ما علاقة تقاعد كبار السن بالتضخم ؟
أخطأ الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت في القرن الـ19 عندما قال: الديموغرافيا ليست قدرا.
تعد الاتجاهات السكانية من العوامل القوية في الاقتصاد، حيث تؤثر في الازدهار العالمي، ونمو الدول الفردية وقوة التمويل العام. لكن حصر نجاح الدول والمناطق على توجهاتها في المواليد، الوفيات، والهجرة هو تبسيط مبالغ فيه.
أظهرت جائحة فيروس كورونا، أن التوقعات الواثقة في 2020 بحدوث طفرة في أعداد الأطفال خلال عمليات الإغلاق متبوعة بالخوف في 2021 من انخفاض عدد الأطفال خلال كوفيد، أن الاتجاهات الديموغرافية أقل استقرارا بكثير مما هو متصور في كثير من الأحيان. يمكن أن يكون للتغيرات الصغيرة في الخصوبة، والوفيات والهجرة آثار هائلة.
أخيرا، في 2014، كان التوقع الرسمي للحكومة البريطانية، هو أن يرتفع عدد سكان الدولة إلى 85 مليون نسمة بحلول 2028، من 67 مليون نسمة في 2020، لكن التكرار الحديث لمعدلات الوفيات المرتفعة ومعدلات المواليد المنخفضة خفض ذلك الرقم إلى 72 مليون نسمة فقط.
من السهل أيضا تشخيص اقتصاديات الديموغرافيا بشكل خاطئ، لاسيما أن المقارنات المستخدمة غالبا ما تكون بسيطة ومضللة. كثيرا ما يقال إن الاقتصاد الأمريكي أكثر ديناميكية، لأن الأمة أكثر شبابا من اليابان. في الـ19 عاما بين عامي 2000 و2019، نما الاقتصاد الأمريكي 46 في المائة، مقارنة بـ26 في المائة فقط في اليابان، لكن اليابان حققت معدلات نموها مع انخفاض عدد السكان في سن العمل، وكان معدل نمو نصيب الفرد لكل شخص يتراوح عمره بين 16 و64 عاما أعلى بـ5 في المائة من المعدل في الولايات المتحدة خلال الفترة نفسها.
من الواضح أن الاتجاهات الديموغرافية وعلاقتها بالديناميكية الاقتصادية أكثر تعقيدا مما توحي به بعض الإحصائيات البسيطة. إذ ترتبط معدلات النمو الإجمالية للدول ذات الدخل المتوسط والثرية ارتباطا وثيقا بالنمو السكاني، لكن مستويات المعيشة ليست كذلك.
على مدار الـ20 عاما المقبلة، بعض الاتجاهات واضحة. انخفاضات في معدلات الخصوبة، ما سيؤدي إلى تقلص عدد السكان الطبيعي في الولايات المتحدة، ونسبة أقل من طفل واحد يولد لكل امرأة في كوريا الجنوبية، والمخاوف العميقة بشأن الخصوبة في جميع أنحاء أوروبا، ستجعل تحقيق النمو الاقتصادي السريع المستدام أكثر صعوبة. ستزيد من عبء المستويات المرتفعة من ديون القطاعين العام والخاص على احتمالية تقلص عدد السكان، وستضغط على الحكومات لزيادة الضرائب لدفع الدخل الأكبر لاحتياجات الرعاية الصحية لكبار السن.
بعد 30 عاما من التراجع وسط بلوغ الصين لفئة دولة متوسطة الدخل، من المرجح أيضا أن يرتفع التفاوت العالمي مرة أخرى. سيكون ذلك مدفوعا بحقيقة أن المنطقة الوحيدة التي يتزايد عدد سكانها بسرعة هي أفريقيا جنوب الصحراء، أفقر منطقة في العالم. تشير توقعات الأمم المتحدة إلى أن واحدا من كل سبعة أشخاص تقريبا عاش في جنوب الصحراء في 2019، رقم يتوقع أن يرتفع إلى واحد من كل ستة بحلول 2030، وإلى واحد من كل ثلاثة بحلول نهاية القرن.
إذا كانت الصعوبات المالية العامة للدول الغنية، وسط تباطؤ النمو وزيادة التفاوت العالمي، هي عواقب محتملة نسبيا للاتجاهات الديموغرافية العالمية الحالية، فإن تأثير الشيخوخة في التضخم العالمي موضع خلاف أكبر.
في كتابهما "التغيرات الديموغرافية العظيمة" The Great Demographic Reversal، توقع المؤلفان تشارلز جودهارت ومانوج برادهان ارتفاعا مستداما في التضخم مع تقاعد أعداد كبيرة من سكان الاقتصادات المتقدمة وانتهاء عصر العمالة الرخيصة في الصين. تشير تجربة اليابان في الشيخوخة، إلى جانب الانكماش المعتدل المستمر، إلى أن النتائج ستكون أقل تأكيدا، خاصة وأن المجتمعات المسنة غير معروفة بالاستهلاكية المفرطة.
لذلك يمكن للعالم أن يتوقع نموا أبطأ إلى جانب انخفاض معدلات الخصوبة في الاقتصادات المتوسطة والمتقدمة، ومستويات دخل مشابهة لكل أسرة، وآثارا غير مؤكدة في التضخم. كما ستؤدي الفجوات بين مستويات المعيشة في الدول الغنية والفقيرة وتنامي عدد الشباب الإفريقيين إلى زيادة حوافز الهجرة، حيث تصبح التفاوتات أكثر وضوحا من أي وقت مضى.
سيؤدي هذا إلى خيارات صعبة في جميع أنحاء العالم. الدول الأغنى، التي سترحب بالمهاجرين وتدمجهم بنجاح، ستكون قادرة على تخفيف كثير من الضغوطات المالية الناجمة عن الشيخوخة. ستحاول دول أخرى تقديم حوافز مالية لزيادة معدلات المواليد، على الرغم من أن لديها أدلة ضئيلة على فاعليتها. ستكون هناك حاجة أيضا للتغيير الثقافي لتسهيل الحياة للآباء، لاسيما الأمهات. فحيثما يزداد طول العمر، سيصبح التقاعد المتأخر مهما أيضا.
الديموغرافيا ليست مصيرا اقتصاديا، بل إنها متغير متقلب للغاية ليكون هذا القول صحيحا، لكن لا يمكن تجاهلها أيضا. كما اقترح كنوت ويكسيل، الخبير الاقتصادي السويدين منذ أكثر من قرن مضى، وجوب أن يبدأ الاقتصاد بالديموغرافيا، لأنها تشكل إطارا للقضايا المهمة. لكن السياسات الواسعة ستحدد النجاح في بقية هذا القرن.