الأزمة الروسية - الأوكرانية والقبعات الأمنية «1 من 2»

منذ اندلاع الأزمة الروسية - الأوكرانية، أصبحت قبعات الأمن المتمثلة في الطاقة والغذاء وغيرهما حديث العالم، خصوصا مع رفع حدة العقوبات على روسيا، وعدم انتهاء الحرب الدائرة، ما وضع أغلب الدول في اختبار حقيقي بإيجاد البديل. وأخذت وسائل الاعلام في تداول موضوع الأمن ودراسة إدارة المخاطر والحلول للوقوف مجددا، بل البحث عن بديل فوري لكن سيكون مكلفا ومرهقا لاقتصادات هذه الدول، نظرا لأن الحدث مفاجئ. لقد انتشر مفهوم الأمن في مرحلة سباق التسلح والانتشار النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إبان الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة في ثمانينيات القرن الماضي، حيث عمل كل من الدولتين على زيادة التسليح لحفظ أمنه القومي. أو بمعنى آخر، ارتكز مفهوم الأمن آنذاك على أمن الدولة فقط ضد التهديدات العسكرية الخارجية المحتملة. بيد أن الشواهد التاريخية أثبتت أن الأمن يأخذ أبعادا كثيرة مثلما قال روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي ورئيس البنك الدولي الأسبق، في كتابه "جوهر الأمن" وأكد أن الأمن لا ينطوي فقط على الأبعاد العسكرية، بل على أركان التنمية الشاملة، وكأنه يرمي إلى مفهوم الاستدامة الشاملة بكل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وعليه - والحديث إلى مكنمارا - دون تنمية لا يوجد أمن والدول التي لا تنمو ستكون غير آمنة. وبعدها اتسع مفهوم الأمن القومي ليضم مفاهيم جديدة، مثل الأمن الغذائي والمائي والبيئي وأمن الطاقة وغيرها. والتصقت مفاهيم الأمن عموما بأمن العرض أو المعروض واعتمادية سلاسل الإمداد وتوافرها سواء داخل البلاد أو خارجها بأسعار مناسبة، أو إدارة المخاطر وسبل تجنب الخطر والحلول المناسب لها، أو لكليهما معا.
ففي أمن الطاقة، يتمحور المفهوم في تأمين المعروض من الوقود التقليدي في الأسواق سواء البترول أو الغاز الطبيعي ولا يتحقق أمن الطاقة إلا في حال توافر موارد الطاقة بأسعار مناسبة ودخلت الطاقة المتجددة والنووية في سياق أمن الطاقة. وعكست الأزمة الروسية - الأوكرانية ضعف أمن الطاقة، خصوصا على دول الاتحاد الأوروبي، ولهذا السبب رأينا القفزات السريعة في أسواق الطاقة، ما يهدد أمن الطاقة لدى دول الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال. وبالمثل يقترن الأمن المائي بتوافر كمية من الماء المقبول والكافي والمطابق لمعايير الصحة ومتطلبات الحياة العامة، وبالطبع يقع الأمن المائي تحت سلة من المخاطر، مثل الجفاف والتلوث وغيرهما التي تدرس كي يفصل ما بين المقبول والملائم ويستحق تدخلا لتأمين مصادر المياه. وتتم دراسة سلاسل الإمداد المختلفة سواء تحلية المياه أو المياه الجوفية المتجددة وغير المتجددة، إضافة إلى خطوط النقل وخزانات المياه الاستراتيجية لضمان الأمن المائي. وفي جانب الأمن الغذائي، أفرزت تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية نقصا في مخزون الغذاء على العالم مثل القمح وزيت دوار الشمس والذرة والشعير التي تتميز بها روسيا وأوكرانيا معا، ولقد حذرت الأمم المتحدة من أن الحرب قد تطول العالم في أزمة غذاء حادة. ولذلك يرتبط الأمن الغذائي بسلاسل الإمدادات الغذائية وحصول الأفراد على غذاء كاف من أجل حياة صحية وفعالة، ويلتصق هذا المفهوم برسم تدابير واضحة للتكيف مع أي خلل مستقبلي أو عدم وفرة الإمدادات الغذائية الناجمة عن مخاطر متنوعة. وأخيرا يرمي الأمن البيئي إلى تمحيص التهديدات التي تشكلها الأحداث والتوجهات البيئية وعلاجها بما يحقق السلامة والاستدامة البيئية... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي