الحرب الروسية - الأوكرانية تسرع التآكل الخفي لهيمنة الدولار
أطلق قرار الولايات المتحدة وحلفائها بتجميد الاحتياطيات الأجنبية لروسيا العنان لجدال حاد حول مستقبل النظام النقدي الدولي.
هذا النقاش قوي لأن المخاطر كبيرة ولأنه لم تتخذ قرارات مماثلة منذ 75 عاما، ومنذ الحرب العالمية الثانية - وبعد ذلك تم تغيير النظام. إن النقاش محير لأنه يتجاهل ما كان يحدث بالفعل للنظام النقدي العالمي.
على الرغم من الإشارات المتكررة إلى "هيمنة الدولار"، فإن حصة الدولارات في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية المحددة تتجه نحو الانخفاض منذ 20 عاما، من أكثر قليلا من 70 في المائة في مطلع القرن إلى 59 في المائة فقط في الربع الثالث من 2021.
هذا الاتجاه ليس نتيجة لتحولات العملة أو تغيرات أسعار الفائدة التي تؤثر في قيمة الأصول الاحتياطية المختلفة. كما أنه لا يعكس النفور من الدولار من جانب عدد قليل من البنوك التي راكمت أرصدة احتياطية كبيرة، بل هو نتيجة جهود كثير من البنوك المركزية للتنويع بعيدا عن العملة الأمريكية.
الآن تأتي المفاجأة. التنويع ليس نحو اليورو والجنيه الاسترليني والين، المكونات الأخرى القائمة منذ فترة طويلة في سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، وهي أصل احتياطي متعدد العملات. ظلت حصة الاحتياطي الجماعي لهذه العملات دون تغيير جوهري على مدى عقدين من الزمن.
علاوة على ذلك، كان ربع التحول فقط في الرنمينبي الصيني، الذي تمت إضافته إلى حقوق السحب الخاصة في 2016. ثلاثة أرباع هذا التحول بالكامل كان في عملات الاقتصادات الأصغر مثل كندا وأستراليا والسويد وكوريا الجنوبية وسنغافورة، حسب ورقة عمل شاركت في كتابتها لمصلحة صندوق النقد الدولي.
ما الذي يفسر صعود هذه العملات؟ أولا، أصبحت أسواقها أكثر سيولة. تاريخيا، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الدول التي تمتلك أسواقا عميقة ووسائل مفتوحة لبقية العالم. كان متداولو العملات الأجنبية قادرين على إيجاد نظراء في عدد قليل من العملات فقط. على أرض الواقع، كان ذلك ينطبق على الدولار بشكل أساس وأيضا اليورو والجنيه الاسترليني والين. كانت هذه هي الوحدات المستخدمة كأدوات للمعاملات الدولية وبالتالي احتفظت بها البنوك المركزية كاحتياطيات.
لكن تكاليف التعامل بالعملات الفرعية تراجعت مع ظهور منصات التداول الإلكترونية والتقنيات الجديدة التي تشكل صناعة السوق المؤتمتة وإدارة السيولة. نلاحظ ذلك في فروق أسعار البيع والشراء للعملات الفرعية، التي أصبحت الآن منخفضة - وأحيانا أقل – من فروق أسعار اليورو والين والجنيه الاسترليني.
ثانيا، أصبحت البنوك المركزية أكثر نشاطا في ملاحقة العوائد. المحافظ الاحتياطية أكبر، ما يزيد المخاطر.
ثالثا، وعلى نحو متصل، أدى انخفاض العوائد على سندات الدول المصدرة للاحتياطيات الرئيسة إلى تكثيف البحث عن بدائل. تقدم العملات الاحتياطية غير التقليدية بانتظام عوائد جذابة معدلة حسب التقلب مقارنة بالعملات التقليدية.
بالتالي، نشهد بالفعل تحركا نحو نظام نقدي دولي متعدد الأقطاب - وليس فقط النظام ثلاثي الأقطاب الذي يهيمن عليه الدولار واليورو والرنمينبي الذي توقعه كثير من المراقبين.
الأحداث الأخيرة من المرجح أن تسرع التنويع. في حالة روسيا، من المسلم به أن جميع مصدري الاحتياطيات المهمين، باستثناء الصين، قد شاركوا بنشاط في تجميد الاحتياطي. لذا، طريق روسيا طويل الأمد نحو عملات احتياطية بخلاف حقوق السحب الخاصة لم يوفر لها ملاذا.
مع ذلك، الآن بعد أن استل سيف تجميد الاحتياطي، يمكن للمرء أيضا أن يتصور سيناريو تجمد فيه الولايات المتحدة احتياطيات بلد ما، لكن الحكومات الأخرى لا تتبعها في ذلك. في هذه الحالة، قد يكون لتنويع الاحتياطي الإضافي من الدولة المستهدفة مزايا تأمينية.
ماذا عن التنويع الأسرع تجاه الرنمينبي؟ سيتعين على أي شخص يفكر في نقل الاحتياطيات في هذا الاتجاه أن يفكر في احتمال أن تصبح الصين عرضة لعقوبات ثانوية. علاوة على ذلك، فإن تصرفات بوتين هي تذكير بأن الزعماء مثله يمكنهم التصرف بشكل متقلب عندما يكون هناك القليل من الثقل المحلي الموازن لكبح جماحهم. إن إظهار الرئيس شي جين بينج لميل ضئيل للتدخل في عمليات بنك الشعب الصيني لا يضمن أنه سيحافظ على هذا الموقف في المستقبل. ليس من قبيل المصادفة أن كل مصدر عملة احتياطي رائد في التاريخ كان له شكل حكومي جمهوري أو ديمقراطي، مع وجود ضوابط على السلطة التنفيذية.
ليس لدى مديري الاحتياطيات في روسيا خيار سوى اللجوء إلى بنك الشعب الصيني طالما استمر في منحهم حق الوصول. لكن بالنسبة إلى البنوك المركزية الأخرى، قد تكون النتيجة الساخرة لقرار الولايات المتحدة بتسليح الدولار هي في الواقع إبطاء الإقبال الدولي على الرنمينبي.
بروفيسور الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، بيركلي