حان الوقت لربط التجارة بالقيم الأخلاقية

حان الوقت لربط التجارة بالقيم الأخلاقية

قامت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، بشيء مهم، وفي الأغلب لم يحظ بتغطية كافية في الأسبوع الماضي. لقد أعادت ربط التجارة بالقيم الأخلاقية.
في خطاب أمام المجلس الأطلسي في واشنطن، طالبت الوزيرة بإطار عمل جديد لنظام بريتون وودز، وتجديد مؤسسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين يعقدان اجتماعاتهما السنوية هذا الأسبوع.
كما أوضحت، أن الحرب الروسية - الأوكرانية، وعدم انضمام الصين للولايات المتحدة، وأكثر من 30 دولة آخرى في العقوبات المفروضة على روسيا، كانا نقطتان محوريتان للاقتصاد العالمي.
في المستقبل، لن تعود سياسة التجارة الأمريكية تتضمن مجرد ترك الأسواق دون إرشاد، بل بدلا من ذلك ستتمسك بمبادئ معينة من السيادة الوطنية والنظام القائم على القواعد إلى الأمن وحقوق العمل، على حد تعبيرها، لا ينبغي أن يكون هدف أمريكا "تجارة حرة فحسب، بل آمنة".
لا ينبغي السماح للدول باستخدام "مركزها في السوق في المواد الخام الأساسية، أو التكنولوجيات أو المنتجات لتكون لديها القدرة على تعطيل اقتصادنا أو ممارسة النفوذ الجيوسياسي غير المرغوب فيه". من الواضح أن ذلك كان إشارة إلى السياسات النفطية الروسية، لكن من الممكن أن تكون تتحدث ببساطة عن صناعة الرقائق التايوانية أو تكديس الصين للمعادن الأرضية النادرة، أو أثناء الجائحة، معدات الحماية الشخصية.
صاغت يلين كلمة جديدة لعصر ما بعد الليبرالية الجديدة: "دعم الأصدقاء". ستفضل الولايات المتحدة الآن "دعم الصديق لسلاسل التوريد لعدد كبير من الدول الموثوقة"، التي تشترك في "مجموعة من المعايير والقيم حول كيفية العمل في الاقتصاد العالمي". ستسعى أيضا إلى إنشاء تحالفات قائمة على المبادئ في مجالات، مثل: الخدمات الرقمية، وتنظيم التكنولوجيا، مشابهة لصفقة الضرائب العالمية في العام الماضي (التي قادتها).
إن الأمر لا يخص أمريكا وحدها، أو حتى أمريكا أولا، لكنها تعترف بوجود اقتصاد سياسي لا يمكن أن تكون فيه التجارة الحرة حرة بالفعل، إلا إذا كانت الدول تعمل بقيم مشتركة، وبمساحة لعب متساوية.
هذا أمر مختلف - وفي بعض النواحي الحاسمة، ليس كذلك - عن العصر الليبرالي الجديد الآخذ بالزوال. تم استخدام مصطلح "الليبرالية الجديدة" لأول مرة في 1938، في ندوة والتر ليبمان في باريس، وهي تجمع للاقتصاديين وعلماء الاجتماع والصحافيين ورجال الأعمال، الذين أرادوا إيجاد طريقة لحماية الرأسمالية العالمية من الفاشية والاشتراكية.
لقد كانت لحظة تتناغم مع وقتنا من نواح كثيرة. حيث كانت أوروبا ممزقة بسبب الحرب العالمية الأولى. عقد من السياسة النقدية السهلة حتى 1929 لم يكن قادرا على إخفاء التغييرات السياسية والاقتصادية الكبرى، التي خلقت انقسامات هائلة في المجتمعات. كما كانت أسواق العمل والهياكل الأسرية تتغير. أدت الجائحة والتضخم ثم الكساد الاقتصادي والانكماش والحروب التجارية إلى تدمير القارة اقتصاديا.
أراد الليبراليون الجدد إصلاح هذه المشكلات عبر ربط الأسواق العالمية. حيث اعتقدوا أنه إذا تم ربط رأس المال والتجارة عبر سلسلة من المؤسسات التي يمكن أن يعوم فوق الدول القومية الفردية، فمن غير المرجح أن ينزلق العالم إلى حالة من الفوضى.
لفترة طويلة، كانت هذه الفكرة ناجحة، ويرجع ذاك جزئيا إلى التوازن بين المصالح الوطنية وعدم خروج الاقتصاد العالمي عن السيطرة بشكل كبير. حتى خلال حقبة ريجان - تاتشر في الثمانينيات، كان لا يزال هناك حس بأن التجارة العالمية على وجه الخصوص ينبغي أن تخدم المصلحة الوطنية. كرئيس للولايات المتحدة، ربما كان رونالد ريجان تاجرا حرا، لكنه استخدم التعريفات الجمركية ضد اليابان، كما دعم السياسة الصناعية "كما فعلت، وتفعل، معظم الدول الآسيوية الأخرى وكثير من الدول الأوروبية".
في الولايات المتحدة، بدأ ذلك بالتحول خلال إدارة كلينتون، التي نظمت سلسلة من صفقات التجارة الحرة، التي بلغت ذروتها بدخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية في 2001، على أمل أن تصبح الدولة أكثر حرية مع زيادة ثرائها. وهذا، بالطبع، لم يتحقق. والآن، يعترف القادة في كل مكان بواقع مشكلة "عالم واحد، نظامان".
تقول يلين: إنها تأمل أن "لا ينتهي بنا الأمر بنظام ثنائي القطب"، لاسيما بالنظر إلى مدى انتفاع الصين نفسها من النظام الليبرالي الجديد. تعترف قائلة: "لكن المشاكل الحقيقية قد ظهرت. إذ تعتمد الصين من عدة نواح على الشركات المملوكة من قبل الدولة وتنخرط في ممارسات، أعتقد أنها تضر بشكل غير عادل بمصالح أمننا القومي". فسلاسل التوريد متعددة الجنسيات "بينما أصبحت فعالة للغاية وجيدة في تقليل تكاليف الأعمال، إلا أنها لم تكن مرنة". وتقول: إنه يجب معالجة كل من المشكلتين.
لا يختلف مفترق الطرق الحالي عن ذلك الذي واجه معتنقي الفكر الليبرالي الجديد، الذين صاغوا نظام بريتون وودز الأصلي. لم يبدأوا بفكرة عن الأسواق الحرة اقتصاديا، التي تعمل لمصلحتها الخاصة، لكن بدلا من ذلك بمشكلة إنسانية للغاية - كيفية إعادة جمع عالم مزقته الحرب لخلق مجتمع أكثر أمنا وتماسكا، حيث تكون الحرية والاستقلال والرخاء أمورا مضمونة. لم تتمكن الأسواق من القيام بذلك بمفردها. كانت هناك حاجة لقواعد جديدة.

هذا هو الوضع الذي نحن فيه الآن. قد يجادل المرء، كما سأفعل، أنه قد فات الأوان لتحول جذري. لقد تجاوزت الرأسمالية العالمية، على مدار الـ20 عاما الماضية على وجه الخصوص، الاهتمامات المحلية في بعض الدول القومية بشكل كبير جدا. الدول ذات الأطر السياسية والاقتصادية وحتى الأخلاقية شديدة الاختلاف لم تلتزم جميعها بنفس القواعد العالمية. في ظل هذه الظروف، تبدأ الأسواق العادلة والحرة بالانهيار.
لقد بدأت للتو عملية صياغة نظام بريتون وودز جديد. لكن القيم الأخلاقية التي تزعم الديمقراطيات الليبرالية التمسك بها هي بداية جيدة، إن حدث ذلك فعلا.

الأكثر قراءة