رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ارتباك سلاسل التوريد الهشة

ترتفع الضغوط على الحراك الاقتصادي أكثر فأكثر، مع استفحال الوضع الصحي في مدينة شنغهاي الصينية، التي تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد، والجهة الناشطة على الصعيد التجاري على مستوى العالم. إغلاق المدينة ومينائها الضخم، أضاف مزيدا من المخاطر على سلاسل التوريد، التي تعاني في الأساس ضغوطا كبيرة متأثرة بتبعات جائحة "كورونا"، وما تركته على الساحة الاقتصادية بشكل عام، إضافة إلى الحرب الروسية - الأوكرانية السائرة في طريق لا أحد يتوقع نهاية له في هذا الوقت بالذات. وعلى مدى عامين على الأقل اهتزت سلاسل التوريد بقوة إلى درجة أن الجهات الاقتصادية الدولية، أطلقت المناشدة تلو الأخرى لكل الدول من أجل ألا تتخذ قرارات تقيد صادرات السلع، ولا سيما الغذائية منها، فهذه المشكلة رفعت بالفعل من وتيرة الحمائية، خصوصا أن العالم لم ينته بعد من الآثار الاقتصادية لـ"كورونا".
الأزمة المخيفة، التي تعيشها شنغهاي، تتفاقم مع إجراءات من قبل القيادة الصينية هي الأقوى منذ أن انطلقت شرارة الوباء العالمي. وهذه الإجراءات أو القيود أدت بالفعل إلى شبه إغلاق ميناء المدينة الذي يتصدر قائمة أكبر موانئ الحاويات في العالم، ولا ترى الحكومة في بكين أي مخرج آخر قبل أن تتأكد نهائيا من السيطرة على الموجة الجديدة الواسعة من "كورونا". صحيح أن عدد الوفيات من جراء هذه الموجة يساوي صفرا تقريبا، إلا أن الإصابات والخوف من وصولها إلى مناطق أخرى من البر الصيني، لم يتركا مجالا أمام السلطات المختصة سوى حجر شامل على هذه المدينة النشطة تجاريا. ماذا حدث إلى الآن؟ انخفض حجم أعمال الشركات 50 في المائة، وهذه النسبة مرشحة للارتفاع طالما بقي الوضع على ما هو عليه.
من هنا تأتي الضغوط على الاقتصاد العالمي ككل، خصوصا إذا ما عرفنا أن ميناء شنغهاي يوفر 17 في المائة من الحمولة البحرية الصينية. الذي يحدث حاليا بفعل ما يجري في هذه المدينة، أن شاحنات النقل الثقيلة متوقفة، لأن أي سائق لأي شاحنة يدخل المدينة عليه أن يحجر نفسه لمدة أسبوعين، الأمر الذي أضاف نقصا كبيرا في عدد السائقين، وزاد بالتالي تكدس الحاويات في الميناء، فضلا عن وقوف مئات السفن في عرض البحر قبالة شنغهاي بحمولتها، التي لا يمكنها تفريغها. والمشكلة انتقلت على الفور إلى الساحة العالمية التي تعاني بقوة ارتباكا خطيرا في الإمدادات وحركة التجارة. ولذلك بدأت التحذيرات العالمية من مغبة استمرار الوضع المتدهور في المدينة الصينية، والمطالبة بالتحرك من أجل سد النقص أو بعض منه.
وهذا النقص الموجود أصلا على الساحة الدولية، أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم على المستوى العالمي، إلى درجة أن بلدانا متقدمة بدأت طرح برامج دعم عبر توزيع كوبونات الإعانة، كما يحدث عادة خلال أوقات الحروب. أمام هذا المشهد، وفي ظل توقف شبه تام لحركة النقل والشحن عبر شنغهاي، تبحث بعض المصانع عن موردين جدد يمكنهم سد هذا النقص الطارئ على الأقل في الوقت الراهن. فالتأخير في التسليم صار منذ أن توقف عمل شنغهاي هو السائد على الساحة، بما في ذلك بالطبع شحنات المبيعات عبر منصات التجارة الإلكترونية. بخلاف النقص المتصاعد في توريد المواد الأولية للمصانع، خصوصا تلك التي تعمل في المدينة المصابة. هذا الحدث المتفاعل، يطرح أسئلة لا تتوقف حول الحراك التجاري العالمي على المدى القصير، والأجوبة كلها مرتبطة في النهاية بمدى سرعة السلطات الصينية في احتواء الموجة الجديدة من "كورونا" في مدينة تمثل محورا رئيسا في الحراك التجاري الدولي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي