تقبل الدخول والخروج السريع للموظف
تواجه الشركات اليوم تحدي الحفاظ على المواهب، خصوصا المتميزة منها. وهذا ليس تحديا محليا فقط، فهناك عدة ظواهر عالمية مرتبطة بتغيير التوقعات لدى الأجيال الجديدة مع زيادة نماذج العمل المرنة والبحث عن أسلوب الحياة والعمل المفضل بشكل مباشر وشجاع. قد تحاول الشركة استبقاء الموظف فترات طويلة بالمنافع المالية وغير المالية وتفشل، لأن التغييرات والتوجهات الحالية أسرع في العادة من استجابة أرباب العمل لهذه الاحتياجات. ولهذا من الواقعية أن تعمل المنظمة على فتح مسارين متوازيين للتعامل مع هذا التحدي: الأول يرتبط باستبقاء الموظف، والثاني بافتراض خروجه في أسرع وقت ممكن. وهذا يعني محاولة الإبقاء عليه بشتى أنواع الخطوات التي تجعله يفضل البقاء، وفي الوقت نفسه افتراض دخوله وخروجه السريع والتعامل مع ذلك بتعظيم وتسريع الاستفادة منه.
تختلف مسألة الحفاظ على المواهب حسب نوع هذه الموهبة، ومستواها أو نضجها، وحسب طبيعة أعمال المنظمة. فبعض المنظمات تراهن فقط على الموظف ولا شيء غيره، بينما بعضها يقوم نجاحه على مزيج من الأدوات والآلات والبشر. ولهذا ينبغي على المنظمة أن تعرف أدوات الاستبقاء حسب طبيعة الموهبة، وأدوات الاستفادة المعجلة من الموظف حسب طبيعة الموهبة.
ولأن استبقاء الموظفين أمر مستهدف من الجميع وسبق الحديث عنه - سواء بالحوافز المالية أو غير المالية أو سلوك المدير ووضوح الإجراءات والأدوار أو بيئة العمل أو غير ذلك - فسأركز على تعظيم وتسريع الاستفادة من الموظف أثناء وجوده. وهذا الأمر مهم لأن واقع التنقلات الوظيفية السريعة أصبح أمرا لا يمكن السيطرة عليه، فحتى الشركات الكبرى والجهات الحكومية التي اعتادت على الحفاظ على الموظف لكامل عمره الوظيفي تتأثر اليوم بالتنقلات السريعة. والسبب الأساسي الذي يحتم علينا التعامل مع هذا الأمر بشكل واقعي هو الأثر في عمل المنظومة، وقدرة المنظمة على الحفاظ على قيمتها الإنتاجية في ظل هذا الواقع الصعب. لأن القدرة على إدارة المعرفة بشكل جمعي اختلفت اليوم، وممكنات الإنجاز القائمة على العقول أصبحت مختلة، وتمازج الأدوار والأفعال ومواءمة القدرات داخل مكان العمل بات شيئا من المستحيل. بناء فرق العمل المتناغمة ورفع مستوى التواصل الفعال أصبح هدفا غير منطقي لأن الفريق المتماسك تحول إلى كيان لا شكل له، وما تراهن عليه المنظمات من إيجاد كل أكبر من الأجزاء المجتمعة أصبح محل تهديد، من يأتي يخرج قبل أن يعطي، ومن يتعلم يختفي قبل أن يعلّم.
اعتاد بعض الشركات الكبرى التي تعمل بمكاتب صغيرة نسبيا منتشرة في المدن الرئيسة على استهداف الخريجين الجدد قليلي التكلفة، ومثل هذه الشركات تعرف أن تركيزهم على الخريجين المتميزين يعني خروج عدد منهم للسوق بعد الحصول على التأهيل والخبرة التأسيسية، لكن هذا لا يقلقهم. فهم يعملون بمبدأ رياضي بسيط، من كل 100 موظف جديد، هناك 20 يتجاوزون المرحلة الأولى التأهيلية وهم المكسب الاستراتيجي الأهم، وهناك 80 يتعلمون وينتجون بشكل مسرع خلال الفترة القصيرة التي يعملون بها. ولا ضير أن يخرج هذا العدد الكبير إلى السوق، قد يعملون عند العملاء ويمثلون قناة تواصل جدية تعزز حضور الشركة تسويقيا.
تقوم عملية تعظيم وتسريع الاستفادة من الموظف استعدادا لخروجه السريع على سرعة عملية الإعداد الأولى employee onboarding وهذا يعني نقل الموظف إلى مرحلة الإنتاج في أسرع وقت ممكن بالدمج المسرع مع فرق العمل وبالتدريب المكثف أثناء العمل. وبعد ذلك تبدأ عملية استخدام الأنظمة والأدوات الملائمة للحفاظ على المعرفة الجديدة، أو نقل المعرفة بالشكل المطلوب الذي يضمن استفادة المنظمة وموظفيها الجدد حتى في حالة تنقل الموظفين، فالاعتمادية على الأشخاص هنا في أدنى درجاتها. ويتواءم مع هذا الأسلوب السريع في ترقية الموظف القائم على قدراته ومهاراته الإنتاجية والتفاعلية.
ومن أهم وسائل التعاطي مع هذه الواقعية المهمة في مكان العمل، تقبل خروج الموظف والتعامل مع ذلك إنتاجيا دون صدمات ودراما غير ضرورية. ما دام الأمر متوقعا فيجب التعامل معه كأنه مخطط له. وما دامت المعرفة محفوظة ووسائل التدريب السريع متاحة فيجب أن تصمم الأعمال بطريقة تسمح لها بالاستمرار دون تأثر. التردد أو الخوف المرتبطان بخروج موظف مجرد مطب يبطئ من عملية التعامل مع الموقف ويجعل نتائجه أعمق، بينما تقبل الموقف والتركيز على التعاطي مع البدائل - التدوير الوظيفي أو المرونة التنظيمية أو حتى الاستفادة من الموردين والمتعهدين مؤقتا - يجعل المسألة سلسة ومنطقية. يتطلب هذا الأمر كذلك تسريعا لعملية التوظيف وهذا طبعا لا يعني التضحية بالجودة ومستوى المرشحين. لكن كثرة التنقلات تعني أيضا استعداد عدد أكبر من أصحاب المهارات للتحرك، وهذا يعني أن فريق الاستقطاب يجب أن يجدد مهاراته باستمرار للحصول على أفضل موجود بأسرع الطرق.