صناعة اليخوت الفاخرة تبحر وسط أمواج عاتية في سوق قيمتها 30 مليار دولار

صناعة اليخوت الفاخرة تبحر وسط أمواج عاتية في سوق قيمتها 30 مليار دولار
أحد اليخوت التي صادرتها السلطات الفرنسية لإيجور سيتشين الملياردير الروسي. "أ.ب"
صناعة اليخوت الفاخرة تبحر وسط أمواج عاتية في سوق قيمتها 30 مليار دولار
تشير التقديرات إلى أن المبيعات قد بدأت بالفعل في التراجع بعد عامين من الازدهار نتيجة وباء كورونا.
صناعة اليخوت الفاخرة تبحر وسط أمواج عاتية في سوق قيمتها 30 مليار دولار
تشير التقديرات أن المبيعات قد بدأت بالفعل في التراجع بعد عامين من الازدهار نتيجة وباء كورونا.
صناعة اليخوت الفاخرة تبحر وسط أمواج عاتية في سوق قيمتها 30 مليار دولار
الأثرياء الروس يمثلون قوة رئيسة في مجال الطلب على اليخوت الفاخرة.

تقريبا، وبشكل شبه يومي، ستجد خبرا في وسائل الإعلام عن مصادرة الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية أو التي تشارك في فرض عقوبات على روسيا، يختا ضخما فاخرا يمتلكه أحد الأثرياء الروس الذين تقدر ثرواتهم بمليارات.
أغلب تلك اليخوت تبلغ قيمتها عشرات ومئات الملايين من الدولارات، وقد تمت مصادرتها في إطار العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على روسيا، تحديدا على الأثرياء الروس الذين ينظر إليهم خصوم موسكو على أنهم من أصدقاء أو أنصار أو داعمي النظام الروسي.
بالطبع حاول الأثرياء الروس أن تبحر يخوتهم الفاخرة بعيدا عن الموانئ البحرية الأوروبية أو الأمريكية التي ترسو فيها عادة، لتفادي قرارات المصادرة، لكن المؤكد أن كثيرين منهم خسروا يخوتهم إلى حين على الأقل، وستطلب عملية استرداداها معارك قانونية قد تمتد لأعوام، وبتكلفة مالية ضخمة تناسب قيمة تلك اليخوت الفاخرة، هذا إن لم تتعرض تلك اليخوت خلال أعوام التقاضي إلى الضرر نتيجة عدم صيانتها.
لكن تبعات مصادرة يخوت الأثرياء الروس لم تقف عند كونها مجرد إجراء عقابي يهدف إلى النيل منهم وإضعافهم ماليا، إنما الأكثر خطورة أن هذا الإجراء مثل طعنة حقيقية لصناعة اليخوت الفاخرة التي تقدر بمليارات الدولارات الأمريكية، حيث وصلت العام الماضي إلى أرقام قياسية، إذ أدت عمليات المصادرة إلى تأثيرات سلبية في المبيعات، ولا يعرف بشكل دقيق بعد إذا ما كانت ستنال من الإنتاج والمبيعات في الأجلين القصير والمتوسط، أم في الأجل القصير فحسب.
يرى المهندس مورجان ميلو من شركة "هانس لليخوت" التي تنتج عديدا من أنواع اليخوت من بينها اليخوت الفاخرة، الضربة الأولى التي تلقتها الصناعة تعود إلى إحجام الأثرياء الروس الذين يعدون من أبرز العملاء والقوى الشرائية في هذا المجال عن التقدم بأي طلبات جديدة.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن الأثرياء الروس يمثلون قوة رئيسة في مجال الطلب على اليخوت الفاخرة خاصة اليخوت الضخمة الفاخرة، وبعض التقديرات تشير إلى أن ما يراوح بين 9 و10 في المائة من الأسطول العالمي لليخوت الكبيرة الفاخرة يمتلكه الأثرياء الروس، حيث تعد ملكية اليخوت الضخمة دليلا على الثراء الفاحش والقدرة المالية التي يتمتعون بها، وتمنحهم الشهرة سواء لضخامتها أو فخامتها، إذ يجب الأخذ في الحسبان أن مالك اليخت ينفق سنويا 10 في المائة تقريبا من قيمة اليخت لصيانته وتشغيله".
ويضيف "منذ تعرض ممتلكاتهم للمصادرة توقفوا تماما عن شراء اليخوت بكل أنواعها، وقاموا بإلغاء أو تجميد الصفقات التي كان متفقا عليها أو محل نقاش أو التي كانت بالفعل قد دخلت حيز التنفيذ، ولا توجد أي توقعات بعودتهم خلال الأعوام الثلاثة المقبلة إلى السوق".
بالطبع نسبة 10 في المائة من ملكية الأثرياء الروس لليخوت الكبيرة الفاخرة نسبة لا يستهان بها، لكن الخطر الأكبر على صناعة اليخوت يعود من وجهة نظر البعض إلى أن مصادرة يخوت الأثرياء الروس أوجد شعورا لدى الأثرياء في العالم عامة بعدم جدوى شراء اليخوت الفاخرة في الوقت الحالي على الأقل، ومنح أنفسهم فرصة لمعرفة ما الذي سيؤول إليه المشهد قبل أن يكون عليهم التزام مالي ضخم بهذا الشأن، كما أن البعض ربما يعيد التفكير في مغبة الإقدام على استثمار عشرات الملايين من الدولارات في شراء يخت فاخر كبير يمكن مصادرته بهذه السهولة.
تشير تقديرات العاملين في الصناعة إلى أن المبيعات قد بدأت بالفعل في التراجع بعد عامين من الازدهار نتيجة وباء كورونا.
ولـ"الاقتصادية" تعلق كالورين جوف التي تعمل سمسارا في بيع اليخوت الفاخرة بالقول "خلال عامي وباء كورونا شهدت مبيعات اليخوت الفاخرة انتعاشا، إذ كانت تمثل للأثرياء فقاعة آمنة وممتعة ومنعزلة، فبينما يستمتعون فيها بالرفاهية مع عائلاتهم وأصدقائهم، فإنهم يشعرون فيها بالأمان أيضا بهربهم من التجمعات الحاشدة، حيث إمكانية الإصابة بوباء كورونا أكبر".
وتضيف "على الرغم من المصاعب التي واجهتها الصناعة خلال فترة الجائحة نتيجة إغلاق أحواض بناء السفن، وارتفاع تكاليف عديد من المواد الخام، وعدم القدرة على تمرير الارتفاع في الأسعار إلى المشترين نظرا إلى أن السلعة المبيعة مرتفعة السعر أساسا، إلا أن الصناعة كانت تعيش أوقاتا سعيدة".
ارتفاع أسعار الطاقة ربما يكون أيضا من ضمن العوامل التي ربما تحد من زيادة الطلب على اليخوت بأنواعها كافة في الوقت الحالي، فربما لا تكون تكلفة ملء يخت فاخر ضخم بالوقود أمرا مكلفا لصاحبه، لكن الأمر يختلف بالنسبة إلى مالكي اليخوت الصغيرة ومتوسطة الحجم، فتكلفة الوقود عنصر مهم في قرار الشراء.
تكشف الأرقام طبيعة الأوقات السعيدة التي عاشتها صناعة اليخوت الفاخرة في الفترة الممتدة من 2020 حتى الحرب الروسية في أوكرانيا، وما تلاها من هجمة أوروبية أمريكية لمصادرة يخوت الأثرياء الروس، فقبل اندلاع الحرب قدر الطلب العالمي على اليخوت بـ1024 يختا قيد الإنشاء أو تحت الطلب بزيادة قدرها 25 في المائة تقريبا عن 2021 حيث بلغ الطلب 821 يختا فاخرا، وكان من المقدر أن يتم بناء أكثر من 40 كيلومترا من اليخوت العملاقة وإطلاقها وتسليمها من 2021 إلى 2026.
لكن بالنسبة إلى لويس داندوا الصحافي في دورية "سوبر يخت تايمز" المتخصصة في أخبار اليخوت فإن تلك الأرقام باتت الآن جزءا من الماضي، ولا يتوقع أن تتحقق هذا العام، وربما في الأعوام الثلاثة المقبلة في أفضل تقدير.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "نحن في مواجهة أوقات صعبة لصناعة تبلغ قيمتها السنوية أكثر من 30 مليار دولار، والقضية لا تتعلق فقط بتراجع الطلب، بل أيضا باحتمال انخفاض القدرة الإنتاجية للصناعة ذاتها، فالاتحاد الأوروبي حظر استيراد منتجات الصلب من روسيا، ومن المحتمل أن يؤثر ذلك في صناعة اليخوت، فروسيا ثالث أكبر مصدر للصلب في العالم، وتصدر الفولاذ إلى أكثر من 130 دولة على مستوى العالم، وعديد من بناة اليخوت الفاخرة يعتمدون على الفولاذ في بناء اليخوت كبيرة الحجم، ليس فقط للبنية الفوقية، لكن أيضا للعناصر الميكانيكية والتقنية للسفينة، وسيكون لذلك تأثير كبير في صناعة اليخوت الفاخرة الكبيرة".
مع هذا يأمل بعض الخبراء ألا تطول أزمة صناعة اليخوت الفاخرة كثيرا، وسط توقعات بأن تنتعش سوق بيع اليخوت الفاخرة المستعملة، إذ يتوقع أن ينخفض الإنتاج، وألا تستطيع أحواض بناء السفن مواكبة المشكلات الراهنة الناجمة عن الارتباك في سلاسل التوريد العالمية.
كما أن الأنباء الواردة من الصين بشأن إغلاق مدينة شنغهاي وتأثير ذلك في عديد من المستلزمات التي تستخدم في صناعة اليخوت يؤثر في الصناعة، ما يرجح إمكانية انخفاض العرض بصورة أكبر من الطلب، وبقاء الأسعار مرتفعة في سوق اليخوت الفاخرة المستعملة.

الأكثر قراءة