إلى أي اتجاه دفعت الجائحة معدل المواليد في الصين؟

إلى أي اتجاه دفعت الجائحة معدل المواليد في الصين؟
ولد 10.6 مليون طفل فقط في الصين في 2021. "خدمة الصين الإخبارية/جيتي"

قبل جائحة فيروس كورونا، كانت الصين مركز الانخفاض الحاصل في أعداد المواليد حول العالم - لكن وتيرة الانخفاض في معدلات المواليد تسارعت في العامين الماضيين عندما انتشر الفيروس لأول مرة.
انخفض معدل المواليد في الصين - وهو عدد المواليد لكل ألف شخص من إجمالي عدد السكان - بما يقل قليلا عن 30 في المائة بين 2019 و2021، وهو أكبر انخفاض في عامين منذ المجاعة الكبرى التي شهدتها البلاد بين 1959 و1961. ولد 10.6 مليون طفل فقط في الصين في 2021، وهو أقل رقم تم تسجيله منذ تولى الحزب الشيوعي السلطة في 1949.
قال جون ويلموث، رئيس شعبة السكان في الأمم المتحدة، إن الانخفاض في المواليد الذي تم الإبلاغ عنه في أواخر 2020 كان "غير منسجم مع التقلبات الموسمية المعتادة في الخصوبة"، ويعد "دليلا واضحا" على تأثير الجائحة في معدلات المواليد. لا يزال الاضطراب الناجم عن كوفيد- 19 محسوسا في مدن بما فيها شنغهاي حيث تم فرض الإغلاقات كجزء من سياسة صفر كوفيد التي تنفذها بكين.
وفقا لكثير من المحللين، كانت الصين تتأرجح على حافة الانحدار السكاني. عقود من القيود الصارمة على الإنجاب، إلى جانب انخراط النساء في التعليم العالي والعمل مقابل الأجر، أدت إلى تغيير المواقف تجاه تربية الأطفال.
قال داريل بريكر، مؤلف كتاب "الكوكب الفارغ "، الذي يناقش انخفاض عدد سكان العالم، "تواجه الصين كارثة خصوبة مطلقة في الوقت الحالي".
يحذر علماء السكان من أنه إذا لم يتم اتخاذ تدابير جذرية لعكس هذا الاتجاه، فقد ينخفض عدد سكان البلاد إلى النصف بحلول نهاية هذا القرن، أي من 1.4 مليار نسمة إلى 730 مليون نسمة، كما توقعت إحدى الدراسات المؤثرة التي أجرتها مجلة "لانسيت" العلمية. هذه الإحصاءات تسبب مشكلة سياسية لبكين: كيف ستدفع معاشات التقاعد المتزايدة والتكاليف الطبية المتزايدة لكبار السن من خلال المساهمات الضريبية للسكان في سن العمل الذين يتناقصون.
قال روري جرين، كبير الاقتصاديين المختص في الشؤون الصينية في شركة تي إس لومبارد للأبحاث في لندن، "سيؤدي انخفاض معدل المواليد إلى قلة أعداد العمال والمستهلكين الذين يسهمون في النمو الاقتصادي".
يقول خبراء إن حالات عدم اليقين فيما يتعلق بالصحة والاقتصاد التي نجمت عن الجائحة قد أجبرت الأزواج على تأخير قرار الإنجاب أو صرف النظر عنه تماما.
هناك انخفاض 12 في المائة في الزواجات، مع تسجيل 8.13 مليون زواج في 2020، وهو ما يحذر الخبراء من أن تأثيره سيكون كبيرا في معدل المواليد.
تواجه الصين أكبر زيادة في حالات كوفيد- 19 منذ عامين. فرضت المدن في جميع أنحاء البلاد، ومنها شنغهاي، إجراءات إغلاق محلية. قال يي فوكشيان، العالم البارز في جامعة ويسكونسن ماديسون، إن سعي الحكومة للوصول إلى حالات كوفيد صفرية سيؤدي إلى تفاقم انخفاض معدلات الخصوبة والزواج هذا العام. قال، "يخشى كثير من الأزواج الصغار في السن من الحمل بسبب صرامة إجراءات الإغلاق في الصين".
أضاف، "بدون أي تحذير مسبق، يمكن إغلاق المبنى الذي توجد فيه شقتك أو الحي بأكمله في حال ظهرت فيه أي حالة"، قائلا إن هذا يثير قلق النساء الحوامل اللاتي يحتجن إلى سهولة الوصول للرعاية الطبية.
لكن الانخفاض الحاد في أعداد المواليد بدأ قبل وقت طويل من انتشار الجائحة ويعود السبب في ذلك إلى تاريخ الصين في فرض إجراءات للسيطرة على عدد السكان، وفقا لعلماء السكان. إن سياسة الطفل الواحد التي أقرتها بكين منذ فترة طويلة - التي تم فرضها في 1980 للحد من عدد الأطفال الذين يمكن للأزواج إنجابهم إلى أقل من متوسط 2.1 اللازم للحفاظ على استقرار عدد سكان الدولة - قد أدت إلى انخفاض معدلات المواليد.
تخلت بكين عن سياسة الطفل الواحد في 2016، لكن ذلك لم ينعكس بالإيجاب على التدهور الديموغرافي - انخفض عدد الأطفال حديثي الولادة كل عام منذ ذلك الحين.
قال وانج فنج، الخبير في التغيير الديموغرافي في الصين في جامعة كاليفورنيا في إيرفاين في الولايات المتحدة، "لقد استجمعت هذه العاصفة البطيئة قوتها خلال الأعوام القليلة الماضية". وقال إن "الأثر التاريخي" الذي خلفته هذه السياسة يعني أن العائلات قد اعتادت على إنجاب طفل واحد فقط.
نتيجة لذلك، تتمتع معظم الأسر الصينية بهيكل أسري مكون من تسلسل 4- 2- 1 حيث يدعم الآباء الذين يفتقرون إلى الأشقاء مجموعتين من الأجداد وطفل واحد، كما قال يي، الذي ينتقد سياسة الطفل الواحد منذ فترة طويلة.
قال أيضا، "لقد تكيف المجتمع الصيني لينسجم مع هيكل الطفل الواحد".
وقال إن أسعار المساكن المتضخمة في البلاد والتعليم الباهظ في مرحلة الطفولة يرفعان من المستوى المعيشي لتكوين أسرة أكثر عددا، الأمر الذي يوجد حوافز اقتصادية قوية لإنجاب عدد أقل من الأطفال. أضاف يي، "إن العبء المترتب على رعاية أربعة أجداد يعني أن الأسر ليس لديها ما يكفي من المال لتربية أكثر من طفل واحد".
شياو جيه، معلمة في مدرسة ثانوية في مدينة يوتشو في مقاطعة خنان تبلغ من العمر 32 عاما، اكتشفت أخيرا أنها حامل بطفل ثان.
قالت شياو، "أشعر بالقلق من الضغوط المالية. تربية الطفل تكلف كثيرا من المال". أضافت، "إن العائلات العادية مثل عائلتي بشكل عام، التي تملك ما يكفي من المال فقط لتدبير أمورها، لا تريد إنجاب طفل ثان أو ثالث".
صناع السياسة حاولوا تعزيز معدلات المواليد. في العام الماضي، زادوا عدد الأطفال المسموح للأزواج بإنجابهم من طفلين إلى ثلاثة. وعرضوا حوافز للآباء الذين لديهم أكثر من طفل، بما في ذلك من خلال المدفوعات النقدية وإجازة الأمومة الممتدة.
لكن جهودهم ليس لها تأثير يذكر.
تقول ليا تشاو، وهي أم لطفل واحد من مدينة نانجينغ تبلغ من العمر 31 عاما، "لا يمكن لأي سياسة حكومية أن تقنعني بإنجاب طفل ثان. لأن عليك أن تضحي بكثير في سبيل الاعتناء بالطفل".
تشاو هي مثال عملي على هيكل الأسرة المكون من تسلسل 4- 2 -1 للأفراد. عندما ولدت في 1989، كانت واحدة من بين 24 مليون طفل ولدوا في الصين. لكن بحلول الوقت الذي أنجبت فيه طفلها الأول في 2020، كان عدد المواليد قد انخفض إلى النصف ليصل إلى 12 مليونا.
أيضا أشارت تشاو، التي كانت تعمل محاسبة في السابق، إلى العوامل الاجتماعية التي أدت إلى إحجامها عن إنجاب مزيد من الأطفال، فهي تخشى أن يؤدي ذلك إلى مواجهة صعوبة في العثور على عمل.
قالت، "سيفترض أصحاب العمل أنني أريد طفلا ثانيا أو أن المسؤوليات العائلية تعني أنني لا أستطيع العمل بجد واجتهاد".
وقالت إن صاحب عملها السابق كان يسأل المتقدمات للعمل عن حالتهن الاجتماعية وما إذا كن يخططن لإنجاب أطفال. أضافت، "لكنهم لا يطرحون هذه الأسئلة على المتقدمين للعمل من الرجال".
جادلت لو بين، وهي ناشطة نسوية صينية، بأن السياسات المصممة لزيادة معدل المواليد من خلال الحوافز النقدية فشلت في معالجة سبب إحجام النساء عن إنجاب مزيد من الأطفال. قالت لو، "عليك أن تتصدى للتمييز ضد الأمهات الشابات في أماكن العمل قبل أن تمنح الناس وعودا مؤكدة بأن ذلك لن يؤثر في حياتهم المهنية".
لكن بعض الخبراء يحذرون من أنه حتى مع تحقيق مساواة أكبر بين الجنسين فإن ذلك قد لا يكون كافيا لوقف التدهور الديموغرافي الذي تشهده الصين.
قال يي، "كان يطلب من النساء اللاتي في سن الحمل في الصين اليوم طوال حياتهن أن ينجبن عددا أقل من الأطفال". أضاف، "هذه العقلية المترسخة لدينا لا يمكن تغييرها بين عشية وضحاها من خلال سياسة الحكومة".

الأكثر قراءة