العالم في حاجة إلى مواجهة حقيقة الأموال القذرة
في عطلة الربيع عندما ذهبت إلى التزلج في كولورادو الأسبوع الماضي، وجدت مدينة أسبن تعج بالحديث عن رومان أبراموفيتش. في حين أنه نادرا ما شوهد الروسي الثري في المنتجع في الأعوام الأخيرة، تنتشر التكهنات بين أوساط أصحاب العقارات المحليين بأن العقارات التي تبلغ قيمتها 50 مليون دولار ويمتلكها أبراموفيتش هناك، ستصادرها السلطات الأمريكية إذا قررت فرض عقوبات أكثر صرامة على الروس الأثرياء كعقاب على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ما يجعل استهداف ممتلكات أبراموفيتش في أسبن أمرا سهلا هو أنها مسجلة على ما يبدو تحت اسمه الخاص. وهذا يجعل الأمر نادر الحدوث، فعادة ما يتم الاحتفاظ بالأصول المتألقة التي يمتلكها الروس الأثرياء باسم شركات وهمية مجهولة الهوية أو من قبل أشخاص يعملون واجهات لأعمالهم. هذا بالطبع يجعل من الصعب على المسؤولين الحكوميين تحديد الأصول أو مصادرتها دون عملية قانونية مطولة. "يجب على أبراموفيتش أن يطرد محاسبه"، كما قال صاحب عقارات محلي ساخرا.
في أوروبا، يمكن القول إن المشكلة مستعصية بشكل أكبر، حيث إن شبكات الشركات يمكن أن تنتشر عبر حدود متعددة. تشير تقديرات الباحثين في كلية كوبنهاجن للأعمال إلى أن مبلغ الأموال المحجوزة في الملاذات الضريبية الخارجية يساوي 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. يشير الباحثون إلى أن "النخب الروسية تخفي نسبا أكبر بكثير من ثروتها في الخارج مقارنة بالدول الغربية الكبرى".
حتى الآن، هذا أمر شائن للغاية. لكن هنا سؤال رئيس للمحاسبين والمسؤولين الماليين وعلماء الأنثروبولوجيا، هل يمكن أن يكون هذا النمط على وشك التغيير نتيجة للأزمة في أوكرانيا؟
في النهاية، كانت هذه الهياكل المالية في العقود الأخيرة مصدرا للتنافر الثقافي والمعرفي الغربي. تصرف المحترفون الماليون والسياسيون في كل من الولايات المتحدة وأوروبا كما لو كان من الطبيعي جدا أن تتنقل كميات هائلة من الأموال تحت أسماء مستعارة. كانت الشركات الوهمية، لاقتباس مفهوم محبوب من قبل علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية، منطقة "صمت اجتماعي" كبيرة، وهي بقعة ثقافية عمياء لا يلاحظها أحد لأنها مألوفة تماما للمطلعين الذين ليس لديهم حافز يذكر لمواجهة الوضع الراهن.
لكن الآن هناك ثلاثة عوامل على الأقل يمكن أن تكشف هذا الوضع. أولا، في محاولة فرض عقوبات على الروس الأثرياء، تضطر الحكومات الغربية للبحث في المجهول. ثانيا، حتى قبل أن تبدأ الأزمة في أوكرانيا، كانت المجموعات متعددة الأطراف مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقوم بحملات لضخ مزيد من الشفافية في الملاذات الضريبية.
العامل الثالث لتحدي هذا الصمت الاجتماعي هو الإنترنت. قد يأتي هذا، مثلا، من خلال تسريبات البيانات مثلما حدث عندما تم تسليم ما يسمى بأوراق بنما لاتحاد من الصحافيين قبل بضعة أعوام. لكن قواعد البيانات الرقمية تزداد أهمية أيضا.
من الأمثلة على ذلك منصة أوبن كوربوريتس. تم إنشاؤها قبل عقد من الزمن من قبل كريس تاجارت، الصحافي والجاسوس الرقمي البريطاني، لاستخراج البيانات المتعلقة بكيانات الشركات من جميع السجلات العامة في العالم. يوجد في الموقع الآن معلومات عن 200 مليون كيان، ويأمل تاجارت أنه من خلال تجميع المعلومات في مكان واحد، سيكون من الأسهل بكثير تحديد ما يجري.
مع الأسف، لا يزال من الصعب تحقيق الشفافية على نطاق واسع لأن عددا قليلا جدا من الدول لديها سجلات "ملكية الانتفاع" يمكن لعامة الشعب الوصول إليها، وسجلات توضح من يمتلك حقا أصول الشركات المجهولة. يبدو هذا غريبا جدا نظرا إلى أن الاتحاد الأوروبي قد تبنى سابقا توجيهات لإنشاء سجلات "ملكية الانتفاع" بالغة الأهمية هذه. لكن بينما أنشأت المملكة المتحدة ولاتفيا قواعد بيانات عامة "كانت أوكرانيا، على حسب قولها، تحاول فعل ذلك العام الماضي"، تحتفظ دول مثل إسبانيا بسجلاتها سرية، ودول مثل ألمانيا وأيرلندا لا تنشر البيانات بشكل يمكن قراءته آليا "وهو أمر ضروري لمعالجتها"، وفرنسا تنشر بيانات جزئية فقط.
إن مجموعات مثل شركة "كيه بي إم جي" للمحاسبة، تلقي باللوم في هذا التباطؤ على مخاوف بشأن "خصوصية البيانات". لكن المشكلة الحقيقية هي أن الحكومات والمؤسسات المالية الغربية كانت في كثير من الأحيان "مشاركة متحمسة" في المخططات التي تسمح للروس الأثرياء وغيرهم بإخفاء مكاسبهم غير المشروعة في الخارج، كما لاحظ العالم السياسي دارون أسيموجلو في مقالة حديثة له.
في كلتا الحالتين، كما يشير تاجارت، هذا الغموض يجعل من "المستحيل على الصحافيين تحليل عدد الشركات الألمانية التي يسيطر عليها الروس الأثرياء. أو أن تقوم المنظمات غير الحكومية لتحليل شبكات الشركات التي أنشأتها الشركات الروسية الكبرى". الشركات أيضا غير قادرة على تحديد الموردين والعملاء الذين ينبغي لها وقف التعامل معهم.
لذلك دعونا نأمل أن تكون مجموعة العقوبات الآن بمنزلة حافز لإجبار جميع حكومات الاتحاد الأوروبي في النهاية على تنفيذ توجيهاتها الخاصة بشأن ملكية الانتفاع، وأن تحذو الولايات الأمريكية حذوها. هذا في حد ذاته لن يحل مشكلة الفساد التي غذت الحالة السامة الحالية لروسيا. لكنها ستكون إحدى الطرق للبدء بمعالجة هذا الصمت الاجتماعي. عالم غريب الذي يشعر فيه سماسرة العقارات في أسبن بالصدمة لأن العقار في المنطقة الثلجية الذي تبلغ قيمته 50 مليون دولار مسجل باسم المالك الروسي "الحقيقي". من أجل أوكرانيا، والاقتصاد العالمي الأوسع، يجب أن يتغير هذا.