روسيا وأوروبا .. من يختنق أولا؟

رغم التصعيد الحاد بين موسكو من جهة وأوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى، ورغم التوتر بسبب الحرب القائمة بين روسيا وأوكروانيا، إلا أن الطاقة ما زالت تتدفق عبر شرايين الطاقة الروسية. إمدادات الطاقة قضية معقدة جدا بين روسيا ودول أوروبا، تحكمها عوامل اقتصادية وسياسية وجيوسياسية وغيرها، ومصالح ترتقي إلى أن تكون مصالح وجودية، لذلك نشاهد حاليا برغم الحرب الضروس الدائرة في أوكرانيا مع الدب الروسي إلا أن روسيا لم تقطع إمداداتها من الطاقة لأوروبا عبر أوكرانيا كذلك، وفي المقابل لم تستطع أوروبا الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية المختلفة وعلى رأسها الغاز بلا شك، فكما صرحت "كييف" أن أوروبا دفعت لموسكو نحو 37 مليار يورو كفواتير للطاقة خلال نحو 49 يوما من الحرب! ليس سرا أن الغاز على وجه الخصوص يعد سلاحا فتاكا تملكه روسيا وتستطيع استخدامه بصور عديدة وأوجه مختلفة كورقة ضغط سياسية واقتصادية، في المقابل أوروبا تعي ذلك تماما وأصبح واضحا للمطلعين على هذه القضية أن دول أوروبا تتحرك بجدية وبقوة نحو رسم استراتيجية للتخلص من موارد الطاقة الروسية. بعيدا عن إمكانية تنفيذ هذه الاستراتيجية ومدى واقعيتها إلا أن هذه الاستراتيجية أصبحت واقعا ملموسا وبدأت ملامحه تتشكل وتبرز يوما بعد يوم، وهذه الاستراتيجية قد يقابلها كما يرى البعض استراتيجية روسية موازية للمحافظة على حصتها السوقية في أسواق النفط للوصول إلى أسواق جديدة أو زيادة صادراتها لأسواقها القائمة بتقديم خصومات مغرية، وهو في رأيي خيار مستبعد نظرا لنجاح اتفاقية "أوبك +" والتزام الأعضاء بحصصهم الإنتاجية. لنضع الاستراتيجيتين كفرضية قابلة للصواب والخطأ، وقابلة للتطبيق من عدمه وأعني هنا استراتيجية أوروبا للتخلص الكلي أو الجزئي من موارد الطاقة الروسية، والاستراتيجية الروسية للمحافظة على صادراتها من النفط والغاز في حال خفضت أو توقفت أوروبا عن استيراد النفط والغاز الروسي، لنضع هاتين الاستراتيجيتين تحت المجهر لمعرفة العقبات التي ستواجه الطرفين في تطبيق هذه الاستراتيجية التي يمكن وصفها بـ"خطة طوارئ" لكلا الطرفين تحت ظروف استثنائية. روسيا في رأيي ستستمر في التزامها بتزويد عملائها بالنفط والغاز حفاظا على سمعتها كمصدر موثوق لإمدادات الطاقة، وفي المقابل ستلتزم في الغالب بما تم الاتفاق عليه في "أوبك +" الذي يصب في مصلحة جميع المنتجين والمستهلكين على حد سواء، ولا مجال هنا في هذا المقال لسرد دور هذا الاتفاق في استقرار أسواق الطاقة العالمية عند منعطفات خطيرة واجهت الأسواق العالمية. في المقابل أجد أنه من الصعوبة جدا أن تتوقف أوروبا عن استيراد النفط والغاز الروسيين كليا، خصوصا بعض الدول مثل ألمانيا التي تعتمد بصورة كبيرة على روسيا. لكن من المتوقع أن يتم وقف الاستيراد جزئيا في هذه المرحلة على أقل تقدير وهذا ما تعاملت معه "أوبك" استباقيا ووضحت أن انخفاض الإمدادات النفطية الروسية إن حدث فليس لـ"أوبك" دور فيه وليست مسؤولة عنه. كما ذكرت ملف الطاقة الروسي الأوروبي ملف شائك ومعقد، والعالم يراقب تبعات هذه الحرب التي تمتد آثارها إلى جل القطاعات العالمية ومنها بلا شك قطاع الطاقة، الذي يدار بحرفية عالية من قبل "أوبك" وحلفائها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي