أزمة الديون قلق آخر في عالم يسوده القلق

أزمة الديون قلق آخر في عالم يسوده القلق

شهد العامان الماضيان بعض الادعاءات الواهية بشأن مخاطر أزمة الديون الوشيكة بين الدول النامية ذات الدخل المنخفض، لكن هذه المخاوف تستحق أن تؤخذ على محمل الجد الآن.
حتى قبل أن تدخل الأحداث في أوكرانيا تهديدا جديدا لمستوى الرغبة في المخاطرة بين المستثمرين العالميين، بدأت الضربة المزدوجة من السياسة النقدية الأمريكية المتشددة والانخفاض الحاد في نمو التجارة العالمية في تقييد قدرة الدول منخفضة الدخل على حيازة الدولار. كلما طال ارتفاع التوتر الجيوسياسي، زاد عمق تلك المشكلة.
ظهرت مخاوف من أزمة ديون فورية بمجرد ظهور الجائحة في أوائل 2020. كان الرأي أن كثيرا من الدول النامية ببساطة لن يكون لديها النقد الأجنبي لخدمة ديونها. كان هذا النوع من القلق آنذاك في غير محله لثلاثة أسباب.
أولا، أدى التخفيف الكبير في السياسة النقدية من الاحتياطي الفيدرالي إلى إبقاء أسواق رأس المال مفتوحة لمقترضي الأسواق الناشئة من خلال دعم الرغبة في المخاطرة على مستوى العالم. ثانيا، ساعد الحافز المالي الضخم لوزارة الخزانة الأمريكية على توليد طفرة في التجارة العالمية. ثالثا، دعم صندوق النقد الدولي الاستقرار المالي في الدول النامية من خلال مدفوعات الطوارئ، وقبل كل شيء، من خلال إصدار حقوق سحب خاصة بقيمة 650 مليار دولار في العام الماضي، وهي أصل احتياطي متعدد العملات.
مع ذلك، البيئة الخارجية التي تواجه الدول النامية منخفضة الدخل تتدهور بسرعة. من المؤكد أن تشديد السياسة النقدية الأمريكية سيؤدي إلى إضعاف رغبة المستثمرين بالمخاطرة تجاه الأسواق الناشئة. أظهرت أزمات الديون في الثمانينيات كيف أن الاستقرار المالي في الدول النامية مهدد عندما تواجه الولايات المتحدة مشكلة تضخم خاصة بها يتعين عليها التعامل معها.
في الوقت نفسه، بدأ نمو التجارة العالمية في الانخفاض بشكل حاد في الجزء الأخير من 2021 - وهي أنباء مروعة للدول التي تعتمد على مثل هذا النمو لتحقيق إيرادات من النقد الأجنبي.
يحدث كل هذا في ظل خلفية تدهورت فيها بعض المقاييس المهمة للجدارة الائتمانية للدول النامية إلى مستويات مقلقة. في الدول النامية المصنفة B، مثلا، عاد متوسط نسبة الدين الخارجي إلى الصادرات إلى أكثر من 200 في المائة، وهو مستوى شوهد آخر مرة في أواخر التسعينيات. بالمثل، فإن حجم عائدات صادرات هذه الدول التي يتم استهلاكها من خلال خدمة مدفوعات الديون الخارجية عاد أيضا إلى ما يزيد على 25 في المائة، وهي قيمة لم نشهدها أيضا منذ عقدين.
بدأت السوق بالفعل في القلق بشأن الجهات السيادية المصنفة B، بمعنى أن الأشهر القليلة الماضية قد شهدت زيادة ملحوظة في علاوة المخاطر بالنسبة إلى الدول الأكثر جدارة ائتمانية. لكن هناك مساحة كبيرة لتعميق هذه المخاوف.
الارتفاع الحالي في أسعار السلع الأساسية هو من حيث المبدأ نبأ سار للدول النامية ذات الدخل المنخفض، وكثير منها من الدول المصدرة للسلع الأساسية. لكن لا يكفي في بعض الحالات تعويض الانهيار الأخير في الرغبة بالمخاطرة.
من الواضح أن فروق الائتمان للدول المستوردة للسلع الهشة قد اتسعت بشكل ملحوظ منذ 24 شباط (فبراير)، بداية الحرب. مع ذلك، هناك أيضا بعض مصدري السلع الهشين الذين تضرروا من تفادي المخاطرة.
سبب آخر لارتفاع مخاطر التخلف عن السداد بين الدول النامية منخفضة الدخل يتعلق بصندوق النقد الدولي نفسه. في المرة الأخيرة التي عانت فيها الدول النامية أزمة ديون نظامية، في ثمانينيات القرن الماضي، كانت وجهة نظر صندوق النقد الدولي حول دوره تتمثل بشكل أو بآخر في الحفاظ على تدفق المدفوعات الدولية. بعبارة أخرى، كان سلوكه مراعيا للدائنين بشكل أساس، ما وضع عبء التكيف على عاتق الدول نفسها للتحكم في نمو الإنفاق المحلي من خلال تقليص الإنفاق من أجل خدمة الديون الخارجية.
مع ذلك، من المنطقي في هذه الأيام وصف صندوق النقد الدولي بأنه مؤسسة مراعية للمدينين. يبذل الصندوق بعض الجهود الجادة لتشجيع مجموعة العشرين على المضي قدما في تقديم تخفيف للديون للدول منخفضة الدخل تحت مظلة إطارها المشترك الذي تم الإعلان عنه في أواخر 2020. حاليا هناك ثلاث دول فقط - تشاد وإثيوبيا وزامبيا- تقدمت بطلب لتخفيف أعباء الديون بموجب هذا الإطار، ويريد صندوق النقد الدولي مزيدا من المشاركة. بما أن الأمور على ما هي عليه، فقد يحصل الصندوق على رغبته.
وبما أن الإطار المشترك يتطلب من الدائنين من القطاع الخاص المشاركة بشروط مماثلة مع مجموعة العشرين، يبدو أن التخلف عن السداد لدائني القطاع الخاص من المقرر أن يزداد. ربما هذا ليس شيئا سيئا، إذا لم تستطع دولة ما سداد ديونها، فإن تخفيف الديون مناسب تماما. يجدر بنا الإشارة إلى أن الدائنين من القطاع الخاص يميلون إلى أن تكون لديهم ذاكرة قصيرة، ما يسمح للدولة المتعثرة بالعودة بسرعة إلى أسواق رأس المال الدولية. لكن التخلف عن سداد الديون في الأغلب ما يكون فوضويا - وهو أمر آخر يدعو إلى القلق في عالم مليء بالقلق.

رئيس اقتصاديات الأسواق الناشئة في "سيتي"

الأكثر قراءة