رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


السندات والفائدة .. رهانات متغيرة

عندما يقرر البنك الفيدرالي الأمريكي تحديد سعر الفائدة فعادة ما يكون مؤشر التضخم أهم وأبرز المؤشرات التي على أساسها يتم اتخاذ القرار برفع أو تخفيض أو عدم تعديل سعر الفائدة.
وفي آخر اجتماع لـ"الفيدرالي" تم رفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2018، ومن المتوقع أن تكون هناك عدة زيادات أخرى، بواقع ربع نقطة حتى نهاية عام 2022.
ولقد كانت سياسات "الفيدرالي" معروفة بنسبة كبيرة ويمكن التنبؤ بها، لأنها تقوم على أساس قياس مستويات التضخم فإذا تجاوز التضخم مستوى 2 في المائة تقريبا، فإن البنك يقدم على رفع سعر الفائدة، لكن الوضع اختلف قليلا هذه المرة، فقد تجاوزت أسعار التضخم هذه النسبة القياسية بمراحل، ومع ذلك ظل "الفيدرالي" متأرجحا حول الزيادة أو البقاء عند أسعار فائدة منخفضة، ذلك أن حالة عدم اليقين شائعة بشكل لم يسبق له مثيل مع بقاء شبح الحرب وشبح انتشار فيروس كورونا.
لكن "الاحتياطي الفيدرالي" حسم الأمر أخيرا برفع سعر الفائدة عندما تأكد أن التضخم ليس مشكلة عابرة، ولقد تجاوبت أسعار الفائدة في كثير من الدول حول العالم مع قرار رفع سعر الفائدة الأمريكية، فقرر بنك إنجلترا رفع أسعار الفائدة أيضا 0.25 في المائة، لتصل إلى 0.75 في المائة، محققة أعلى مستوى لها منذ آذار (مارس) 2020، وفي الاتجاه نفسه قررت البنوك المركزية الخليجية رفع سعر الفائدة بواقع 25 نقطة أساس ليصبح 1.25 في المائة.
ورغم رفع الفائدة فإن البنك المركزي الأمريكي بحسب التقارير غير واثق بأن التضخم سيستجيب بسبب اختلالات العرض والطلب نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة، ونتائج ضغوط الحرب الروسية – الأوكرانية على الأسعار، لكنه مع ذلك يأمل في أن يتسبب الخوف المنتشر في هروب المستثمرين نحو شراء سندات الخزانة الأمريكية، والمراهنة على أسعار الفائدة، كما أن ارتفاع الفائدة يخفف من زخم القروض الاستهلاكية، ويعزز الادخار وهذه العوامل ككل قد تحجم التضخم أو على الأقل تخفف من تسارعه.
لكن المشكلة أن هذا التحليل مبني على أساس العلاقات المنضبطة بين النمو الاقتصادي وسعر الفائدة، وكذلك بين سعر الفائدة والتضخم، وهذه العلاقات تقوم على فرض مشهور وهو ثبات العوامل الأخرى عند القياس، لكن الأدلة والتقارير كلها تشير إلى حجم الاضطراب في أوساط المستثمرين نتيجة الحرب، والعقوبات الناتجة عن ذلك، والضغوط في أسواق السلع جميعها تجعل من الصعب قبول افتراض ثبات العوامل الأخرى عند التنبؤ وفقا للنموذج الاقتصادي وتغيير سعر الفائدة، وهذا هو السبب الذي جعل "الفيدرالي" يتأخر كثيرا في تغيير سعر الفائدة رغم تجاوز التضخم مستوى 2 في المائة، فالعوامل الأخرى تلقي بظل أكبر من عدم اليقين.
ووفقا لتقارير نشرتها "الاقتصادية" نهاية الأسبوع الماضي فقد اتضح أن البيئة معقدة بالفعل، حيث يشير عدد من المختصين في صناديق استثمارية عالمية أن هذا ليس توترا عاديا منتشرا بل هو على النقيض من المخاطر التي يمكن قياسها من خلال التحليل الإحصائي، فعدم اليقين غير قابل للقياس، ويمثل الأمور المجهولة التي لا يمكن معرفتها، وتغييرات النظام تكون مفاجئة في الاقتصاد والأسواق المالية، وبالتالي فمن المحتمل أن تسير الأمور على نحو خاطئ بشكل كارثي.
وحتى الآن يشير سلوك المستثمرين إلى صحة تكهنات "الفيدرالي" ذلك أن هذه الأوضاع الاستثمارية القلقة شأنهما أن تبقي الرهان على أسواق السندات عاليا جدا، فرئيس أبحاث الدخل الثابت في مصرف "إتش إس بي سي"، حدد هدفه على عوائد سندات الولايات المتحدة لأجل عشرة أعوام إلى 2 في المائة، بارتفاع من 1.5 وأضاف أيضا نصف نقطة إضافية على توقعاته لنهاية 2023.
ومع ذلك فلا يزال هناك من يرى أن هذه التوقعات هي أقل من المستويات السائدة بشكل كبير التي بلغت 2.5 في المائة، وهناك من يرى أن الفرص مواتية للعودة إلى نطاق يراوح بين 4 و5 في المائة الذي كان سائدا قبل الأزمة المالية في 2008، والسبب في ذلك كما تشير التقارير أن عوائد ألمانيا لأجل عشرة أعوام، التي نادرا ما تحقق نسبة فوق 0 في المائة، ارتفعت 0.58 في المائة، وهذا الزخم كفيل بتخفيف ضغوط التضخم في حدود السيطرة فيما لو بقيت العوامل الأخرى مستقرة.
لكن مع ذلك فإن الدول الأكثر اعتمادا على الدين الخارجي ستكون في وضع معقد، مع ارتفاع تكلفة خدمة الدين ما يسهم في تراجع الإنفاق الداخلي، والتنمية، ويزيد من الصعوبات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي