضا من ارتفاع أسعار السلع الأساسية. كما يشير تقرير الاستقرار المالي العالمي، فإن ربع مصدري ديون العملة الصعبة لديهم بالفعل التزامات تتداول عند مستويات متعثرة. يجب على الغرب الآن مساعدة الدول الناشئة والنامية المتضررة من الأزمات بشكل أفضل بكثير مما فعل خلال الحرب ضد كوفيد.
الجانب الإيجابي للكوارث الأخيرة هو أن الدكتاتورية المطلقة قد فقدت مصداقيتها. إن تركيز القوة في أيدي إنسان واحد غير معصوم من الخطأ يعد خطورة عالية في أحسن الأحوال، وكارثي في أسوأ الأحوال. نظام بوتين هو تذكير مزعج بما يمكن أن يحدث في مثل هذا الحكم. لكن محاولة شي جين بينج للقضاء على فيروس شديد العدوى وغير خطير بشكل خاص من بلاده هي علامة أخرى على ما قد تجلبه القوة المطلقة.
على عكس روسيا، تعد الصين قوة عظمى، وليست مجرد قوة متراجعة باستياء لا حدود له وقوة لها آلاف الرؤوس الحربية النووية. على أقل تقدير، سيحتاج الغرب إلى التعاون مع الصين في إدارة ديون الدول النامية.
الأهم من ذلك أننا بحاجة إلى السلام والازدهار وحماية الكوكب. لا يمكن تحقيق ذلك دون درجة معينة من التعاون. مؤسسات بريتون وودز هي في حد ذاتها نصب تذكاري لمحاولة تحقيق ذلك. قبل 25 عاما، كان كثيرون يأملون في أننا نسير على الطريق نحو ما تحتاجه البشرية. الآن، مع الأسف، نحن مرة أخرى على طريق منحدر إلى عالم يسوده الانقسام والاضطراب والخطر.
إذا لم تحدث صدمات أخرى، فيجب التغلب على الاضطرابات الحالية. لكن تم تذكيرنا بأن الصدمات الضخمة ممكنة وهي أيضا سلبية دائما. إذا لم نتمكن من الحفاظ على الحد الأدنى من مستويات التعاون، من غير المرجح أن يكون العالم الذي سنتشاركه عالما نريد أن نعيش فيه.