أعباء الديون .. الهيكلة والحلول
خلال رئاسة السعودية دورة "مجموعة العشرين" عام 2020، قدمت سلسلة من المشاريع، وطرحت عدة مبادرات تختص بالحالة التي تمر بها الدول الفقيرة، وتلك التي توصف بالدول الأشد فقرا.
نجحت السعودية في تمرير قرارات جمدت الفوائد على ديون هذه الدول للتخفيف عنها من الضربات الاقتصادية لجائحة كورونا، كما أن الرياض تحركت على الساحة الدولية، لتوفير ما أمكن من أدوات لدعم التنمية، عبر تسهيلات تجارية وحوافز مختلفة، وإيجاد الاستدامة الاقتصادية في الدول الفقيرة عموما.
اليوم تدعو ريبيكا جرينسبان رئيسة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، إلى تحرك عاجل حيال ديون الدول الفقيرة التي أضعفتها الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا، فكما هو معروف، رفعت هذه الحرب أسعار السلع الغذائية، كما رفعت أسعار الطاقة التي انعكست بدورها على الأسعار عموما، ما عمق ارتفاع التضخم.
ارتفاع الأسعار شمل حتى الأسمدة التي تستخدم في الإنتاج الزراعي في كثير من الدول الفقيرة، ما زاد من حجم الضغوط عليها، فضلا عن المصاعب الجمة الآتية من جهة اضطراب سلاسل التوريد، التي أدت إلى زيادات تاريخية أيضا في تكاليف الشحن، فهذه الأخيرة ارتفعت -بحسب أونكتاد- 34 في المائة منذ بدء الحرب الروسية - الأوكرانية قبل شهر تقريبا، ومشكلة ديون الدول الفقيرة ليست جديدة، لكنها تحسنت بصورة كبيرة قبل تفشي وباء كورونا، عن طريق سلسلة من السياسات التي اتخذتها الدول المؤثرة على الساحة العالمية، فضلا عن نجاح مسار الإصلاحات في كثير من الدول الأشد فقرا، وقد أسهم النمو في هذه الدول في تخفيف أعباء الديون أيضا، مع فتح ساحات دولية لها لمنتجاتها.
لكن تفاقمت أزمة الديون مع زيادة ضغوط خدمة الدين ذاتها، فبحسب التقديرات الدولية، فإن الدول النامية عموما، تحتاج إلى 310 مليارات دولار لخدمة الدين العام الخارجي في العام الجاري، أو ما يعادل 9.2 في المائة من حجم الدين العام الخارجي حتى نهاية عام 2020.
وهذه الأموال ليست متوافرة بالطبع في خزائن دول تواجه تبعات أزمات اقتصادية لن تنتهي بسرعة، والديون ليست حكرا على دول فقيرة بالطبع، وهناك مستويات للدين فاقت حجم الناتج المحلي الإجمالي لكثير من الدول ذات الاقتصادات المتقدمة، ففي منتصف العام الماضي ارتفعت مستويات الدين العالمي الإجمالي إلى 296 تريليون دولار، بحسب معهد التمويل الدولي، وبالطبع كانت الأسواق الناشئة الأكثر تضررا بإجمالي ارتفاع بلغ 3.5 تريليون دولار في الربع الثاني من عام 2021.
غير أن الديون في الدول المتقدمة يمكن استيعابها والإيفاء بها طبعا، حيث لا توجد مخاطر ناجمة عنها، لكن الحال ليست كذلك في ساحات الدول الفقيرة، ففي العام الماضي على سبيل المثال تخلفت ثماني دول عن السداد، وهو أمر خطير جدا.
وبالتالي لا توجد أدوات فاعلة لمواجهة أزمة ديون الدول الفقيرة، إلا الطريقة القديمة المتجددة، وهي العمل على إعادة هيكلة هذه الديون، بما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية لكل بلد، فإعادة الهيكلة لا تسري بمعاييرها على كل الدول، فهي تختلف من بلد لآخر وفق إمكاناته الحقيقية.
ومن هنا، يمكن النظر إلى تحركات السعودية منذ البداية لحل هذه الأزمة المتفاقمة من على منصة "مجموعة العشرين"، تلك المجموعة التي اتخذت زمام المبادرة الدولية كما هو معروف منذ انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.
أزمة ديون الدول الفقيرة ترتفع حدتها بفعل هذه الأزمة أو تلك، وستربك المشهد العالمي بالتأكيد أكثر، والآليات مطلوبة الآن للإسهام في الحل، ليس فقط لمواجهة الديون مباشرة، بل لمعالجة أزمة السيولة أيضا.